د محمد حاج بكري - سوريا / تركيا
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 2357
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
الثورة السورية أعظم ثورة في التاريخ وقد سبقت في تضحياتها كل ثورات العالم في التاريخ القديم والحديث ولا اعرف كسوري عاش هذه الثورة منذ بدايتها وحتى اليوم كيف سمحنا بأن ندمر أنفسنا من الداخل بهذا الشكل؟ بدون شك أن هناك خلل عميق فينا يتوجب تحليله وكشفه كيف وصلنا إلى هذه الدرجة من العجز والهوان والتخلف إذ يبدو أن العوامل التي أدت إلى عجزنا في الماضي آبان حكم الأسد هي نفسها التي تكبل عقولنا، وتحرمنا اليوم من البحث عن سبل التفاهم والحوار، لأن الآفات الماضية مازالت قائمة إلى الآن في عقولنا وسلوكنا، بل إننا لم نستطيع أن نحكّم عقولنا ونتدبر أمورنا في خلق تفاهم مجتمعي وأساليب وآليات عقلانية نغذيها ونحميها ونطورها.وتحقق اهداف ثورتنا
وللحقيقة ليس كل شيء هو من فعل المؤامرات الخارجية كما يطيب للبعض تبسيط قراءة المشهد السوري المأزوم للتهرب من قول الحقيقة والاقرار بالفجوة العميقة والواسعة بين المكونات السورية جميعها، فهي وحدها أولا التي تتحمل المسؤولية فيما حدث ويحدث لأنها براكين تنفجر والغام تتحرك من أمامنا في كل وقت وفي كل مكان وزمان بسبب تراكمات عجزنا عن معالجتها بالكيفية الافضل والأصلح. والانسب لمجتمعنا
ليس عندي من جواب وأنا حائر مثلكم لما يحدث في سورية كلها، بالطبع ليس لأن السوريون قوم متخلفون، وليست لأن الجينات التي يحملونها هي السبب. بل العكس تماما فالسوريون صناع حضارة وتاريخهم يشهد
لقد سبق لهم في أعقاب الاستقلال أن شيدوا وطنا ولكنهم لم يستطيعوا أن يحافظوا عليه وهناك شعوب وأمم كثيرة عانت مثلنا من التمزق وفوضى ما بعد الثورات ولكنها نجحت في استعادة سيادتها ووحدتها وتقدمت بشكل حثيث نحو بناء نفسها. وتطور اقتصادها بزمن قياسي وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية خير مثال
بعيداً عن حديث المؤامرات الأجنبية والعربية علينا في سورية والتي ليست كلها بالضرورة مبالغات، أو حتى أوهاماً، فقد عشناها حقيقة وواقعا من توزيع للدعم او اعتماد على شخصيات معينة مدروسة بدقة بالنسبة للداعم الى ابعاد للكفاءات الى مصادرة القرار الوطني فإن ما نشهده، اليوم، من جنون يصل إلى حد التدمير، إنما هو في جلِّه من صنع أيدينا، إنه تدمير ذاتي للإنسان السوري وتدمير ذاتي لكثير من مكوناتنا، الى تدمير لمبادئ واهداف دفعنا من اجلها كل غالي ونفيس إلى الحد الذي يُحار فيه المرء إن كان المسؤولون عن هذا الجنون وهذه الفوضى يعون ما يفعلونه، وهل هو عن سبق إصرار وترصد، بفعل الأرتهان للخارج او العمالة للأسد أم أنهم منساقون وراء حسابات ذاتية، وحماقات منفلتة من أي منطق استنادا الى منطق الجهل
مضت سنوات سبع ودخلنا العام الثامن أعتقد فيها الناس أن اوضاعنا الداخلية في المناطق المحررة سوف تتحسن تدريجيا من الاسوأ إلى الأحسن ولكن للأسف الشديد غلب ‘منطق’ القوة ومنطق التعصب ومنطق الإقصاء على كل شئ حتى أصبح التدمير الذاتي سمة عامة في سورية، فهو يقوم على نسف كل مقومات الوحدة الوطنية الداخلية، ويمزق النسيج الاجتماعي في الدولة الواحدة، ويقسم الشعب الواحد إلى أطراف متناحرة في شكل مجموعات مسلحة متنافرة ومتقاتلة، وبذلك صار المجتمع السوري أكثر هشاشة، وقابل للاختراق والتقسيم، وربما عاجز عن النهوض مجدداً. على الرغم من أن مايجمعنا اكثر بكثير من مايفرقنا من حيث الأهداف والمصير المشترك واصبح الولاء للفصيل غاية وهدف
كيف حدث ذلك؟ ومن المسؤول عنه؟ ومن المستفيد منه؟ هل من تفسيرٍ لهذه العقلية التدميرية؟ هل من تفسير لهذا الهوس بتدمير الذات؟ هل من تفسيرٍ لفشلنا في تغليب المصلحة الوطنية والجماعية لصالح المصالح الضيقة والقصيرة المدى؟
الشعب السوري الذي ثار على حاكم دكتاتور مصاب بجنون العظمة، دمر وطنه وشعبه على امتداد خمس عقود استكمالا لمسيرة المقبور والده من أجل نفسه وبقاؤه في السلطة، يجد اليوم، نفسه في قلب فوضى عارمة وحالة من التدمير الذاتي تغيب فيها الدولة وأجهزتها المهترئة وتندلع بينها الصراعات التي تتم هندستها بعناية من أطراف عدة، وهي إن استمرت بهذه الحالة الخطيرة التي عليها اليوم، فإنها ستقود حتما في اتجاه عودة نظام اسوأ تدميراً وانحطاطاً من نمط ‘ نظام’ الأسد ، أوتقود في النهاية إلى انقسام مناطقي وجهوي متخلف تحت مختلف الشعارات الدينية والسياسية.
أزمتنا في عقولنا وفي نفوسنا، ازمتنا في طريقة تفكيرنا المتخلفة التي لا تقبل الأخر ولا تريد أن تتعايش معه، أزمتنا في تعصبنا الديني والسياسي، أزمتنا في تعصبنا القبلي والجهوي فالتعصب هو الذي ولّد الاحساس عند كل الأطراف المتصارعة باعتبارها أنها على حق، والطرف الأخر على خطأ هذا التعصب هو الذي جعل بعضنا مشحونا بالعداء وعلى استعداد للقتل والذبح وارتكاب أبشع الجرائم بأسم ‘الثورة’ أو بأسم ‘الشرعية’ أو بأسم’ الدين والشريعة’ أو تحت الشعارات السياسية الزائفة التي تخدم أصحابها ولا تخدم الوطن وأهله، وكأن هذا البعض أصبح وصّياً على الشعب السوري يدافع عن الحق والطرف الأخر عن الباطل
لم تستطيع المكونات الجيوسياسية والدينية والعسكرية تلك التي نشأت خلال الثورة تحت مختلف الشعارات والمبررات أن تعمل ضمن إطار المحيط الواحد وتتجاوز أحقاد الماضي وسلبيات الحاضر وأثاره المدمرّة على الجميع، ولا ايقاف حتى صراعها على السلطة والثروة لكي تجلس وتتحاور وتتفق فيما بينها على تجميع قواها لمواجهة التحديات والمتطلبات الحاضرة للمجتمع السوري ككل والعمل على رسم سياسات المستقبل لضمان مصالحها المشتركة في ظل الوطن الواحد.واصبح كل منها يرى في نفسه نتيجة تضخمها انه الكل بالكل
نعم تغيب السلطات الناظمة وآليات العمل على أرض الواقع بفعل عوامل عديدة ولكن أيضا حتى المكونات السياسية والدينية التي ظهرت للوجود اثنا ء الثورة على مختلف مشاربها قد فشلت أيضا وبنفس الدرجة بالتصدي للمهام الوطنية والديمقراطية عندما توفرت لها الظروف الملائمة لأخذ مكانتها وتأدية رسالتها التاريخية نحو الوطن والشعب، وفضّلت جميعها لأسباب بنيوية تحكمها وتحكم عقليات وسلوكيات قادتها إلى الارتماء في أحضان المنفعية القبلية والجهوية والمناطقية و التعصب الديني لدرجة التطرف فالمشكلة ليست فقط في ما يجري في الرؤوس ولكن المشكلة على أرض الواقع طالما كل الأطراف المتناحرة لا تفكر بحكمة وعقل وإنما بطيش وتهور ومغامرة.وكان الجهل مخيما بقوة فالحداد قائدا ورجل الدين طبيبا والقاضي مختبأ في بيته فهو ابن العلمانية والقانون الوضعي واختلط الحابل بالنابل
ما هي النتيجة لكل ما يحدث والآثار المترتبة عليها بالنسبة للشعب السوري أو بالنسبة لجزء منه؟
النتيجة هي: الشلل الكلي او الجزئي للحياة الطبيعية
على المستوى الداخلي: لقد اصيب كل شيء في سورية بالشلل، فقد غابت الحياة الطبيعية للناس وحل محلها الخوف والهلع والترويع وغياب الأمن والأمان والاستقرار، ما أن تنتهي أزمة أو مأساة حتى تبدأ أخرى و يكاد أن يصبح الوطن ‘أرض الأزمات والمآسي’وكثرت الهموم على البشر وهناك جهتان مدمرتان النظام المجرم من جهة مدعوما بحلفائه ايران وروسيا ومرتزقة الدنيا والفصائل المتناحرة المتحاربة من جهة أخرى فكل طرف من الأطراف المتصارعة يدعي أنه ذو مشروعية وعلى حق فكل ما يقوم به من تدمير للمنشآت والمباني العامة والخاصة واعتقال وتعذيب قتل واغتيال للأشخاص المدنيين والعسكريين و رجال علم وفكر وحتى تجار ،فلم يعد يسلم أحد لا رجل طاعن في السن ولا شيخ مسجد ولا طفل ولا امرأة، سكان المدن’ شرقا وغربا’ يناموا وتستيقظوا على أصوات القنابل والصواريخ والرصاص ولا يعرفوا متى تتوقف هذه الضربات العشوائية ولا كيف تبدأ بل إن الناس أصبحت تتوقع أن تستهدفها في لحظة ما، فساد عام في معظم المنظمات وسرقات للمواطنين العزّل ( أموالهم وممتلكاتهم وسياراتهم)، أغلاق للطرقات وحواجز تعجز عن عدها وقطع المياه عن مناطق ومدن بكاملها وانحدار في مستوى الخدمات العامة وقطع للكهرباء بصفة مستمرة حتى لو دفعت رسوم الاشتراك و نقصا في البنزين والأسوأ في هذا الأمر ما يتعلق با لخدمات الصحية والعلاجية التي تعاني من نقص من كل شئ و أصبحت ‘المستشفيات’ في حالة مابين الإغلاق والاستمرار وعدم القدرة على الوفاء بالتزاماتها تجاه المرضى والمصابين، ، هكذا أصبح الحال كل طرف يعطي لنفسه الحق في أن يشل جزء من حياة المواطنين الطبيعية دون أي اعتبار أو تقدير أو احترام للمسائل والاعتبارات الإنسانية و الدينية والوطنية ولهذا السبب نجد الشعب السوري بكامله يدفع ثمنا أكبر بكثير من ما تحققه مفاخرات ومغامرات ومقامرات هذه الأطراف المتصارعة على أرض الوطن فلم ولن تحقق شئ للسوريين لا كيفا ولا كما بل المزيد من الآلام والمعاناة والتخلف.وافتقدنا الى أي قدرة تنظيمية ولو على مستوى هامشي بسيط
على المستوى الخارجي: لقد خسرت الثورة جزء كبير من سمعتها الدولية بصورة كبيرة ولغة التكافل والشجاعة والتضحية والايثار التي سادت اثناء الثورة وكانت محل فخر واعتزاز من القاصي والداني في كل أنحاء العالم في محاربة وإسقاط الدكتاتورية، تلاشت وانتهت بعد أن واجه السوريون بعضهم البعض في صراعات مسلحة ظاهرها ‘المصلحة’ وباطنها الأطماع السلطوية والثروة والتبعية سواء الإقليمية او الدولية وأصبحت بندقيتنا الحرة الكريمة مرتهنة ومؤجرة وهذا لاينطبق على الجميع لكن على الأكثرية تحت مختلف اكاذيب الشعارات السياسية والدينية، فقد شعرت كثيرا من الدول بأن الاسد لم يكن وحده المشكلة بل هي أعمق وأشد من ذلك، لأن السوريين عجزوا عن التفاهم المجتمعي وليسوا مؤهلين للممارسة الديمقراطية ولا يقدّرون معنى الحرية وما تتطلبه وما يترتب عنها من مسؤوليات، ولا يفهمون مبدأ التعايش السلمي فيما بينهم، بل أصبحوا يعيشون تحت رحمة التقلبات الشديدة للأطراف المتصارعة التي تقترب يوم بعد يوم بسلوكهم نحو البدائية والتطرف.وكان لمقاطع اليوتيوب التي تنتشر من قبل الثوار استغلال امثل من قبل النظام واعوانه رغم انها حوادث فردية وجرائم النظام اكثر من ان تعد وتحصى وميزتها القتل الجماعي والتهجير والتغيير الديمغرافي واستخدام الأسلحة المحرمة وغير المحرمة لكن المكنة الإعلامية لعبت دورها
سورية اليوم في نظر العالم الخارجي أصبحت بؤرة خطر ليس فقط على واقعها الداخلي بل أيضا على جيرانها ومحيطها الجغرافي العربي والإقليمي وحتى الدولي، المليارات من الأموال أهدرت في السنوات الماضية،وعندما تسمع وتحلل الأرقام التي يصرح بها من قبل الدول التي قدمت كمساعدات لشعب السوري تظن انك في جنات النعيم لكنه الافتقار الى الإدارة والتنظيم واصبحنا كسوق شعبي أي بازار للقاصي والداني
فلم يشيد فيها شئ ذو قيمة، ولاحسيب ولارقيب والكل يتهم الكل بالفساد بل العكس صار الهدم والدمار سمة الحياة اليومية، مما يعزز فقدان الثقة في قدرة هذه الثورة على القيام بأعبائها وتحقيق أهدافها
إن مسؤوليتنا التي تناط بنا أن نتبع الحق ونصلح ولا نقصي وأن نرغم أنفسنا على التحاور سلميا وليس بلغة السلاح والقتل والتدمير فالداخل المحرر دفعنا جميعا ثمن تحريره وأن نتحلى بالمسئولية تجاه مستقبل مجتمعنا ككل، فهذه مسؤولية تاريخية تقع على عاتقنا جميعا، فلن يعذرنا الزمن ولا الاجيال القادمة بأننا وقفنا بدون حراك عقلاني، فإما أن نترك مجتمعنا ينحل ويتفكك ويصبح لقمة سائغة، أو نعمل على أن ننتشله مما هو فيه ونكون بدأنا خطوة على الطريق الصحيح. وهذا يتطلب عودة النخبة بكافة اختصاصاتها لممارسة دورها
كم هو مؤلم على الإنسان مهما كان رأيه أو توجهه السياسي أو انتمائه الديني ولازال يحتفظ بذرة من الانتماء والولاء لسورية أن يرى كل هذه الفواجع التي لحقت بالإنسان السوري وبالوطن أجمالا دون أن يشعر بخيبة أمل كبيرة وحزن عميق، لقد أثخن جسد الوطن الطاهر بالندوب وبالجراح وتبعثر أهله في كل مكان وهو ما يزيد كل يوم من عذابات السوريين ويفتت وحدتهم ويعمّق من الانقسام والفرقة بينهم ليبقى السؤال متى يا ترى تتوقف عذابات الإنسان السوريومتى يعود الى جزء من حياة طبيعية
سؤال قد تصعب الإجابة علية فقد شهد الإنسان السوري عذابات كثيرة توالت عليه الواحدة تلو الأخرى منذ استلام المقبور حافظ الأسد وحتى الآن دون أن يشكّل له ذلك أي فترة راحة أو فاصل بين ماضي أنتهى وحاضرمستمر ومتواصل في العبث بمصير الشعب السوري فأن كل ما جاء بعدها من أحداث سياسية واقتصادية واجتماعية كان تجسيد لعذابات غالبية هذا الشعب.وهدم لطموحاته في بناء دولة القانون
ومن مفارقات هذا الزمن أن مأساة الإنسان السوري حقيقية وليست من صنع الخيال تجسدت على أرض الواقع بوعي أو بغير وعي وكانت ومازالت فوق ما تتخيله الاذهان والعقول، في دولة من أغنى دول القارة الاسيوية وكأن هذا الإنسان الذي عاش على هذه الارض كتب عليه الشقاء والعذاب ولا يكفيه ما تعرض له على امتداد خمسة عقود كاملة من الذل والقهر والقتل والسجن والتعذيب وغياب أي شكل من أشكال العدالة فضلاً عن نهب ممتلكات الناس وثروات الوطن على يد دكتاتور عاش بين التقديس والتدنيس وأعوانه وأتباعه والمستفيدين من بقائه في السلطة.
بعد ثورة 15 اذار التي سقط فيها مئات الالاف من الشهداء وقدمت فيها أروع صور التضحية والعمل التطوعي تجدد الأمل والوعي لدى الشعب السوري بحياة كريمة وحرّة وعادلة ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن واكتشفنا جميعا الوعي الزائف لأننا لم ندرك اولوياتنا وندرج مطالبنا وحاجاتنا بحسب الأهمية، وسيطرت علينا أنانيتنا وذواتنا وتوجهاتنا السياسية والقبلية والجهوية ونسينا أن الوطن قادر على أن يستوعبنا جميعا لو تحلينا بقدر من الإخلاص والوفاء له ولشعبنا.الذي يعجز التاريخ عن وصف تضحياته وبطولاته وصبره
واليوم يتوقف المرء حائراً ومتحسراً ومتألماً وعاجزاً عن تقديم يد المساعدة ووصف ما يعانيه هذا المواطن السوري من المزيد والكثير من الظلم والقهر والتدمير النفسي والمادي لكي يعايش من جديد ظروف وممارسات أقل ما يقال عنها أنها لا تهزها ولا تؤثر فيها وخزة من ضمير ولا رؤية دم السوريون الذي يسفك في كل لحظة، ولا حتى إحساس بعذابات الناس ومعاناتهم اليومية في المدن والمناطق التي تدور فيها المعارك حيث أصوات المدافع والصورايخ والرصاص والشظايا المتطايرة هنا وهناك التي لا تميز بين هذا وذاك ولا تحس برعب الأطفال وعيونهم البريئة ولا النساء والشيوخ والعجزة والمرضى وهمومهم ومخاوفهم، ولا بمشكلات اللاجئين والنازحين وتشردهم من مكان لمكان ومن منطقة إلى أخرى ومن مدينة إلى مدينة يعيشون في المدارس والأماكن العامة التي لا تصلح لإيواء البشروفي ظروف تهجير يندى لها تاريخ البشرية.
عذابات السوريين ومعاناتهم لم تقف عند حدود معينة ولا مدينة معينة ولكنها تعاني من ممارسات أخرى منها الخطف والابتزاز وصعوبات شملت كل أوجه الحياة السكنية والمعيشية والخدمية والصحية والتعليمية والاقتصادية، لم تعد هناك طرق أمنة ولا مؤسسات ولا أجهزة تعمل ولم تعد هناك حياة بالمعنى الطبيعي، وانتقل الإنسان السوري إلى الحياة البدائية معيشة وسلوكاً، حتى اصبحت مفردات الألم والخوف والمعاناة يتجرعها الكبار والصغار والشيوخ والعجائز والرجال والنساء فضلا عن انتهاك كرامة الناس واستباحة البيوت والأعراض وهي عند البعض مجرد أحاسيس ومشاعر فقدت معانيها الإنسانية وتحولت إلى مجرد كلمات جوفاء تصلح لجدال وثرثرة الحياة اليومية العابرة والتافهة.
الكل يسئل من أين نبدأ وطريق بناء الدولة مهددة بخطى ووحوش لم تزل تقتل الأبرياء وتتوعد البسطاء وتهدد الشرفاء؟ من أين نبدأ فلم نعد نسمع قولاً صادقا ولم نرى يد تمتد مصافحة ولا عقل يشير إلى طريق البناء وليس طريق الهدم؟ من أين نبدأ بعد أن تخلى عنا الكثيرين من الناس الأهل والأصدقاء وأصبحوا في مهب العواصف الظروف غير الإنسانية؟ من أين نبدأ قبل أن يجتاحنا أعتى حريق ويضيع منا الطريق وتسد أمامنا الابواب؟ ماذا لو أن كل أبناء الوطن تدفقوا صوب بلادهم وتقاسموا الأعباء والعمل؟ ماذا لو أنهم جاءوا جميعا متعانقين وأزاحوا خلافاتهم وأحقادهم وأنانيتهم من أجل الوطن وياليتهم شغفوا بحب الوطن فسعوا لمن شغفوا بهذا الحب وهذا نداء موجه الى اهل الثورة وشرفاء الوطن حتى يلتم شملهم ويقدموا الحلول والدراسات والخطط القابلة للتنفيذ رحمة بهذا الشعب
لقد طال بنا الأمد وأنتهى الأمر إلى أن اصبحت لدينا ذرائع كثيرة ومبررات لإثارة التصعيد والصراع والعنف وتجييش الرأي العام الداخلي ضد بعضنا البعض وتجييش الرأي العام الدولي لدعم التدخل الاجنبي في شؤوننا الداخلية تحت حجة حماية مصالحه ‘الجيوسياسية’ فكيف سيكون وضع الوطن وأهله بسبب فشلنا في التفاهم والتوافق من أجل سورية في حاضرها ومستقبلها... أهو صومال جديد قادم
نحتاج إلى ثورة ثقافية إلى جانب الثورة السياسية. والعسكرية نحتاج إلى المثقفين لكي يقوموا بدورهم في التوعية، رغم صعوبة الطريق.
ونحتاج إلى قادة سياسيين بدون عقدة ‘الأنا’! وبدون ‘ الأنا ‘ الإلهية المنزهة عن كل الأخطاء! كفانا ‘ الأنا’ عند معظم من ادعى القيادة كلً منهم يعتبر نفسه إلاهاً!
نحتناج إلى قادة يعملون بجهد وبكفاءة وبتواضع. مما يُسهل التوافقات السياسية، ويُسرع في إيجاد الحلول الوطنية، أمام الكوارث التي تحل بشعبنا العظيم الذي لم يبخل على وطنه
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: