البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

الاحتمال الديمقراطي المهدور في تونس

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 2170



أكتب مصرًا على أن التعامل السياسي مع حزب النهضة التونسي لم يخرج أبدًا من المنطق الاستئصالي الذي ساد قبل الثورة واستمر بعدها ولولا مناخ الحريات الذي فرضته الثورة لما سمح للحزب بالبقاء قيد الحياة السياسية. يقرأ البعض هذا الخطاب كدفاع عن النهضة وهي قراءة استئصالية تلح على أن من لم يكن ضد النهضة فهو بالضرورة وسيلة دفاع عنها، ولم يرتق الخطاب إلى أن العمل مع النهضة كمكّون أساسي وضروري في المشهد يطور الديمقراطية ولا يقلل من بقية المكونات السياسية المشاركة في مشهد تعددي محكوم بالتطور نحو القبول والتعايش ضمن الديمقراطية، فيوجد اتجاه سائد في السوشيال ميديا التونسية أن لعن النهضة مقدم على تمجيد الديمقراطية. وهذه الورقة تضع نفيها خارج هذا المنطق.

توزع السلطة بين مراكز كثيرة
أما لماذا تستأصل النهضة بعد الثورة على طريقة بن علي رغم السعي في ذلك من أطراف كثيرة شاركت بن علي جريمته السابقة للثورة فذلك عائد أولًا إلى أن قوة القمع تفتتت ووجد الاستئصاليون أنفسهم بلا بن علي وداخليته، وتوزعت السلطة في مواقع كثيرة ولم تعد على رأي واحد خاصة بعد انتخابات 2011 التي تقدمت فيها النهضة وفرضت بقوتها البرلمانية في المجلس التأسيسي جذور النظام البرلماني، وكان لمشاركة حزبي المؤتمر والتكتل ضمن ترويكا الحكم دور مهم في طرح احتمالات التعايش والصراع ضمن الديمقراطية، لم يكن ذلك التعايش أخويًا بل سادته خلافات وصراعات ككل تجارب التعدد السياسي في الحكم ولكنه انتهى بوضع دستور مجمع عليه وقطع مسافة طويلة لكي لا تتم العودة إلى عزل طرف سياسي بحجة عدم ديمقراطيته، لقد كشف أن الحزب الإسلامي المتهم في ديمقراطيته يمكن أن يأكل على قصعة الديمقراطية ولا يؤثر بها نفسه.

وثانيًا انقسم الاستئصاليون إلى شيع كثيرة يمكن إجمالهم في تيارين كبيرين: تيار يريد استعمال النهضة لصالحه وأسميه "الاستئصال الناعم" وجوهر فكرته عبر عنه السيد نجيب الشابي في مناسبات كثيرة أن تصوت له النهضة ليكون في موقع حكم ويتفرع إلى مواقف أخرى جوهرها أن للنهضة الحق في التصويت (أي المشاركة السياسية لكن عليها أن تكون خارج الحكم فهي أقل منه أو ليست كفؤًا له، وسميت هذا سابقًا استعمال النهضة كوسيلة نقل لمواقع القرار، وتصبح النهضة حزبًا ديمقراطيًا إذا منحت أصواتها لمرشح رئاسي أو إذا منحت وزارات لغير أبنائها في حكومات تشكلها دونهم لكنها تصبح غولًا يهدد الديمقراطية إذا تكلمت بمنطق نتيجة الصندوق الانتخابي أو وضعت تصويتها وسيلة لحمايتها.

وتيار ثان لا يقبل بالنهضة مهما تبدلت وتنازلت، عبرت عنه التيارات اليسارية التي خضعت لمنطق الديمقراطية ظاهرًا ولكنها تقيم ديمقراطيتها على إقصاء الإسلام السياسي فقط إخلاصًا لشعار قديم (لا ديمقراطية لادعاء الديمقراطية)، بزعم أن اليسار وحده من يملك أن يبني الديمقراطية ويقودها، ونفس هذا الفكر تقوده الآن وريثة بن علي عبير موسي المتخفية وراء صورة بورقيبة وتلتقي مع تيار الاستئصال اليساري في النتيجة.

الهدر الديمقراطي
كتب بعض رموز الاستئصال الناعم ليلة سقوط حكومة الحبيب الجملي في البرلمان حامدين الله أنه يمكن استبعاد النهضة بالوسائل الديمقراطية، فاثبتوا بذلك تناقضهم في أمرين مهمين: أولهما إتيقي أخلاقي سياسي مؤداه أن الإسلاميين (أعداء الديمقراطية) يخضعون لحكم الصندوق ويسلمون بقوة الأحزاب ضمن الديمقراطية ولا يتمردون ويدفعون إلى الفوضى إذا خسروا السلطة، وهو ما يسقط تلك الأدبيات التي روجت لمدة 40 عامًا أن الإسلاميين منافقون وسيتسللون عبر الديمقراطية إلى مفاصل السلطة ليكشفوا لاحقًا وجههم النازي (والمثل المستعمل دائمًا هو تجربة الحزب النازي الذي وصل إلى الحكم بالصندوق ثم انقلب عليه) لذلك وجب قطع الطريق عليهم وحرمانهم من الوجود. وقد أسس بن علي كل سياسته تجاههم على هذا التخويف.

وثانيهما تاريخي وهو أن إشراك النهضة ثم استبعادها من الحكم بوسائل الصندوق كان ممكنًا منذ سنة 1981 سنة إعلان الحزب عن نفسه (باسم الاتجاه الإسلامي) وإعلان رغبته في المشاركة ضمن مناخ سياسي تعددي وأن الفترة الزمنية من ذلك التاريخ إلى اليوم كانت حقبة طويلة من الهدر الديمقراطي، وقد دُفع فيها ثمن باهظ لم يدفعه الإسلاميون (الاتجاه الإسلامي/ النهضة) وحدهم بل دفعته البلاد وجميع مكوناتها السياسية حيث لا يجيب خصوم النهضة عن سؤال معلق بعد ماذا فعلوا للديمقراطية وللحريات خاصة كركيزة لها عندما غيب بن علي الإسلاميين لمدة ربع قرن.

هنا نعاين الهدر الديمقراطي ونكتشف عمق الأطروحات الاستئصالية، ونصل إلى سؤال آخر: لماذا لم يفلح الرافضون للإسلاميين في بناء أحزاب وكتل سياسية قادرة على اكتساح الصندوق بما يقلل من وجود الإسلاميين وقوتهم مهما كانت طبيعة فكرهم ونواياهم الخفية؟ وهذا السؤال بدوره يؤدي إلى سؤال آخر: ماذا لدى الديمقراطيين ليقدموه إلى الشعب ليصوت لهم ويريحهم من وجود الإسلاميين في طريقهم.

البدائل الهشة تدفع إلى الاستئصال والهدر
نحن في السنة العاشرة للثورة، ومررنا بمحطات انتخابية كثيرة وقرأنا برامج الأحزاب والمنظمات في كل المحطات ولم نجد فيها تنوعًا كبيرًا عما يطرح الإسلاميون، حتى إنه يمكن القول إن الجميع يقرأ من كراس واحد، ويغالي البعض في الشعارات ولكن الممارسة تنتهي إلى نفس المقترحات.

وفي غياب إبداع سياسي من أي جهة نجد أن الممارسات تجنح إلى مهرب مشترك، إبعاد الحزب الذي يفوز دومًا بالتصويت عن مواقع الحكم بغير وسائل الديمقراطية، مرة باسم الثورية في مقابل المهادنة ومرة باسم التقدمية في مقابل الرجعية.

لقد تابعنا المفاوضات الشاقة بشأن حكومة الحبيب الجملي بعد انتخابات 2019 ونتابع مفاوضات أخرى أشدّ عسرًا مع حكومة الفخفاخ ونعتبر أنها تدور كلها في مناخ استئصالي من علاماته أن الحزب الفائز لا يجب أن يترأس الحكومة وأن لا يدير حقائب السيادة الأربعة وتحرم عليه وزارة المالية والتربية والثقافة. وقد قيل له سابقًا إنه ليس عليه الترشح لمنصب الرئيس، وقد قبل الشروط المذلة ورضي أن يكون شريكًا ثانويًا غير مهيمن لكن رغم ذلك دفع إلى التنازل وهو يفاوض الآن كشريك لا كحزب أول.

كل هذا الوقت المهدر من عمر الديمقراطية ومن حياة الشعب التونسي سببه فئات سياسية تربت على أن ليس للإسلاميين حق في المشاركة ولكن الصندوق قال لهم منذ 2011 ما لا يرغبون، فهم الآن في وضع إسقاط نتائج الصندوق وليس لديهم إجابة عن السؤال لماذا.

إن الإجابة عن هذا السؤال ستنتهي إلى حقيقة واضحة وبسيطة وهي أن ليس هناك فرق حقيقي بين مكونات المشهد السياسي التونسي وأن الجميع متشابهون ويوشكوا أن يكونوا متطابقين، فليس بينهم عباقرة حكم وليس لديهم حلول عبقرية للبلد والعبقرية الوحيدة المطلوبة منهم هي أن يخرجوا البلد من هذه المعركة المدمرة للديمقراطية وأن يبدأوا الدرس الأول في التعايش تحت مظلة الديمقراطية، هنا ينتهي الهدر الديمقراطي.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الياس الفخفاخ، تشكيل الحكومة، إسقاط الحكومة، الثورة المضادة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 6-02-2020   المصدر: نون بوست

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د- جابر قميحة، يحيي البوليني، تونسي، حاتم الصولي، فهمي شراب، الهيثم زعفان، محمد علي العقربي، د - المنجي الكعبي، ماهر عدنان قنديل، سليمان أحمد أبو ستة، عراق المطيري، محمد عمر غرس الله، بيلسان قيصر، سلوى المغربي، د. خالد الطراولي ، د - صالح المازقي، أشرف إبراهيم حجاج، رمضان حينوني، المولدي الفرجاني، يزيد بن الحسين، سامح لطف الله، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، المولدي اليوسفي، إسراء أبو رمان، محمد اسعد بيوض التميمي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، محمد العيادي، حسني إبراهيم عبد العظيم، حميدة الطيلوش، إياد محمود حسين ، محمد الياسين، د - عادل رضا، د - محمد بن موسى الشريف ، سلام الشماع، عمر غازي، عبد الغني مزوز، رضا الدبّابي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، فوزي مسعود ، صلاح المختار، كريم السليتي، أ.د. مصطفى رجب، محرر "بوابتي"، د. عادل محمد عايش الأسطل، رافد العزاوي، سيد السباعي، عزيز العرباوي، عواطف منصور، عبد الله الفقير، كريم فارق، حسن الطرابلسي، العادل السمعلي، سامر أبو رمان ، ياسين أحمد، جاسم الرصيف، د - الضاوي خوالدية، محمد شمام ، رافع القارصي، د- هاني ابوالفتوح، مصطفي زهران، وائل بنجدو، عمار غيلوفي، طارق خفاجي، الناصر الرقيق، صباح الموسوي ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، أحمد النعيمي، د. مصطفى يوسف اللداوي، د - مصطفى فهمي، د- محمود علي عريقات، أحمد ملحم، طلال قسومي، عبد الله زيدان، د - محمد بنيعيش، مراد قميزة، مجدى داود، أحمد بن عبد المحسن العساف ، محمود فاروق سيد شعبان، حسن عثمان، خالد الجاف ، إيمى الأشقر، أحمد بوادي، سفيان عبد الكافي، ضحى عبد الرحمن، أنس الشابي، د. طارق عبد الحليم، د. أحمد بشير، خبَّاب بن مروان الحمد، صلاح الحريري، صالح النعامي ، د. صلاح عودة الله ، عبد الرزاق قيراط ، أبو سمية، علي عبد العال، الهادي المثلوثي، فتحـي قاره بيبـان، د - شاكر الحوكي ، صفاء العربي، محمود طرشوبي، د. عبد الآله المالكي، علي الكاش، د. أحمد محمد سليمان، فتحي الزغل، أحمد الحباسي، فتحي العابد، صفاء العراقي، سعود السبعاني، نادية سعد، محمود سلطان، محمد الطرابلسي، مصطفى منيغ، رشيد السيد أحمد، رحاب اسعد بيوض التميمي، عبد العزيز كحيل، منجي باكير، محمد يحي، د- محمد رحال، د.محمد فتحي عبد العال، محمد أحمد عزوز،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة

سياسة الخصوصية
سياسة استعمال الكعكات / كوكيز