د. عادل محمد عايش الأسطل - فلسطين
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 3949
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
في أعقاب عودة "أفيغدور ليبرمان" مجدداً إلى مركز صنع القرار السياسي، بعد تبرئة المحكمة الإسرائيلية له من مجموعة التهم الموجهة إليه، ومصادقة الحكومة على تسلمه حقيبة الخارجية، سارع "ليبرمان" بالتشمير إلى حيث العمل، ذلك المؤسس على التصعيد والتطرف وعلى كافة المستويات المحليّة والخارجية، وهذا الأمر متوقع حدوثه من "ليبرمان" تبعاً لماضيه السياسي، وآرائه المتطرفة حول ما يُثار من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لكن الذي حدث وما لم يكن في الحسبان، حتى لدى توقعات الكثيرين والمقربين منه، هو استطاعة "ليبرمان" تسليك حزب(هناك مستقبل) بزعامة "يائير لابيد" من أحضان الحزب الديني (البيت اليهودي) بزعامة "نفتالي بينت" والسيطرة عليه من خلال إنشاء تحالف جديد بينهما. في أعقاب التقاء زعيمي الحزبين "ليبرمان ولابيد" مؤخراً، بعد أن كان يضِل في المتاهات الدينية ومتشعباتها، على الرغم من امتياز الائتلاف الحكومي الإسرائيلي الحالي بالتحالف القوي الذي ربط بين "بينت" و "لابيد"، ذلك التحالف الذي سبق المفاوضات الائتلافية في مواجهة المكلّف بتشكيل الحكومة "بنيامين نتانياهو" واستمر إلى ما بعد تشكيلها وحتى الآن.
هذا التحالف وإن كان بين متناقضين للوهلة الأولى، أحدهما – إسرائيل بيتنا- قديم النشأة، تراكمت لديه خبرات مكثفة، وإن كانت غير موفّقة، لكن كانت وراء إعطائه رخصة قيادة سياسية. والآخر – هناك مستقبل- حديث الولادة، وعلى الرغم من أنه وُلد بحجمٍ زائد، إلاّ أنه تأخر في النمو، ويتعثر كلما حاول الجلوس على مؤخرته، بسبب أن لازمته بعض التشوهات الداخلية حالت دون تطوّره، إلاّ أن هناك العديد من الدوافع والقواسم المشتركة التي كانت أسباباً مهمّة نحو إقدامهما على التحالف وكأنّه أمراً واقعاً، ما فسره الخبراء على أتّه يمثّل إشارة قوية على تحالف سياسي- اجتماعي جديد، بات يلوح في سماء الائتلاف الحكومي الإسرائيلي الحالي، الذي سيكون له الأثر المهم في تغيير موازين القوى ونقاط الجذب والاستقطاب داخل هذا الائتلاف، بما فيها علاقة الحزبين برئيس الحكومة "نتانياهو" وبحزب (الليكود) بشكلٍ عام، بالنظر إلى تحالف "ليبرمان" مع "نتانياهو" عشية انتخابات الكنيست التاسعة عشرة أوائل العام الجاري. وهذه الدوافع هي ذاتها التي كانت وراء فشل التوفيق بين برامج حزبي (بينت- لابيد) في كافة الاختبارات التي مر بها الحزبين على مدار الفترة الماضية، حيث شهدت صدامات شديدة ومؤثّرة حول مواضيع جوهرية يصعب مواجهتها متحالفين. فهناك خلافات كبيرة مع حزب (البيت اليهودي) كما أعلن عن ذلك صراحةً وزير العلوم والتكنولوجيا "يعقوب بيري" المنتمي لحزب (هناك مستقبل)، من أن الحزبين لا يمكن دوام ارتباطهما إلى أكثر من هذا الوقت.
هذه الصدامات برزت جلياً، فيما يتعلق بتجنيد اليهود المتدينين(الحريديم) ومسألة تمويل المدارس الدينية، حيث برزت هناك خلافات لا يمكن جسرها أبداً بين عنصري التحالف، حيث يطالب "يائير" بتجنيد كامل وشامل للمتدينين ومعاقبة المتخلفين منهم، بينما حليفه "بينت" يري أن فرض (كوته) معينة للتجنيد هي كافية للانتهاء من هذه القضية وليس هناك حاجة لفرض عقوبة على المتخلفين منهم. كما أن خلافاتهما الحادة امتدّت حول مسألة تشغيل المواصلات العامة في السبت المقدس، وغيرها من المواضيع المرتبطة بإشكالية الدين والدولة. وبالنسبة للمستوى التفاوضي مع الفلسطينيين، فإن موقف كل من الحزبين متناقضين إلى حدٍ بعيد، حيث ينظر "بينت" إلى العملية السلمية بأنها ضرورية، لكن بدون أيّة تنازلات، بينما حليفه "يائير" تغمره نظرة براغماتية صرفة.
هذه وغيرها شكّلت القواسم الرئيسة بين (ليبرمان- لابيد) والتي تم الشروع فعلياً بالعمل بشأنها. فبالنسبة إلى قانون التجنيد في الجيش الاسرائيلي، فهناك توافق بين الحزبين بشكل كامل حول تجنيد المتدينين وعدم وضع استثناءات، وأيضاً توحّد رأيهما حول ضرورة فرض عقوبات على المتخلفين عن التجنيد في صفوف الجيش. وفيما يتعلق بقانون الانتخابات والحكومة، فهناك توافق كامل، حول (نسبة الحسم) للدخول الى الكنيست في الانتخابات والتي يجب أن تكون عند 4%، كذلك عدد وزراء الحكومة الاسرائيلية وطريقة تقديم حجب الثقة عنها أمام الكنيست.
أيضاً هناك توافق شبه كامل بينهما على مشروع قانون الزواج المدني، وعمل وسائل النقل العام خلال أيّام السبت، وهي أمور من شأنها أن تفسح المجال أمام تعاونات أخرى في المستقبل، والتي سيكون لها الأثر الكبير على تغيير قواعد الائتلاف الحكومي ومن ثم على مجريات السياسة الإسرائيلية نحو القضايا الجوهرية بجملتها التي تبحثها الحكومة الاسرائيلية، سواء المحلية التي تتعلق بالقرارات والقوانين المطروحة على جدول أعمالها، أو الخارجية التي تتعلق بالعلاقات الخارجية والتعامل مع القضايا المهمة وخاصةً القضيتين الفلسطينية والإيرانية، وهي حتماً لصالح التطرف بغض النظر عن تفوّق عدد أعضاء حزب "لابيد" في داخل الكنيست، بسبب الطبيعة اليهودية التي تميل نحو ذلك. لكن وبالرغم من محاولة "لابيد" التظاهر بمرونة موقفه حول القضايا الخارجية، فإن القضية الفلسطينية ستظل موضوع الاختبار (الأهم) والآتي بعد قليل أمام الحزبين المتحالفين، لا سيما وأن هناك فجوة كبيرة جداً ما زالت تفصل بين مواقف (إسرائيل بيتنا) – كحزب معارض وبشدّة لأيّة تنازلات مهمّة لصالح الفلسطينيين- عن موقف (هناك مستقبل) ذو النزعة البراغماتية المعروفة. وفي النهاية سيكون أمام التحالف الجديد، القليل من الوقت والكثير من التحديات كي يثبتا استمرارهما، أم أنهما على موعد آخر مع الفشل، وإن ما جرى كان تحالف متعة وحسب.
----------
خانيونس/فلسطين
18/11/2013
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: