البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

ثقافة السطحية والمبالغات: نموذج إستعمال لفظ العلماء

كاتب المقال فوزي مسعود - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 7481


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


أذكر أنني حينما كنت طالبا، أن أحد أساتذتي وهو من تخرجت على يديه أجيال من المهندسين بتونس وهو الدكتور حمادي الزنايدي، كان حينما تطرح عليه سؤالا لا يتسرع في الإجابة، حيث تتصور أنك تنطق بكلام لا داعي لرده، فإذا به يتتبعك في أقل التفاصيل حتى تطرح سؤالا بأدق ألفاظه، بحيث زرع لدي التفطن لأهمية دقة الألفاظ وقيمة الكلام ومدلولاته.
عكس الزنايدي، كان بعض الأساتذة الآخرين، حينما تطرح عليهم سؤالا، مهما كانت ألفاظه فضفاضة، يجيبك مفترضا معنى معينا لسؤالك من عنده.

من مظاهر ثقافة السطحية لدينا استعمالنا للألفاظ في غير مدلولاتها، ومن أمثلة ذلك استعمالنا للفظ "علماء" وإطلاقه على كل من أختص في مسائل الدين، فكل حافظ للقرآن أو مختص في علومه عالم، وكل من حفظ الأحاديث أو أختص في علومها عالم، وغيرها من الإستعمالات الفضفاضة المشابهة.

وهذا استعمال فاسد لا يجوز، فالعالم هو من أبدع في ميدان تخصصه بالإضافة، وليس كل من تخصص في علم، أي أن ما يقع هو أن لفظ عالم يستعمل مكان لفظ مختص، فعوض أن نقول مختصا في أمور الدين نقول عالما فقط، ونقصد به عالما في أمور الدين.

لو عممنا نفس هذا الخطأ في الاستعمال على باقي الاختصاصات، لأصبح كل مدرس لغة عربية مثلا عالما ولأصبح كل مدرس تاريخ أو رياضيات أو غيرها من الاختصاصات ممن يدرس بمعاهدنا الثانوية عالما، ولأصبحت معاهدنا تعج بالعلماء، ولو صح ذلك وأصبحنا مجتمعا ينبض بمئات الألاف من العلماء لكان حالنا غير الحال.
يمكن أن نعمم نفس الملاحظة بحيث تشمل اختصاصي إصلاح السيارات مثلا الذين سيصبحون علماء أيضا.

فثبت إذن أن عدم التدقيق في استعمال الألفاظ يقودنا للتسيب في تناولها، مما ينتهي بنا لخرق المدلولات الحقيقية الموضوعة للفظ، هذا الوضع الهجين يلزمنا بالرجوع للاستعمال الحقيقي لما وضع له اللفظ، وحتى لو كان استعمالا مجازيا فإن المجاز فيه تعقل، والمجاز غير التسيب والحشو الذي هو موضوعنا.

إذن فكلمة عالم لا يجب أن تطلق إلا على من أبدع في مجال تخصصه بحيث يكون قد أضاف إليه فرعا أو نظرية أو قعّد محتوياته، وكل ما من شأنه أن يطوره في أصله.

في العلوم الشرعية، يمكن أن نقول على من وضع قواعد علم أصول الفقه عالما، كما أن من وضع قواعد علوم القرآن عالم، وأن من أبدع في تفسير القرآن عالم (وليس كل من فسر القرآن) فالفخر الرازي عالم لأنه أضاف لعلم التفسير قاعدة اعتبار ارتباط السور ببعضها، كما انه أول من أدخل الترتيب المنهجي في مسائل التفسير (وهي القاعدة التي استعملها بكثافة في كتابه الفقهي المحصول في علم الأصول)، بينما تفاسير كتفسير ابن كثير وتفسير القرطبي وحتى تفسير ابن عاشور فهي مجرد تفاسير مختص في علم ما، مما لا يعطي لأصحابها وصف عالم.

و واضعو قواعد علم الحديث يعتبرون علماء وواضعو قواعد تصنيف الرجال فهم أيضا علماء، أما رواة الأحاديث فليسوا بعلماء.

في علم التاريخ، فإن ابن خلدون عالم لأنه وضع أسس علم الاجتماع، وحتى في التاريخ فقد كان تاريخه (الذي هو غير كتاب المقدمة) متميزا بمنهجه النقدي للوقائع، عكس كتب تاريخ كالبداية والنهاية لابن كثير أو تاريخ الطبري فهي كلها كتب سرد لوقائع فيها أحيانا أساطير، لا تخول لصاحبها حمل وصف العالم.

و في اللغة، فإن مؤسسي قواعد علمي النحو والصرف وكل من ساهم بإيجاد قواعد استعمالات اللغة العربية كالعروض وقواعد الرسم، علماء، أما من برع في استعمال اللغة وفروعها فقط فليس بعالم.

لو طبقنا هذا المفهوم للفظ العالم، فإننا لن نجد في واقعنا المعاصر أي عالم في المجال الشرعي أو نكاد، باستثناءات قليلة كمحمد باقر الصدر وإضافته المتميزة بنقده للمنطق الأرسطي وطرحه لنظرية معرفية جديدة وهي النظرية الذاتية، من بعد أن قدم نقدا علميا رياضيا (مبني على علم الاحتمالات الرياضي) لمختلف نظريات المعرفة، وهو ما أودعه في كتابه القيم: الأسس المنطقية للاستقراء.



 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

دراسات نقدية، تأملات فكرية، ثقافة السطحية، علماء،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 14-08-2014  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  الوعي الموجه، نموذج الشيعة وخطرهم: من أنتجه وكيف نشأ
  إنها القناعة بما تعتقد في نفسك، هي التي تنتج الفاعلية
  لايمكن أن تقاوم من تتخذه مسطرة: نموذج القبول بالتحقيب الغربي وبمصطلح "الديكولونيالية"
  الفرق بين الفكرة ومحورية الفكرة: حالة الغنوشي
  شروط لنجاح أفعال تغيير الواقع
  الذين يشيدون بالعفيفة لابسة الحجاب، وإذا تزوجوا اختاروا المتبرجة المتهتكة
  نقاش الانتخابات: الأفضل أن نبحث في كيفية خروجنا من السجن لا تحسين ظروف البقاء فيه
  تأملات في الغيب (5): العجز الذهني هو الذي ينتج الجرأة على الله والقرآن
  الواقع تغيره الفاعلية وليس المبادىء والحق
  المصطلح الدعائي المكثف كأداة للفعل السياسي "الناجح": الخوارج، الخوانجية، الإرهاب...
  تماثيل شكري بلعيد، أعمال عدائية يجب أن تزال
  لقد أثبتت الأحداث أن تُهَمَكم ضد "النهضة" باطلة: من يجعل مُغالِبه مسطرة فلن تنتظر منه غير الهزيمة
  "الوطد" ليس هو المسؤول الأول ولا الوحيد عن سوئنا، وماهو إلا مجرد مقاول صغير
  "الكيل بمكيالين": نموذج لصيغ الإخضاع الذهني
  حول اغتصاب الفلسطينيات
  من يدعو لترك الفرز الايديولوجي إنما يريد تسهيل عمليات إخضاعنا
  "المعارضة الديموقراطية": المسلمة الفاسدة التي تصر على إلزامك بتأسيسات تونس الاولى
  المفاضلة بين درجات السوء تنزع عن مواقفك السند الأخلاقي: نموذج حادث الفتيات السائبات
  الوعي الموجه، ظاهره جيد وباطنه تأسيس للإمّعية الذهنية
  خواطر حول الجمال والمنفعة
  الخضوع الذهني التلقائي للفرد التابع
  تعاملنا مع الأفعال نقطيا يجعل الأخطاء حتمية
  الأعمال التلفزية المتهتكة يجب رفضها لأصلها وليس لتفاصيلها
  نقاشات التونسيين حول الديموقراطية والحرية، تشبه عراك ركاب حافلة
  التضاد في المصطلحات: "على مسؤوليتي"، "إسلام التسامح"
  الاذاعات والتلفزات التونسية تمثل أكبر مصدر للتعفين الذهني: بداية من السجناء السياسيين وصولا لعموم الناس
  الدروس الوعظية تشوش وعي الناس ولاتخدمهم
  تناول مشاكل واقعنا من خلال نقاش الحرية والتنمية والديموقراطية، كحال من يرمّم بيتا خربا
  الإكتفاء بالتقييم المعياري يعيق فهمنا الحقيقة
  الإسلام ورموزه ليسوا في حاجة للأساطير

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
سيد السباعي، فتحي العابد، جاسم الرصيف، أشرف إبراهيم حجاج، عراق المطيري، محمود سلطان، طلال قسومي، رحاب اسعد بيوض التميمي، إيمى الأشقر، د. خالد الطراولي ، حسن الطرابلسي، رافع القارصي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، فتحي الزغل، محمد أحمد عزوز، ياسين أحمد، رضا الدبّابي، الناصر الرقيق، د- محمد رحال، مصطفى منيغ، صباح الموسوي ، رمضان حينوني، رشيد السيد أحمد، فهمي شراب، عبد الله زيدان، محمد الطرابلسي، د. أحمد بشير، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د- جابر قميحة، صلاح الحريري، صفاء العربي، يزيد بن الحسين، مجدى داود، حسن عثمان، محمد العيادي، كريم السليتي، ماهر عدنان قنديل، محمد يحي، عمار غيلوفي، محمد عمر غرس الله، وائل بنجدو، سامح لطف الله، سلام الشماع، سامر أبو رمان ، كريم فارق، علي عبد العال، سليمان أحمد أبو ستة، سلوى المغربي، خبَّاب بن مروان الحمد، عبد الله الفقير، سعود السبعاني، أ.د. مصطفى رجب، أحمد بن عبد المحسن العساف ، أبو سمية، د - مصطفى فهمي، د. أحمد محمد سليمان، د - المنجي الكعبي، محرر "بوابتي"، حاتم الصولي، أحمد بوادي، د- محمود علي عريقات، أحمد الحباسي، خالد الجاف ، د.محمد فتحي عبد العال، ضحى عبد الرحمن، صفاء العراقي، د - الضاوي خوالدية، صالح النعامي ، عبد الغني مزوز، نادية سعد، د. صلاح عودة الله ، محمود فاروق سيد شعبان، عمر غازي، د. مصطفى يوسف اللداوي، حميدة الطيلوش، مصطفي زهران، حسني إبراهيم عبد العظيم، محمد شمام ، د - صالح المازقي، أنس الشابي، د. عبد الآله المالكي، أحمد النعيمي، مراد قميزة، إياد محمود حسين ، علي الكاش، العادل السمعلي، فوزي مسعود ، د- هاني ابوالفتوح، د - محمد بنيعيش، منجي باكير، سفيان عبد الكافي، الهادي المثلوثي، عزيز العرباوي، عبد الرزاق قيراط ، محمد اسعد بيوض التميمي، الهيثم زعفان، إسراء أبو رمان، د. ضرغام عبد الله الدباغ، تونسي، صلاح المختار، فتحـي قاره بيبـان، د. طارق عبد الحليم، د - شاكر الحوكي ، د. عادل محمد عايش الأسطل، أحمد ملحم، محمد الياسين، د - عادل رضا، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، رافد العزاوي، يحيي البوليني، د - محمد بن موسى الشريف ، المولدي الفرجاني، محمود طرشوبي، عواطف منصور،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة