يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لسنا سيّئين أبدا، ولم نخرج يوما عن ديننا ولا عن دنيانا، جعلناهما معا عجّة واحدة، تباع في الأسواق وفي المدارس والجوامع والخمّارات والأعراس والمحاكم والملاعب والشّواطئ والمواخير وفي كلّ مكان. يكفي أن تؤمن بأنّ الإيمان في القلب، لتبيع ما تريد وتشتري ما تريد من متاع الدّنيا والآخرة، ولا حاجة بك لتقديم أيّ تفسير حتّى فيما بينك وبين ربّك.
الصّلاة ليست ضروريّة أبدا ولا فرضا كما يقول الفقهاء المتشدّدون، ما دام الإيمان في القلب، والزّكاة منسيّة أصلا من حديث النّاس، والصّوم مؤجّل ما دام الشّابّ طائشا، وبإمكانه أن يغتنم من حياته ما يشاء، فيزنى ويسكر بشواء عيد الأضحى ويعيش كما يعيش أنداده ما دام العمر لا يزال طويلا أمامه للتّدارك، والحجّ فريضة العجائز البائسين الّذين اقتربت ساعتهم ويريدون أن يغسلوا عظامهم من ذنوب العمر الطّويل. كلّ ذلك لا يجب أن يفسد للإيمان قضيّة ولا للآخرة ودّا، مادام الإيمان في القلب.
يستطيع روّاد الحانات أن يبدؤوا بالبسملة لأنّهم مسلمون في قلوبهم ولا أحد يزايد عليهم، وتستطيع العاهرة أن تتحجّج بالظّروف القاسية وظلم ذوي القربى وتمارس "فضيلتها" فلا يفسد ذلك إيمانها، ويستطيع بائع الحليب أن يخلط الحليب بالماء، فذلك نوع من التّدبير، ويستطيع الجزّار أن يبيعك لحم الحمير أو البغال أو حتّى لحم القطط والضّفادع، فهذا من صميم الشّطارة والفهلوة ولا يتعارض مع الإسلام في شيء. ربّ البيت الوقور هو أيضا لن يفسد وقاره أن يجلس في المقهى بالسّاعات يتسلّى بكلّ أنواع النّكت الفاحشة وينظر إلى المؤخّرات الكبيرة ويسبّ الجلالة بطلاقة وفصاحة وتنغيم، لكنّه لن يفوّت صلاة الجمعة حتّى وإن كان لا يصلّي باقي أيّام الأسبوع، وسيحرص على شراء الكبش الأقرن الأجمل صورة في الحيّ، عملا بسنّة سيّدنا إبراهيم، وسيلبس القميص الأبيض لصلاة العيد ويسبّح ويكبّر طويلا بصوت جهوريّ خاشع ورأس منكوس، وسيشهد زورا في المحكمة بعد ذلك لينصر رئيسه في العمل على موظّف غلبان، لأنّه مضطرّ للحفاظ على خبزة أبنائه، والإيمان في القلب، وساكنة الحيّ اللاّتينيّ ستقرّد خادمتها الّتي ترتدي الحجاب وتنعتها بالبهيمة المتخلّفة، وستركب كلّ أنواع الموضة لتنفخ أشياءها وتكشطها وتشدّها وتعرضها للجيمع عرضا يعبّر عن تفتّحها الشّديد وتحرّرها وقطيعتها الكلّيّة مع ثقافة "أولاد الحفيانة" المتخلّفين، وستتقبّل التّهاني بعيد الأضحى وعيد الفطر ومولد الرّسول وتنشر بدورها على حسابها الفايسبوكيّ رشّات متتالية من الآيات المكتوبة بخطّ مذهّب والأحاديث الشريفة والأذكار والأدعية المأثورة.
المتحجّبة أيضا ليست في ضيق من حالها، فالله يأمر بالسّتر عند المعصية، وما دام الأمر كذلك، فبإمكانها أن تتخفّف قليلا حين تغفل الأعين. وحاسّة التّديّن تتعطّل في الأعراس، وخاصّة إذا كان العرس لقريب من الأقارب، فالفرحة له واجبة والرّقص والرّدح في الصّالات وفوق السّطوح يصبح من السّنن المؤكّدة، والإسراف في الماكياج والتّغنّج لا يفسد للدّين قضيّة، مادام الإيمان في القلب. الموظّف بإمكانه أن يجعل راتبه الشّهريّ في حساب مغلق مادامت عائدات الرّشوة تكفيه كي يبني ثلاثة طوابق وينفق على عائلته ويشتري فاخر الأثاث والعقارات والسيارات، وهذا لا يتعارض طبعا مه كونه مؤمنا إيمانا حقيقيّا، وليس من حقّك أن تزايد عليه ولا أن تذكّره بربّ العباد ولا بأيّ شيء.
الحاكم أيضا لا يضرّ إيمانه أبدا أن يسلخ المعارضين في السّجون وأن يغتصب النّساء والأرزاق ويسقط الشّهداء في السّاحات، لأنّ كلّ ذلك من ضرورات الحكم والمحافظة على الدّولة، ولا علاقة له أبدا بمسألة الدّين، فهو رغم ذلك يبقى حامي الحمى والدّين ويشرف على الاحتفالات بالجامع الكبير وعلى توزيع جوائز حفظ القرآن بالجبّة والشّاشيّة القرمزيّة والسّبحة اللاّمعة. فلا يجب أبدا أن نخلط الأمور. نحن شعب سعيد ومتوازن ومنسجم تماما مع نفسه، منذ اخترعنا مقولة إنّ الإيمان في القلب. والإسلام دين متفتّح متنوّر، والجميع مسلمون بلا أيّ نقاش، حتّى الملحدون في بلادنا جميعهم مؤمنون، وإيمانهم في القلب، وسوف يتزوّجون المحجّبات ويصلّى عليهم في خشوع ويغسّلون ويدفنون في مقابر المسلمين وتقرأ عليهم الفاتحة. إنّها الخلطة التّونسيّة العجيبة الّتي حيّرت العالم، حتّى الشّيطان لا يستطيع أن يغوي شعبا كهذا، متصالحا بالكامل مع كلّ مفاسده وجرائمه، ولذلك ترك مهمّته هنا لكثير من البشر الّذين يمكن أن يقوموا بها أفضل منه ألف مرّة...
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: