محمد المختار القلالي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 3347
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
ضرب الإرهاب في البرّ والبحر. ولم يزل يضرب بإصرار مَن أخذته العزّة بالإثم. وتظلّ الخشية من تماديه قائمة طالما ليس في الأفق ما يجعلنا نطمئنّ إلى قربنا من إمكانيّة القضاء عليه.
والحديث عن الإرهاب لا بدّ معه من الحذر، لأنّ ما لا يزال خافيا بشأنه أكثر بكثير ممّا ظهر. واعتقادي أنّ خطر الإرهاب سيظلّ قائما ما احتفظت هذه الآفة بأسرارها، وأنّ الحرب مع هذا العدوّ الماكر ستستمرّ سجالا دون الحسم، طالما بقي ‘رأس الأفعى’ في منأى عن الأنظار ومأمن من الأخذ بالجريرة.
من نقصد ‘برأس الأفعى’؟
إنّهم من يعتلون القمّة من الهرم، هرم الإرهاب. ‘مبدعوه’ الذين نشأ وترعرع على أيديهم، القيّمون عليه بالمال والعتاد بما هم المستفيدون منه. يديرونه من وراء حجاب، محصّنين لا نكاد نعرف عن هويّاتهم غير ما يفترضه الظّنّ والتّخمين. وهل يستقيم الأخذ بالشبهة استنادا إلى الظّنّ والتّخمين؟
سمعنا من يتّهم أطرافا ودولا بالتورّط في الإرهاب. وثمّة حتّى من يسمّي دولا بعينها... قيل لنا أيضا إنّ بعض المخابرات الموسومة بعدائها للشّعوب وللسّلام في العالم هي من صنعت الإرهاب، وتسهر على رعايته. قد يكون ذلك صحيحا خصوصا وأنّ من المؤشّرات ما يقوم دليلا على وقوف قوى جبّارة ومتنفّذة وراء هذه ‘التراجيديا’ التي يشهدها المجتمع الإنساني على هذا العهد. وهل منّا مَن يصدّق أنّ هذا الاكتساح السّريع للأقاليم، والتمدّد المتزايد على الأرض، والنّجاح في اختراق المنظومات العسكريّة والأمنيّة للدّول يمكن أن يكون من فعل عصابات منفلتة غير مسنودة من أحد؟ الإرهاب منظومة أخطبوطيّة جهنّميّة ضخمة ونافذة، ما في ذلك شكّ. لكنّ التحدّي المحوري الذي لم يزل قائما في هذا الخصوص هو استعصاء هذه ‘المنظومة اللّغز’ على التّفكيك لتبقى محتفظة بأسرارها، ما شكّل عائقا دون تحديد هويّة كبار الضّالعين في هذه المؤامرة الكبرى.
إنّ الكشف عن هؤلاء هو أوّل الرّهانات الذي ينبغي أن تنصبّ عليه الجهود حتّى إذا ما تسنّى لنا ذلك وأقيمت الحجّة على البغاة أمست المعركة عندئذ مع كائن ماثل للعيان، لا مع ‘شبح’ يستعصى المسك به.
وهكذا ترى أنّه من غير الوارد تقريبا أن نحتفي بالانتصار على ‘الغول’ قبل الكشف عن هويّة ‘الغول’، ولا أن نأمن شرّ ‘الشّيطان’ ما لم نمسك بالشّيطان في شخصه، لا بظلّه وحسب.
وبعـــــــــــــــــــــــــــد،
• ليت من يلوذون بالإدانة والتّنديد والوعيد يريحون حناجرهم، ذلك أنّ الحماسة اللّفظية الجوفاء لن تنال من الإرهاب كثيرا ولا قليلا لسبب بديهي هو أنّ المعركة مع هذا العدوّ لن تحسم بالكلام ولا بالعواطف.
• وليت من راحوا يتحرّون الأسباب الكامنة وراء وقوع البعض في المحظور، منوّهين في السيّاق إلى قضايا الفقر والأميّة الثّقافيّة والجهل بصحيح الدّين إلخ... يعون أنّ هؤلاء، على ضلوعهم في الإجرام، ليسوا أكثر من «أدوات’ تنفّذ ما يملى عليها، دون إدراك منها لحقيقة ما يدبّر ويحاك. إنّ قطع ذنب الأفعى دون المساس برأسها قد يؤذيها لكنّه لا يؤدّي بالضّرورة إلى القضاء عليها.
• وليت من انبروا يبحثون في ثنايا التّراث عمّا يبرّئ الإسلام من شبهة إباحته القتل والإرهاب يوفّرون على أنفسهم عناء البحث فيما لا طائل من ورائه، إذ يصعب الزّعم أنّ ‘رؤوس الإرهاب’ مستعدّون لإعلان توبتهم حالما يقفون على انتفاء العلاقة بين ديننا والإرهاب.
• وأخيرا ليت الذين يطالبون باستصدار المزيد من التّشريعات المتعلّقة بمكافحة الإرهاب، على أهمّيتها، يقتنعون بأنّ أشدّ القوانين صرامة لن تشكّل حائلا دون تواصل هذه العمليّات الإجراميّة المخلّة بالأمن والاستقرار.
*************
أمّا الحملات الأمنيّة التي تشنّ ثأرا من ‘المنفّذين’ والتي تبقى الوسيلة الوحيدة المتاحة حاليّا فلئن تبدو قادرة على ‘تقليم أظافر’ الإرهاب فإنّه يتعذرّ عليها بمفردها قطع دابره بالكامل، مع العلم أنّ تلك ‘البيادق’ لا يعوزها المدد كلّما احتاجت إليه تعويضا عمّا تفقده من عديد أو عدد.
يقترح البعض ضبط خطّة استراتيجيّة محكمة يتضافر فيها السّياسي مع الأمني مع الاقتصادي مع الثّقافي مع التّربوي مع الإعلامي تصدّيّا للإرهاب، وهو طرح وجيه في حدّ ذاته خصوصا إذا ما تمّ بالتّنسيق والتعّاون فيما بين الدّول المحبّة للسّلام، وفي مقدّمتها دول الجوار المغاربي التي أمننا من أمنها، لكن هل يمكن لمثل هذه الخطّة أن تقطع دابر الشرّ إذا ظلّ ‘أباطرة الإرهاب’ متحصّنين بالاختفاء، وفي منعة من الملاحقة، مستمرّين فيما دأبوا عليه من تأجيج للنّيران؟
وبالمحصّلة، فإنّ المجتمع الإنساني، سيظلّ يحوم حول المعضلة دون القدرة على النّفاذ إلى مكمن الدّاء ما لم تتمّ إزاحة الغطاء عن الجهات المتورّطة في صناعة الإرهاب ودعمه وتوظيفه، دولا كانت أو مخابرات أو غيرها، وهو أمر ليس بالهيّن على الإطلاق لتنفّذ تلك الجهات، وقدرتها على البطش، وإجادتها لأساليب المناورة والنّفاق. لكن مع ذلك سنُبقي على أملنا في أن يُظلّنا اليوم الذي نهتدي فيه إلى هذه ‘الحلقة المفقودة’ من مسلسل الرّعب، هذا الذي تحوّل إلى كابوس يقضّ المضاجع، ويوشك أن يسرق البسمة من الأفواه.
كلمــــــة أخيــــــــــــــــرة: ‘فظيع جهل ما يجري، وأفظع منه أن تدري’ (شاعر يمني).
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: