ينتمي طارق رمضان إلى أوروبا، بحكم المولد والنشأة والتعليم ونطاق التأثير، أكثر مما ينتمي للعالم العربي. ولذا ينبغي أن ننظر لقضيته بالمنظور الأوروبي وخاصة الفرنسي. كما أن اختزال القضية في مسألة الإسلاموفوبيا ليس مفيدا ويعد تبسيطا مخلا لصورة أكبر وأوسع، رغم أن للقضية أبعادا تتعلق بمسألة الصورة النمطية عن المسلمين والكراهية.
وربما لا يعلم كثيرون أن مثل هذه القضايا متكررة مع عديد من الشخصيات الإسلامية في الغرب لأسباب مختلفة، ولم نسمع عنها لأن هذه الشخصيات ليست بشهرة طارق رمضان. وكثير منهم تثبت براءاته بعد سنوات من المحاكمة؛ لكن بعد أن يكون قد تم استنزافهم نفسيا وماديا ومن ناحية السمعة أيضا. والقاسم المشترك بين معظم هذه القضايا هو أمرين أساسيين وهما غياب الحملات الحقوقية الجادة وغياب آلية تواصل إعلامي حرفي مع الجمهور.
ويعد الإعلام هو الساحة الأبرز التي تجري فيها محاكمة الشخصيات الإسلامية، بحق أحيانا وبغير حق في معظم الأحيان. ويمكن أن توجه أصابع الاتهام للعديد من وسائل الإعلام الغربية، لكن علينا ألا نغفل أن هناك شبه غياب لأية طريقة احترافية في تعامل معظم الشخصيات والمؤسسات الإسلامية مع وسائل الإعلام الغربية، في الوقت الذي يتعاقد خصومهم فيه مع صحفيين وشركات علاقات عامة لتشويه صورتهم. وليست مهمة هذه الشخصيات أو المؤسسات أن تحترف العمل الإعلامي بقدر مسئوليتها عن أن تولي هذا الجانب اهتماما أكبر عبر تعيين متحدثين محترفين لها وعمل خطط إعلامية للتواصل مع الرأي العام.
أتذكر أن زميلا باحثا في إحدى الجامعات البريطانية أصدر دراسة اجتماعية. وقبل أن تنشرها الجامعة في وسائل الإعلام، أخضع القسم الإعلامي بالجامعة هذا الزميل لعدة جلسات تدريب للتعامل مع الصحفيين ومراجعة الأسئلة المتوقعة وأفضل الطرق للإجابة عليها والنجاة من الأسئلة التوريطية. كل هذا وقد كان الأمر يتعلق بدراسة اجتماعية، فما بالنا بقضايا شائكة وحساسة.
الأمر الذي لم نلمسه في التناول الإعلامي لقضية طارق رمضان. فبعد أشهر من غياب أي متحدث باسمه في وسائل الإعلام الفرنسية، أخيرا تم توكيل محامٍ جديد له أفحم الحضور في أول ظهور إعلامي له على قناة فرنسية. ونتمنى أن يكون هذا مقدمة للتعامل بشكل أفضل مع وسائل الإعلام وليس أمرا عارضا.
الأمر الآخر يتعلق بالحملات الحقوقية الجادة. فليس منطقيا أن يكون اللجوء للمنظمات الحقوقية انتقائيا وقت الأزمات التي تمر بها الشخصيات الإسلامية العامة أو المؤسسات الإسلامية في الغرب. فهذا يصلح على مستوى الأفراد حين يلجؤون لهذه المنظمات حين تقع عليهم مظلمة.
أما على مستوى المؤسسات والشخصيات العامة فلابد أن تكون هناك شراكة حقيقة مع المنظمات الحقوقية ذات المصداقية وأن يتم دمج رسالة هذه المنظمات الحقوقية ضمن الخطاب الديني والاجتماعي للمسلمين في الغرب. لأنه من ناحية، يمثل جزءا من رسالة الإسلام ومن ناحية أخرى يمثل حماية لهم وقدرة على فهم آليات توثيق الانتهاكات والتعامل القانوني والسياسي معها.
وكان من المفترض، إن كان هذا الأمر متحققا، أن تكون قضية طارق رمضان على سلم الأولويات الحقوقية في ظل الانتهاكات العديدة التي يتعرض لها. وهي قضية تتشابه كثيرا مع قضايا سياسية مغلفة باتهامات الاغتصاب كقضية جوليان أسانج الذي أسقطت عنه النيابة السويدية تهم الاغتصاب بعد سبع سنوات أو الزعيم الماليزي أنور إبراهيم الذي برأته المحكمة من تهم الشذوذ بعد ست سنوات من الحبس الانفرادي.
يستحق طارق رمضان تضامنا حقوقيا ومتابعة إعلامية أكبر مما يتم حاليا. والأهم من ذلك هو أن تصبح قضيته درسا نتعلم منه. إن كثيرون ومنهم الدكتور عبد السلام حيدر، أستاذ الدراسات العربية بجامعة بروكسل، يرون أن تأثير طارق رمضان الفكري والسياسي يفوق تأثير جده الشيخ حسن البنا. وبالتالي يعد اختزال مشروع الرجل ومجهوده في إطار نسبه العائلي إجحافا كبيرا له. وهي الصفة التي يحرص على تعريفه بها دوما أعداؤه في الشرق والغرب لحصره في إطار سياسي لم يعلن بنفسه أنه ينتمي إليه ولم يكن جزءا من قياداته أو منظريه يوما، رغم افتخاره بهذه الصلة التي يُسأل عنها في كل حوار صحفي تقريبا.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: