صفاء سامي الخاقاني - العراق
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4380
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
تناولت في الحلقة الأولى من هذا البحث المختصر بعض النقاش حول معنى أولي الأمر ومعنى الطاعة وعلى مَن يمكن أن ينطبق هذا المفهوم، وهنا سأكمل ما بدأت به.
قيل: إن أولي الأمر هم الخلفاء الراشدون أو أمراء السرايا أو العلماء المتبعون في أقوالهم وآرائهم فهذا مدفوع لأنه بلا دليل ولأن الآية تدل على عصمتهم ولا عصمة في هؤلاء الطبقات بلا إشكال إلا ما نعتقده في حق الامام علي (عليه السلام)، بل المراد بأولي الامر هم أئمة أهل البيت المعصومين (عليهم السلام) وهذا منصوص عليه في الكتاب والسنة كآية الولاية وآية التطهير وغير ذلك، وكحديث السفينة: «مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق» الحاكم:المستدرك:3/151 أخرجه مسندا إلى أبي ذر ونقل هذا المعنى في غاية المرام ص 238 و ( العبقات ج 2 ص 714 )، وحديث الثقلين: «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا» نقل هذا المعنى مسند أحمد ج3 ص17 وصحيح مسلم ج2 ص 238 ، وكأحاديث أولي الأمر المروية من طرق الشيعة وأهل السنة.
ومن يشكل ويقول إننا في زماننا هذا عاجزون عن الوصول إلى الإمام المعصوم وتعلم العلم والدين منه، فلا يكون هو الذي فرض الله طاعته على الأمة إذ لا سبيل إليه.
وهذا مردود أيضا لأن ذلك مستند إلى نفس الأمة في سوء فعالها وخيانتها على نفسها لا إلى الله ورسوله فالتكليف غير مرتفع كما لو قتلت الأمة نبيها ثم اعتذرت أنها لا تقدر على طاعته.
ورد عن ابن بابويه بإسناده عن جابر بن عبد الله الأنصاري: " لما أنزل الله عز و جل على نبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ .. « قلت: يا رسول الله عرفنا الله ورسوله فمن أولو الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): "هم خلفائي يا جابر وأئمة المسلمين من بعدي أولهم علي بن أبي طالب، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر ستدركه يا جابر فإذا لقيته فأقرئه مني السلام، ثم الصادق جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي، ثم علي بن محمد، ثم الحسن بن علي، ثم سميي محمد وكنيي حجة الله في أرضه وبقيته في عباده ابن الحسن بن علي ذاك الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيه على القول بإمامته إلا من امتحن الله قلبه للإيمان" قال جابر: فقلت له يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " إي والذي بعثني بالنبوة إنهم يستضيئون بنوره، وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلاها سحاب، يا جابر هذا من مكنون سر الله ومخزون علم الله فاكتمه إلا عن أهله ". البرهان في تفسير القرآن:1/ 381
وعن النعماني بإسناده عن سليم بن قيس الهلالي عن علي (عليه السلام) ما في معنى الرواية السابقة، ورواها علي بن إبراهيم بإسناده عن سليم عنه (عليه السلام)، وهناك روايات أخر من طرق الشيعة وأهل السنة، و فيها ذكر إمامتهم بأسمائهم من أراد الوقوف عليها فعليه بالرجوع إلى كتاب ينابيع المودة وكتاب غاية المرام للبحراني وغيرهما.
ففي زماننا من يمثل المصداق الحقيقي لأولي الأمر هو الامام المهدي المنتظر (عليه السلام) ومن يشتبه ويدعي أن الاعتقاد بالإمام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه) هو اعتقاد شيعي ولا علاقة له بالقواعد الدينية وعقائد الإسلام بدعوى عدم الاشارة لهذا الاعتقاد الاسلامي في الصحيحين مثلا، فهو مخطأ جزما، وسأثبت للمطلع ان هذا الاعتقاد متواتر وثابت عند المسلمين لذا تلاحظ عزيزي القارئ إن من لا تروق له هذه الفكرة لا يستطيع انكارها من الاساس في حال النقاش معه ووضعه على المحك وإنما يحاول تهميش هذه الفكرة والتقليل من شأنها أو يجعلها مشوبة بالضبابية ويشكك بشخص وهوية المهدي رغم أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أمر الناس بالإيمان بهذه العقيدة وأوضح معالمها، وهل يعقل أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يأمر الناس بالإيمان والعمل بشيء ولا يوضح حدود وشروط وقيود ذلك الشيء؟! فلا يمكن أن تكون هوية الامام المهدي(عليه السلام) غائمة وتسودها الضبابية.
كما ينبغي الالتفات الى مسألة مهمة وهي ليس كل حديث لم يرد في الصحيحين فهو غير مقبول ولا يمكن الاعتماد عليه، فمثل هكذا دعوى غير مقبولة علمياً عند أعلام فن الرجال والموازين العلمية بل لم يدعها حتى البخاري ومسلم فضلاً عن غيرهما، فيمكن الاستناد إلى روايات لم ترد في صحيحي البخاري ومسلم، وهذا ما أشار إليه البخاري بصورة غير مباشرة في كتابه (التاريخ الكبير) حيث قال:
"هناك 40 ألف راوٍ في الخمسين سنة الأولى بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)"
وأن عدد الذين روى البخاري عنهم الحديث في الخمسين سنة الأولى بلغ عددهم 40 ألف رجل وامرأة تقريبا، وهؤلاء أشار إليهم البخاري في كتابه (التأريخ الكبير)، ونفسه البخاري في كتاب آخر له اسمه (الضعفاء) ضعف من هؤلاء 700 راوٍ فقط وهذا يعني أن العدد الباقي البالغ عددهم تقريبا 39300 راوٍ للحديث كلهم ثقات، وان مسلم والبخاري نقلا، كليهما او احدهما منفردا عن الآخر، عن 2500 راوٍ تقريبا من مجموع 39300 راوٍ وثقوهما، إذن بقي عندنا 36500 راوي ثقة تقريبا وعندهم أحاديث ولكن لم ترد في الصحيحين.
وهناك ملاحظة اخرى وهي أن البخاري أسمى كتابه (الجامع الصحيح المسند المختصر) ولكن بعد ذلك اسموه (الجامع في صحيح البخاري) وهذا ما يوهم القارئ والمحقق أن فيه كل ما صح عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) مع أنه سماه (الجامع الصحيح المسند المختصر من أمور رسول الله وسننه وأيامه).
ولهذا المعنى أشار الدكتور محمد أحمد إسماعيل المقدم في كتابه(المهدي وفقه أشراط الساعة)، الطبعة الأولى، 1423هـ، الدار العالمية، الاسكندرية، ص141، الذي يعتبر حجة وصحيحا عند العامة.
فهل يمكن لعاقل أن يدعي أن الروايات التي لم تذكر في صحيح البخاري ومسلم لا تقبل؟!
بالتأكيد أن هناك قدر مشترك بيننا وروايات صدرت بخصوص العقيدة المهدوية من قبل الصادق الأمين(صلى الله عليه وآله وسلم)، وسأذكر هنا بعض الآراء من علماء العامة منها:
رأي ناصر الدين الألباني في مقال له نشر في مجلة (التمدن الإسلامي) دمشق السنة 22، ذي القعدة 1371 هـ، تحت عنوان (حول المهدي) يقول فيه: "أما مسألة المهدي فليعلم أن في خروجه أحاديث كثيرة صحيحة"، إلى أن يقول في آخر المقال: "خلاصة القول أن عقيدة خروج المهدي عقيدة ثابتة متواترة عنه (صلى الله عليه وآله) يجب الإيمان بها".
وهنا الالباني يعتبر قضية المهدي (عليه السلام) قضية عقائدية دل عليها أمر متواتر أو قطعي مفيد لليقين، فالقضايا العقائدية الأساسية لا يمكن إثباتها بخبر واحد أو بخبرين أو ثلاث حتى لو كانت الأخبار مستفيضة.
ورأي الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية سابقاً، وهو الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، وهو من الأعلام الكبار في المدرسة السلفية الحديثة، وقوله يعد قول المرجع الأول في المدرسة السلفية الحديثة، حيث ورد في مقال لابن عباد تحت عنوان (عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر) هذا المقال نشر في العدد الثالث من مجلة (الجامعة الإسلامية) في المدينة المنورة، السنة الأولى، ذي القعدة، 1388 هـ ، بعد أن ذكر ابن عباد عقيدة أهل السنة عقب الشيخ ابن باز، قال: "فأمر المهدي معلوم والأحاديث فيه مستفيضة بل متواترة متعاضدة وقد حكى غير واحد من أهل العلم تواترها"، فابن باز راجع الروايات فوجدها متواترة، ثم صح عنده أن جملة من الأعلام قالوا بالتواتر.
اذن هذه القضية والعقيدة ثابتة وهي الحق باتفاق المدارس الإسلامية، وعلى هذا تترتب نتائج مهمة منها:
بطلان دعوة من يقول أن عقيدة الامام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) أمر موهوم بأي شكل من الأشكال.
أن عدم نقل الحديث في الصحيحين لا يعني عدم صحته، وإلا فإن علماء المسلمين قبلوا تواتر أحاديث المهدي وهي غير واردة بالصراحة في الصحيحين، وهذا خير شاهد من كلمات أعلام المسلمين وبمختلف اتجاهاتهم وبمختلف مدارسهم، فليس لبعض الفضائيات وبعض المتكلمين الذين ينسبون أنفسهم إلى أهل العلم أن يأتوا ويقولوا أنقلوا لنا روايات من الصحيحين، من البخاري ومسلم فقط، فهؤلاء علماء المسلمين قبلوا صحة هذه الروايات، بل قبلوا تواتر هذه الروايات مع أنكم لا أقل أو بعضكم يقول أنها لم ترد صراحة في الصحيحين.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: