بدأت معركة الموصل المنتظرة أخيراً، بعد أشهر طويلة من التحضيرات، وبعد أن احتشدت واحدة من أضخم تجمعات التشكيلات العسكرية منذ حرب غزو العراق 2003 على أبوابها، لتكون معركة مفصلية أخرى في إعادة تشكل الشرق الأوسط، ومسماراً جديداً في نعش اتفاقية سايكس بيكو سيئة الصيت، التي شكلت دولاً بالقلم والمسطرة، بناء على رغبة القوى العالمية آنذاك.
ثارات عمرها 500 عام!
تشكل الموصل أهمية كبرى لجميع القوى الموجودة في الساحة في الشرق الأوسط، فمن ايران التي تسعى بضراوة للسيطرة على المدينة عبر الميليشيات الشيعية، التي يتكون منها الجيش العراقي الحالي، والتي تأتمر بأمر إيران ولا تحمل أي ولاء للعراق سوى بالاسم، فعدا عن فكرة الثأر من المدينة، التي مثّل أبناؤها نواة الجيش العراقي وأغلبية ضباطه، الذين ساهموا في هزيمة إيران خلال حرب القادسية الثانية 1980 1988، والتي انتهت بهزيمة إيران وتجرع الخميني السم، حسب تعبيره.
فالأمر بالنسبة لإيران أعمق من ذلك تاريخياً، فالموصل كانت منطلق السلطان العثماني سليمان القانوني الذي مزق ملكهم في القرن السادس عشر للميلاد.
ثم الموصل التي حاربت الأمريكان، وكان لها الكثير من الأثر في الضربات التي تعرض لها الجيش الأمريكي خلال فترة احتلاله للعراق.
هي الموصل ذاتها التي هرب منها عشرات آلاف العناصر من الجيش العراقي الحالي، أمام المئات فقط من عناصر تنظيم "الدولة"، في مشهد لا تستطيع حتى "نظرية المؤامرة" وفرضية تسليم المدينة تفسيره.
أما الأكراد، فهم يحلمون بالموصل منذ احتلت أمريكا العراق، ويحلمون بضمها "لكردستان" بهدف توسيع "دولتهم" المباركة دولياً، والحصول على مساحات أكبر من الأرض والثروات، تمهيداً لإعلان استقلالهم لاحقاً.
إلغاء هوية!
ما يجمع بين القوى السابقة هو عملية إلغاء الهوية الدينية والديموغرافية للمدينة التي تعتبر مدينة عربية سنية، يمثل السنة العرب فيها الاكثرية تاريخياً إضافة للتركمان السنة، فايران تعمل على تهجير السنة من المدينة وإحلال الشيعة محلهم، فيما لم يمتنع أكراد كردستان العراق في الفترة التي تلت غزو العراق 2003 عن تهجير العرب والتركمان من العديد من المناطق التي ضموها لكردستان، حيث شمل التهجير العرب والتركمان (بناء على تقارير الأمم المتحدة)، الحلقة الأضعف في المعادلة والذين لا سند لهم ولا ظهير في العراق.
معركة كسر عظم
المعركة الحالية هي معركة كسر عظم، وتطهير شامل للمدينة بكل ما تحويه الكلمة من معنى، فسيطرة أي من القوتين المهاجمتين على المدينة سواء الأكراد ممثلين بالبشمركة، أو إيران بقواتها المشكلة من الميليشيات الشيعية المختلفة "جحش" جيش الحشد الشعبي، ووحدات الجيش العراقي الأخرى المختلفة التي تتبع بشكل مباشر لإيران، يعني حكماً طرد السكان السنة بعد مجازر واعدامات جماعية، وقصف المدينة بهدف تدميرها وتهجير أهلها وليس لأهداف عسكرية.
فعلى الرغم من الوجود الرمزي لقوات من ما يسمى "جيش العشائر العربية" أو "الحشد الوطني" لكن وجودها يبقى محدوداً وهامشياً، مقارنة بالميليشيات الشيعية، حيث لا يتجاوز تعداده عشرة ألاف عنصر، مقارنة مما لا يقل عن ستين إلى سبعين ألف عنصر للميليشيات الشيعية.
حشد عسكري
الكثير من التقديرات العسكرية حول حجم القوات المهاجمة للمدينة يرفع عدد العناصر المشاركين فوق 120 ألف جندي ما يعني أنها أكبر قوة اجتمعت على عمل مماثل منذ حرب غزو العراق 2003، وهي مدعومة بمئات الدبابات، وعشرات آلاف العربات المختلفة، والآلاف من قطع المدفعية المختلفة، والعشرات من الطائرات، وحتى البوارج وحاملات الطائرات والمنصات البحرية لصواريخ الكروز وغيرها من وسائل الاستطلاع المختلفة.
حيث يشارك حسب تصريحات الجيش العراقي والقوى "الأمنية" العراقية بقرابة 55 ألف عنصر، بقيادة إيرانية فعلياً، ثم البيشمركة بحوالي 40 ألف عنصر، أما أمريكا فمشاركة بخمسة آلاف عنصر سيقدمون الدعم في المعركة حسب تصريح للبنتاغون، إضافة لقرابة 3600 عنصر من قوات التحالف من الجنسيات الأخرى غير الأمريكية.
كما أعلن عن اشتراك قرابة عشرة آلاف عنصر من العشائر العربية "السنية"، والذين يبدو أن دورهم سيكون محدوداً في المعركة وفي ما يحدث بعدها، إضافة لعناصر من "الأقليات" يبلغ تعدادهم خمسة آلاف عنصر سيدخلون في المعركة.
في حين لم يعرف تماماً عدد عناصر "جحش" أو جيش الحشد الشعبي الشيعي التي ستدفع بها إيران، فلا يمكن نفي مشاركتهم في المعركة بسبب ترابطهم العضوي مع الجيش العراقي والميليشيات المختلفة، وبروز الرايات والشعارات الطائفية على أعتدة الجيش العراقي، واختفاء وتنحي العلم العراقي مقارنة برايات الميليشيات الشيعية المختلفة العاملة تحت غطائه .
بالنسبة للحشد الشيعي، فالعدد الكبير من العناصر من القوات أخرى يبدو أنه أعطاهم الفرصة للتفرغ لمعركة أخرى قادمة، أو على الأقل رغبتهم بالتحول لنسق ثاني في المعركة التي ستكون صعبة جداً، تخفيفاً لخسائرهم، وليتفرغوا لارتكاب المجازر والتهجير وهم بكامل قوتهم.
على الجهة الأخرى للمعركة تتحدث بعض التقارير عن وجود ما لا يقل عن مليون مدني في أقل التقديرات، ومليونين حسب أعلاها، ما يجعل الأعمال العسكرية في المدينة صعبة جداً، إن لم تكن مستحيلة في حال الرغبة بالحفاظ على حياة المدنيين.
لكن لا يبدو أن للمدنيين أية قيمة، فأي مطلع على تسليح الحشد الشيعي، أو الجيش العراقي، سيدرك أن الأسلحة المستخدمة وبالأخص بالنسبة للقوى البرية هي أسلحة "غبية" لا تعطي قدرة فعلية على الرمايات الدقيقة، ويغلب عليها الأسلحة المرتجلة والصواريخ المعدلة.
معركة الموصل التي أعلن عنها ستكون واحدة من أهم المعارك خلال هذا العقد، والتي تتلقى فيها إيران دعماً مباشراً غربياً أمريكياً، للقضاء على سنة العراق بحجة تدمير "الارهاب".
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: