علي الصراف - العراق
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4202
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
هناك سبب واحد يدفع النظام في دمشق الى أن يواصل غطرسته ويوغل بالمزيد من دماء الأبرياء.
لا يملك هذا النظام، وقد أثبت أنه نظام أرعن، سوى دعم ايران وروسيا والصين له. ولولا هذا الدعم لما كان بوسعه أن يواصل العناد، ولا أن يحول الحرب ضد شعبه الى أعمال إبادة يومية.
لقد قدمت الجامعة العربية عدة مبادرات للحل. واتخذت العديد من القرارات، حتى فاض بها الكيل، فلجأت الى الأمم المتحدة، سعيا وراء ضغط دولي لعله يجبر الرئيس بشار الأسد وجلاوزته على أن يدركوا أن وقت قد نظامهم قد أزف، وأن ترتيب شؤون الرحيل هو خير ما يمكن أن يفعلوه لأنفسهم.
ولكن، حتى بعد أن أدرك قادة النظام في دمشق تلك الحقيقة، فقد وظفوها في الاتجاه المضاد تماما: تحويل المواجهات مع شعبهم الى مجزرة تنتقل من مكان الى مكان.
لا حاجة للعويل. فالدماء التي تفور وتتناثر، كل يوم، لم تبق مكانا حتى للصراخ. فقد اختنق في حناجرنا الصوت. واختنق البكاء نفسه.
وثمة من هول الصدمات ما يدفع الى الجنون. ولكن بعد الجنون، لا بد للعقل أن يملي نفسه على الخيارات السياسية القليلة المتاحة للخروج من هذه المحنة.
هل تتيح المساعي الدولية والضغوط العربية، ومنها بعثة الأخضر الإبراهيمي، فرصة للحل؟
اسألوا الإبراهيمي نفسه، وسوف يقول لكم إن مهمته مستحيلة. فنحن أمام نظام لا يقبل أي إصلاح، ولا يستطيع العيش مع أي تغيير، ولا يمكنه أن يقدم لشعبه أي تنازل. لأنه يؤمن (وإيمانه صحيح) بأن أي تغيير وأي تنازل، مهما كان ضئيلا، سيكون إيذانا بنهايته.
هل يمكن لأي تغيير أن يبدأ بأقل من اطلاق سراح السجناء السياسيين والكف عن ملاحقة المعارضين بانماط شتى من التهم السوريالية من قبيل "اشاعة الوهن في نفسية الأمة"؟
إذا كان لا يمكن، وإذا كان الكفُّ عن نظام الملاحقات شيئا أقل من القليل، فان نظام دمشق سيظل يجد في تغيير طفيف كهذا تهديدا لوجوده. لماذا؟ لانه نظام لا يتحمل وجود معارضين غير مخصيين. ولانه لا يتحمل كلمة نقد واحدة. ولانه لا يستطيع العيش من دون إرهاب وتخويف.
فبأي معنى من المعاني يمكن لهذا النظام أن يقبل بأي تغيير؟
أي إصلاح، مهما قل شأنه، هو مطلب مستحيل، بالنسبة لنظام عاش على القهر والظلم والتعدي على حقوق مواطنيه.
لو أمكن لهذا النظام أن يوقف جلاوزته عن العيش على الرشوة واعمال السلب فقط، فانه سينهار بعد أقل من 24 ساعة. ليس لأن سلطة اللصوص ستعجز عن وقف اللصوص عند حدهم، بل لأن اللصوص أنفسهم سوف يتخلون عنها، وسيكون أربح لهم أن ينتقلوا الى صفوف المعارضة ليصيروا من مناضلي آخر ربع ساعة ممن نراهم اليوم.
الحقيقة، هي أن هذا النظام، لا يستطيع، بأي حال من الأحوال، إلا أن يفعل شيئا واحدا، هو أن يغري شبيحته بأن منافعهم ستعود الى سابق عهدها، وأنهم سوف يتمكنون من سحق تمرد شعبهم لكي يستردون كل ما خسروه في هذه الأزمة.
إذا، لا أمل بأي حل عن طريق تقديم التنازلات أو التسويات.
العمل العسكري، من جانب آخر، يبدو عملا فارغا.
لا توجد دولة في العالم ترغب أو تستطيع أن تخوض حربا لاسقاط هذا النظام بالقوة. ليس بسبب التوتر الدولي الذي قد ينشأ عن أي مواجهة عسكرية، بل لأن الدفع في هذا الاتجاه سوف يؤدي الى اغراق الدول التي تشارك في الحرب في مستنقع لا مخرج منه. وهذا المستنقع، سيكون كفيلا باستنزاف طاقات وموارد هائلة، دون طائل، لاسيما في بلد لا يملك الكثير من الموارد لتقديم التعويض.
سورية ليست العراق، من ناحية الموارد. ومع ذلك فقد آثر الغزاة – "المحررون" أن يتركوا المستنقع الذي اقاموه هناك، للحد من نزيفهم الاقتصادي والعسكري والمعنوي.
المستنقع في سورية سيكون أكثر تفسخا، لسبب إضافي هو أن النسيج الاجتماعي – السياسي سوف يتفكك ليس الى ثلاثة "مكونات" كبيرة، كما هو الحال في العراق، بل الى حشد من "المكونات" المتنازعة التي لا يمكن ضبطها.
المقاومة المسلحة الداخلية قد تبدو وكأنها خيار أخير، إلا أنها في ظل تفوق الامكانيات التي يتمتع بها النظام، وفي ظل استمرار الدعم الايراني – الروسي – الصيني له، سوف تعني حربا طويلة الأمد؛ سوف تعني نزفا لا حدود له، كما أنها سوف تعني خرابا وتفككا يدمر كل فرص المستقبل لبناء نظام يتمتع بأدنى المؤهلات السياسية والأخلاقية للحيلولة دون قيام المتنازعين فيه بأعمال انتقامية ضد المزيد من الأبرياء.
حركة الهجرة المتزايدة، والتي تطال اليوم نحو 3 ملايين إنسان تكشف عن شيء لا يلاحظه الكثيرون. وهو أن المقاومة المسلحة تنتحر. فالناس الذين يلوذون بالفرار من أعمال القصف، إنما يلوذون بالفرار من مسؤولياتهم في مواجهة الآلة القمعية أيضا. وهذا يزيد في عزلة تلك المقاومة، ويحولها الى جيوب أو فقاعات مسلحة يمكن استئصالها بالتدريج.
هذا الوضع يعني، على نحو أهم، أن المعركة لن تتحول الى عصيان مدني شامل. فالمدنيون الذين يفرون من ساحة المعركة، يتركون وراءهم كل شيء، ليحملوا عبئا واحدا فقط: البحث عن سبيل للنجاة.
وهذا أمر لا أفق فيه، ولا يقدم وعدا بـ"حرب تحرير" كما يزعم الزاعمون. إنه يقدم وعدا بشيء واحد فقط: تحويل سورية الى مستنقع خائفين، من ناحية، ومستنقع هاربين، من ناحية أخرى.
في وضع كارثي كهذا، لا يوجد إلا حل وحيد. هو أن تتخذ الجامعة العربية قرارا قد يتطلب القليل من الشجاعة، إلا أنه ممكن وعملي وناجع في الوقت نفسه.
فمثلما تجرأت الجامعة على أن تطرد سفراء سورية، وأن تسحب سفراءها من دمشق، ومثلما تمكنت من تعليق عضوية دمشق في الجامعة، ومثلما تمكنت من فرض عزلة دولية متزايدة على النظام، فانها تستطيع أن توجه إنذارا صارما لايران وروسيا والصين، بقطيعة دبلوماسية شاملة ما لم تتوقف عن دعم هذا النظام الأرعن.
ليس كثيرا على الذين يموتون كل يوم، وليس كثيرا على النزيف الذي لم يتوقف منذ عام ونصف، وليس كثيرا على مستقبل العلاقة مع شعب عظيم، أن تقف الدول العربية وقفة رجل واحد لتقول لكل الذين يدعمون رعونة هذا النظام، بان مصالحهم، أو في الاقل وجودهم الدبلوماسي، يمكن أن يتهدد إذا ما واصلوا دعم آلة القتل التي يقودها قادة الإنحطاط الأخلاقي في دمشق.
العلاقات الدبلوماسية يمكن أن تعود. والمصالح المتبادلة لن يلحقها الكثير من الضرر. وكل خسارة قابلة للتعويض في المستقبل. ولكننا بقرار جماعي جريء واحد، سوف يكون بوسعنا أن نوقف آلة المجزرة عن سحق المزيد الضحايا. ولسوف يدرك النظام في دمشق أن وقته قد أزف، وأن على جلاوزته أن يبحثوا عن مخرج آمن لأنفسهم.
لقد تجرأت الأمة العربية، الدول الخليجية منها بالدرجة الأولى، أن تقف وقفة رجل واحد عام 1973 عندما قررت أن تقطع امدادات النفط عن كل الذين يدعمون العدوان الاسرائيلي.
الخطر على أمن الدول الخليجية كان أكبر في ذلك الوقت من أي خطر يمكن أن يقوم اليوم. كما أن الكلفة الاجمالية للمقاطعة الدبلوماسية الشاملة لايران وروسيا والصين، أقل بكثير من كلفة ذلك القرار الجريء. وهذه البلدان الثلاثة حتى وإن كانت تشكل وزنا اقتصاديا ما، أو تهديدا اقليميا ما، أو قيمة دولية ما، إلا أنها ليست بوزن اوروبا والولايات المتحدة في سبعينات القرن الماضي. وبفضل دعمها المتواصل لنظام وحشي، فانها تعاني من افلاس اخلاقي مريع على مرأى العالم بأسره. وهذا وضعٌ يضاعف فائدة المقاطعة الشاملة، ويحد من قيمة العواقب الناجمة عنها.
أفعلوا هذا، ولسوف يعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: