التقارب الديني: خطره ، أسبابه ، دعاته
الأمين الحاج محمد أحمد
المشاهدات: 8599
الحمد لله القائل:{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ...[120]}[سورة البقرة]. وصلى الله وسلم على محمد، الذي حذَّرنا من اتخاذ الرؤوس الجُهّال, فقال: [إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ النَّاسِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا]رواه البخاري ومسلم . أما بعد،،،
فإن من الأمور التي عمَّت بها البلوى في هذا العصر وأخطرها تلك الدعوة التي رفعها بعض المنهزمين بإيعاز من المستشرقين في أواخر القرن الميلادي الماضي, وقد جاراهم فيها بعض الصلحاء المستغفلين من الدعاة, ألا وهي [دعوى التقارب الديني]، أو [وحدة الأديان]، أو الدعوة إلى [الحزب الإبراهيمي]، أو جمع أهل الأديان السماوية على [الملة الإبراهيمية]، ونحو ذلك من هذا الهُراء.
لقد لاقت هذه الدعوة في الآونة الأخيرة رواجاً, حيث عقدت مؤتمرات وندوات لمناقشة كيفية التوصل إلى دين عالمي جديد، يجعل الناس - كل الناس - يعيشون في وئام وسلام، خاصةً في البلد الواحد, دون أدنى اعتبارٍ لدينهم وتراثهم وثقافتهم, فـ'الدين لله, والوطن للجميع، وما لله لله وما لقيصر لقيصر'!!
هذا الدين العالمي الجديد يوالي فيه المسلم أخاه النصراني واليهودي والمجوسي والوثني!!! إذ جميعهم من آدم وحواء عليهما السلام!!
وهذا بحث تكلَّم عن تاريخ هذه الدعوة: عن بَطَلَتها, وعن الأٍسباب الحقيقة للقيام بها, وعن مخالفتها الصريحة البينة الواضحة لما جاء به الرسول محمد صلى الله عليه وسلم:{ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ[64]}[سورة آل عمران]. كتبته نصيحة لله ولرسوله، ولدينه، ولدعاة هذه الدعوة، ولعامة المسلمين, ليهلك من هلك عن بينة، ويحي من حيّ عن بينة.
1- الغرض الأساسي من الدعوة وحدة الأديان أو التقارب الديني هو:
إبعاد الإسلام، وإقصاؤه عن الحياة, وإذابة معتقداته؛ ليعيش أصحاب الملل المختلفة في البلد الواحد في محبة, وتزول عنهم الخلافات الدينية، ويختفي منهم الولاء الديني، ليصبح الولاء للوطن الذي هو للجميع, فالدين لله والوطن والجميع!!!
2- متى ظهرت هذه الدعوة في العالم الإسلامي؟ ومن هم بطلتها؟
أول ما بدأت هذه الدعوة في الربع الأخير من القرن الماضي, بإيعاز من بعض القُسُس، فهي ثمرة من ثمار الغزو الفكري، والاستعمار الأوربي الذي جثم على صدر الأمة الإسلامية في ذلك الحين, ثم توالت الصيحات فيما بعد، يقول الشيخ محمد محمد حسين رحمه الله : 'أما التوفيق بين الأديان -بين المسيحية والإسلام على وجه الخصوص - فقد بدأ في العصر الحديث باتفاق قسيس إنجليزي اسمه [إسحاق تيلور] مع الشيخ محمد عبده وبعض صحبه في أثناء نفيه بدمشق 1883م على التوحيد بين الدِّينيْن. ثم ظهرت الدعوة من جديد في السنوات الأخيرة حين قام جماعة من المعروفين بميولهم الصهيونية بعقد مؤتمر للتأليف بين الإسلام والنصرانية في بيروت 1953م، ثم في الإسكندرية 1954م، وقد كثرت الأقاويل في أهداف هذه الجماعة, وفي مصادر تمويلها, وأصدر الحاج أمين الحسيني بياناً أثبت فيه صلة القائمين على هذه الدعوة بالصهيونية العالمية'[الاتجاهات الوطنية: 2/319-320].
3- أبرز بَطَلَة- قال صلى الله عليه وسلم في مدح سورة البقرة: [ وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ]رواه مسلم، أي: السحرة الباطلين - هذه الدعوة:
[1] الشيخ محمد عبده [1849-1905]م: هو أول من سُخِّر للدعوة لتلك الفكرة، كما وضح لنا من قبل : 'وقد يكون أخطر آثار محمد عبده التي تعد ركيزة من ركائز العلمانية في العالم الإسلامي: إضعاف مفهوم [الولاء والبراء]، و[دار الحرب ودار الإسلام]؛ إذ كان الشيخ أعظم من اجترأ عليه من المنتسبين للعلماء, لا بتعاونه مع الحكومة الإنجليزية الكافرة فحسب, ولكن بدعوته الصريحة إلى موالاة الإنجليز وغيرهم - بحجة الأول التعاون مع الكافر ليس محرماً من كل وجه- وبدعوته إلى التقريب بين الأديان..حقيقة إن الرأي العام الإسلامي قد ثار على بعض فتاوي الشيخ التي أباح بها موالاة الكفار، ولكن تأثيرها في الأمة لا شك فيه في تلك الفترة الحرجة التي تتميز بغبش الرؤية واختلاط المفهومات'[ العلمانية لسفر الحوالي، ص578-579].
[2] الشيخ عبد الرحمن الكواكبي [ت 1902م]: دعا للعلمانية ونَبْذِ الدين صراحةً, كما دعا للتعايش السلمي مع اليهود والنصارى، وترك الدين جانباً، وهو نفس ما يدعو إليه دعاة وحدة الأديان الحاضرين.
[3] الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي، [ت1873م]: هو من الذين دعوا إلى ذلك بكتاباتهم وفكرهم، بعد أن فعلت فيه الثقافة الغربية الفرنسية فعلها.. ولله در ابن خلدون حين قال: 'والمغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره، وزيه، وبخلقه، وسائر أحواله وعوائده'. والسنوات الخمس التي قضاها هذا الشيخ الأزهري [1826-1831هـ] في باريس فعلت فيه الأفاعيل، وجعلته مسخاً مشوهاً لا إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء. وهذه حال جُل المبعوثين ألاّ من رحم ربك .
[4] الشيخ أحمد لطفي السيد وطه حسين: وهما من تلاميذ محمد عبده الأوفياء، أكملا الشوط الذي كان قد بدأه في عملية التغريب والعلمنة، وإزالة الحاجز بين المسلمين والكفار.
[5] الشيخ علي عبد الرازق:وهو من الشخصيات الخطرة التي مهدت لقيام هذه الدعوة , إنه شيخ مفتون, ألف كتاباً أسماه 'الإسلام وأصول الحكم'. 'جمع بين أسلوب المستشرقين في تحوير الفكرة، واقتطاع النصوص، وتلفيق الواهيات، وبين طريقة الباطنية في التأويل البعيد, وسرد نبذاً من سير الطواغيت, ونتفاً من أقوال متملقيهم وعمد إلى مغالطات عجيبة كل ذلك ليدلل على أن الإسلام كالمسيحية المحرفة علاقة روحية بين العبد والرب لا صلة لها بواقع الحياة. ولم يَفُتِ الشيخ أن يدلنا على أحد مراجعة الرئيسية لنستكمل ما قد يكون فضيلته عجز عن بيانه , فهو يقول في الكتاب نفسه: ' واذا أردت مزيداً في البحث فارجع إلى كتاب الخلافة للعّلامة[!!] السير تومس آرنلد ففي الباب الثاني والثالث منه بيان ممتع ومقنع'.
[6] الدكتور محمد عمارة:هو كذلك من دعاة تجميع الخلق تحت دين جديد واحد، يقول عنه جمال سلطان: 'في نظره أن اليهود والنصارى اليوم مؤمنون مسلمون موحدون ولا يضرهم في شيء من إيمانهم تكذيبهم بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وبرسالته، فإذا ما وقف أهل الكتاب من أتباع شرائع الرسل الذي سبقوا محمد صلى الله عليه وسلم عند التصديق برسالة رسلهم- وهل هم مصدقون برسالة رسلهم؟ لو صدقوا بها لآمنوا ولكنهم كافرون بالجميع -, وأبوا التصديق برسالة محمد ونبوته مع توحيدهم - أي توحيد هذا الذي يقول: إن الله ثالث ثلاثة؟ و أي طاعات يأتي بها اليهود والنصارى. سبحانك هذا إفك عظيم -وعملهم الطاعات!! فإن هذا التوقف لا يخرجهم عن إطار الدين الواحد, ولا حظيرة التدين بالإسلام. فموقفهم هذا هو انحراف! والفرق بين من يؤمن بمحمد وبكل الرسل وبين الذي يجحدون بنبوة محمد ورسالته مع توحيدهم وعملهم الطاعات كمثل الفرق بين إيمان المؤمن الخلي من البدع، وبين إيمان من تشوب البدع إيمانه'[ انظر:محمد عمارة – الإسلام والوحدة الوطنية ص50-ص82].
[7] الدكتور حسن حنفي: يذهب الدكتور حنفي إلى أنه ليس هنالك دين في ذاته بل هناك تراث يمكن تطويره وتطويعه حسب الظروف والملابسات: 'الأول التراث القديم لا قيمة له في ذاته كغاية أو وسيلة, ولا يحتوي على أي عنصر من عناصر التقدم، وأنه جزء من تاريخ التخلف أو أحد مظاهره, وأن الارتباط به نوع من التغريب ونقص في الشجاعة وتخل عن الموقف الجذري ونسيان للبناء الاجتماعي الذي هو إفراز منه, وفي حين أن الجديد علمي وعالمي يمكن زرعه في كل بيئة'[ د. حسن حنفي –التراث والتجديد ص22 وانظر: غزو من الداخل ص66- جمال سلطان].
[8] الدكتور حسن الترابي:من أبرز بَطَلَة هذه الدعوة الدكتور حسن عبد الله الترابي. وواضح جداً أن المتولين لكبر هذه الدعوة هم على شاكلة واحدة ومن نوع خاص, إنهم العصرانيون، المتغربون، المبهورون بالحضارة الغربية المادية بعد أن أُشربوها على أمزجة فرنسية إنجليزية فالطيور على أشكالها تقع.
فالقاسم المشترك بين محمد عبده, ورفاعة الطهطاوي, ومحمد عمارة، وحسن حنفي، وحسن الترابي ومن شاكلهم من العصرانيون هو الانهزام النفسي والإفراط في حب الغرب وموالاته, ويعتبر د. الترابي أخطر هؤلاء جميعا لأسباب منها:
[1] أن أولئك السابقين له لم تتعد مجهوداتهم الجانب النظري بينما نجد أن د. الترابي خطا خطوات عملية في هذا المجال, لأنه أتيحت له إمكانات دولة لم تُتح لسابقيه، فقد استطاع الترابي أن يُسخر السلطة في السودان لخدمة هذا لغرض وقد أعان على ذلك أمران:
أحدهما:الضغوط السياسية والاختناقات الاقتصادية المضروبة على الحكومة السودانية الحالية من الدول الغربية ومن والاها.
والثاني:استمرار الحرب التنصيرية في جنوب السودان، والتي كبدت الحكومة الكثير من المال والرجال.
هذان الأمران جعلا كثيراً من المسئولين وغيرهم لا يفطنون لخطورة هذه الدعوة لظنهم أنها تخفف عنهم الضغط وترفع عنهم هذه الكوابيس!!.
[2] مقدرة د. الترابي الفائقة على المراوغة فمرة:يظهر الأول هذه الدعوة مجرد مناورة سياسية لصرف أنظار النصارى, وكف أذاهم وليست دعوة دينية.. وأخرى: يظهر أنه يريد مجرد دعوتهم للإسلام ومحاورتهم، وإزالة الشبه العالقة بأذهانهم. ومرّة: يثير بعض الشبه التي تخفي على كثير من الناس.. وهكذا عدم الوضوح والمراوغة يكمنان وراء دعوة الترابي العريضة لقيام جبهة المؤمنين، أو الحزب الإبراهيمي!!
[3] وجود أقلية ضئيلة من النصارى في السودان, وجدت ظروفاً مساعدة [حرب الخليج, النظام العالمي الجديد, موقف طلاب السلطة المعارضين للنظام في السودان] تجعل كذلك كثيراً من الأخيار ينخدعون برفع هذا الشعار.
وتتمثل مجهودات الترابي في هذا المجال في: عقد المؤتمرات، التنظير لهذه الدعوة [الحركة الإسلامية والحوار]، إثارة الشبه، إجراء المقابلات في وسائل الأعلام المختلفة لخدمة هذه القضية، الدعوة لقيام الحزب الإبراهيمي، تكوين جمعية تعرف بالجمعية السودانية لحوار الأديان، مشاركتهم النصارى في أعيادهم والطواف على كنائسهم، بناء الكنائس وتجديد وترميم القديم منها، فتح المجال أمام النصارى في الإعلام, خاصة يوم الأحد في الفترة الصباحية في التلفاز إذ أن لهم حوالي أربع ساعات، إدخال مادة مقارنة الأديان في المعاهد العليا.
يقول د. الترابي داعياً إلى وحدة الأديان:' إن الوحدة الوطنية تشكل واحدة من أكبر همومنا, وأننا في الجبهة الإسلامية نتوصل إليها بالإسلام على أصول الملة الإبراهيمية, التي تجمعنا مع المسيحيين بتراث التاريخ الديني المشترك[!!] وبرصيد تاريخي من المعتقدات والأخلاق إننا لا نريد الدين عصبية عداء ولكن وشيجة إخاء في الله الواحد'[ مجلة المجتمع – العدد [736] بتاريخ 8/10/1985م].
'وبناء على هذه الجبهة الدينية-يعني: بين اليهودية والنصرانية والإسلام - مطلب ديني يرتكز على مبدأ وحدة الأديان السماوية [كلمة الترابي في مؤتمر الإديان الذي عقد بالخرطوم بتاريخ 8/10/1994م بعنوان الحوار بين الإديان: التحديات والافاق د. حسن الترابي]'.
وقال: 'إن قيام جبهة المؤمنين هو مطلب الساعة وينبغي ألا تحول دونه المخاوف والتوجسات التاريخية...'[المصدر السابق].
و العجب كل العجب من جرأة الترابي وتهاونه بوصف اليهود والنصارى الحاليين بأنهم مؤمنين, تبريراً لدعواه التجمعية هذه, التي تريد أن تجمع بين الأضداد, فيصفهم بأنهم مؤمنون فهذا أمر في غاية النكارة والغرابة، فإذا كان اليهود والنصارى مؤمنين فمن الكافر إذاً ؟! ولماذا قال الله تعالى:{ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ[6]}[سورة البينة].
دعنا ننظر إلى كلام أهل العلم الأثبات, ودعك من هذه الترهات, لنعلم هل هي حقيقة أن اليهود والنصارى الحاليين مؤمنون كما زعم الطهطاوي، ومحمد عمارة، والترابي؟!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: 'أن الذي يدين به المسلمون من أن محمداً صلى الله عليه وسلم بُعث إلى الثقلين: الإنس والجن, أهل الكتاب وغيرهم, وأن من لم يؤمن به فهو كافر مستحق لعذاب الله مستحق للجهاد, وهو مما أجمع عليه أهل الإيمان بالله ورسوله، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي جاء بذلك وذكره الله في كتابه وبينه الرسول صلى الله عليه وسلم أيضا في الحكمة المنزلة عليه من غير الكتاب، فإنه تعالى أنزل عليه الكتاب والحكمة ولم يبتدع المسلمون شيئاً من ذلك من تلقاء أنفسهم كما ابتدعت النصارى كثيراً من دينهم, بل أكثر دينهم, وبدلوا دين المسيح وغيّروه, ولهذا كان كفر النصارى لما بعث محمد صلى الله عليه وسلم مثل كفر اليهود لما بعث المسيح عليه السلام'[ الجواب الصحيح ل
17-01-2008
alkashf.net
Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /htdocs/public/www/actualites-news-web-2-0.php on line 793
|