تدين آل سعود يكتسح الماضي: نموذج تحقيق الكتب التاريخية
فوزي مسعود - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7784
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
تعمل آلة الدعاية لدى آل سعود على التمكين لمفاهيمها الدينية التي تمثل امتدادا لتدين بني أمية، وهو تدين وظيفي يكرس الواقع ويعلي من شأن الحاكم، من خلال تكوين مؤسسة إسلام رسمي يؤثثها مرتزقة دين مسنودين بآلة دعاية فعالة.
حديثا بنيت آلة الدعاية لدى آل سعود على مرتزقة من طراز ثقيل كابن باز الذي أفتى بشرعية تواجد القوات الأمريكية بالسعودية وضربها العراق وتقتيل الآلاف من المسلمين.
ومن رموز الدعاية الذين تعتمد عليهم أيضا آلة الدعاية السعودية يمكن ذكر خاصة: العثيمين وآل الشيخ وفيلق كبير من المتحدثين في شؤون الإسلام منضوين عادة في ما يسمى هيئة كبار العلماء.
آلة الدعاية الدينية السعودية، تحصد ضحايا كثيرين، ممن يعتقدون صحة التدين الأموي / السعودي، ولذلك فإنك تجد من يدافع عن السعودية على أنها نموذج الإسلام وأنها ناصرة الدين ومدافعة عنه وأن علمائها رموز الإسلام يجب أن يعلى من شأنهم بزعمهم، بل لقد أنتجت آلة الدعاية السعودية مفاهيم كالسلفية العلمية ومشتقاتها كالمدخلية ، وأسميها أنا سلفية ولاة الأمور.
ولآل سعود جامعات تكون خريجين على منهج تدينها الوظيفي، منها جامعة محمد بن سعود وجامعة أم القرى، يؤمها عادة الوافدون الجدد لحضيرة الدين من الغربيين، ويدرس فيها البعض ممن اعتقد لسبب ما بكون مرتزقة آل سعود علماء ربانيين فعلا.
ولما استتب الأمر لآل سعود في الحاضر حيث مكنوا لتدينهم واقعا، إذ انتدبوا الضحايا من مختلف البلدان الإسلامية من أولئك الذين يتخذون تدينهم الوظيفي نموذحا ينافحون عنه، فإنهم انطلقوا للماضي وتراثه العلمي خاصة يؤولونه ويفسرونه تارة بما يخدم تدينهم، ويشوهونه ويضيقون عليه أخرى.
بعض نماذج ذلك، أن آل سعود بثوا -كما يبدو لي- أتباع تدينهم يحققون الكتب العلمية التاريخية المعتبرة من تلك التي تعتمد مناهج عقلية تعارض التدين الوظيفي الأموي / السعودي، فأفسدوها بتعليقاتهم الركيكة وشوشوا على محتويتها، وهي تحقيقات مزعومة تكاد تنتهي لإفساد تلك الكتب القيمة، لأن تحقيق الكتب مفهوما، لا يجب أن يجاوز الشرح اللغوي وإخراج الأحاديث وتوضيح ما أشكل، وليس التعليق على المحتويات ونقاشها وتفنيدها.
ولي تجارب في ما أقول تؤكد طرحي:
منذ سنوات أقتنيت كتاب "التفسير الكبير" (مفاتيح الغيب) لفخر الدين الرازي (1) وهو كما هو معروف، أقرب للموسوعة الفلسفية الكلامية منه للتفسيرالقرآني، علما أن الفخر الرازي أشعري الاعتقاد شافعي المذهب أي ليس هو بالمعتزلي ولا بالرافضي كما يقال. لم أكد أشرع في قراءة التفسير حتى خرج لي من أسفل الصفحات أحدهم أفسد علي لذة القراءة يزعم انه يقوم بتحقيق الكتاب، قافزا كل مرة يريد أن يسفه ما يقول الرازي، رادا عليه أرائه بما لا يجوز لمحقق أن يفعله، متخذا في ذلك أقوال ابن باز مفتي الأمريكان، كمرجع في الرد على الرازي وما أدراك ما الرازي.
بعد ذلك، أقتنيت تفسر "الكشاف" للزمخشري (2)، وهو تفسير متميز ذكره ابن خلدون وأشاد به، والزمخشري معتزلي لا يخفي اعتزاله، لكن تفسيره بلاغي بياني وليس كتابا كلاميا، وضح فيه بلاغة القرآن وسطوع بيانه، حتى اتخذ التفسير مرجعا – بقطع النظر عن المذاهب، فالسنة أيضا يعتمدون عليه - في الرد على من يزعم أن بالقرآن خطلا لغويا.
لم أكد أيضا ألج الكتاب، حتى اعترضني أحدهم نصب نفسه محققا، شاهرا سيفه ضد الزمخشري، مفندا أرائه، وكل مرة أغوص فيها مع الكشاف، ينبري لك المحقق المزعوم في أسفل الصفحة معلقا ومشنعا أحيانا بألفاظ التبديع والخروج على منهج أهل السنة والجماعة بزعمه وغيرها من التهم ضد الزمخشري.
يجب القول أن المحقق ينقل تعليقات أحدهم من القدماء ممن كتب مشنعا على الزمخشري أرائه، ولا يعلق من عنده.
تخرج بخلاصة أن هناك ما يشبه اللوبي لدى دور النشر المعتبرة التي تطبع هذه الكتب التاريخية القيمة، يعمل على إفساد تلك الدرر التاريخية، من خلال الزعم بالتحقيق وما هو بتحقيق، ولكنه سعي للتحكم في التاريخ والسطو عليه من خلال تشويه محتوياته.
هناك ما يشبه إرادة للتشويش على تلك الإبداعات الفكرية الفذة وتغييبها، سعيا للحد أو إلغاء تأثيرها واقعا، لكي يخلو حقل التأثير منها، ويصبح مشاعا لكتب التدين الوظيفي الأموي من تلك التي تكرس الواقع وتسطح الدين وتنتج الأساطير.
ليس بالضرورة – طبعا - أن يكون هناك إشراف مباشر أو دعوة من آل سعود لأعمال التحقيق الموجهة تلك، وإنما ما يهم هو استشراء ثقافة التدين الوظيفي لدى المحققين ودور النشر، حد الإرادة والسعي لخنق كل إبداعاتنا التاريخية.
--------------------
(1) التفسير الكبير للفخر الرازي – تحقيق عماد زكي البارودي- المكتبة التوفيقية - مصر
(2) الكشاف للزمخشري – علق عليه الشريبيني شريرة – وبهامشه الإنتصاف لأحمد بن المنير – دار الحديث - مصر
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: