الأهداف الإيرانية في افتعال الأزمات العراقية
قراءة في ملفي الانسحاب الأمريكي ومشروع التقسيم
محمد الياسين - الأردن
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5209 moh.alyassin@yahoo.ca
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لعل البعض لم يصدق ما ذهبت اليه في مقال سابق وتحليل سردت فيه شواهد واحداث تؤكد حاجة ايران للتواجد العسكري الامريكي في العراق وسلطت الضوء على المبررات والاهداف الايرانية في استمرار بقاء الوجود العسكري الامريكي تحت ضغوط وضربات المطرقة الايرانية الممسكة بزمام الشؤون العراقية،بالتالي حاجة امريكا لنفوذ ايران تبقي الاخير الطرف الاقوى في المعادلة وما يترتب عليها.
المستجد على الساحة العراقية الذي جاء بعد اعلان باراك اوباما الرئيس الامريكي قرار انهاء الوجود العسكري وسحب قوات بلاده من العراق هو حملات الاعتقالات التي طالت ضباط عسكريين وبعثين ( سابقين ) وحملات فصل شملت العديد من اساتذة الجامعات والموظفين تحت عنوان اجتثاث البعث بحجة وجود مؤامرة انقلاب على الحكومة العراقية !!.
هذا التأزيم المتعمد في المشهد العراقي من قبل الحكومة واجهزتها ومكوناتها المتنفذة لم يأت اعتباطاً او استناداً الى وجود مخطط انقلابي حقيقي، فالكل يعلم حقيقة الامر، ولم تكن هذه المرة الاولى التي تصرح بها الحكومة بوجود مخطط انقلابي يقوده البعثيون، رغم علم الجميع بعدم تمكن البعثين من القيام بأي نشاط من هذا النوع، فصارا البعث والقاعدة شماعة فشل الحكومة وتهمة جاهزة تلصق بكل من يعارض توجهات وسياسات الحكومة و رجالات السلطة.
فلا تزال فوبيا البعث والتكفيريين تلاحق ساسة العراق، رغم علمهم بأكذوبة مؤامرات الانقلاب البعثية، وعدم وجود اي خطر من هذا النوع لاسباب باتت معروفة للقاصي والداني وفي مقدمتها ان الكثير من رجالات البعث هم اليوم ادوات السلطة في بغداد، والتكفيريين فهم غالبا ما يكونوا خلايا ايران اما النائمة او الفعالة في العراق والمنطقة.
ويبدو ان قادة الحزب الديني الحاكم وعلى رأسهم السيد المالكي رئيس الوزراء استنفذوا مبررات البطش بالعراقيين " وكالة عن الايرانيين " واستعانوا برواية الانقلاب. هنا اتوقف قليلا واسلط الضوء على اكبر المستفيدين في تأزيم الوضع العراقي بالمطلق في الوقت الراهن تزامنا مع انسحاب القوات الامريكية الا وهو اللاعب الايراني.اشرت في مقال تحليلي سابق جاء تحت عنوان ( الانسحاب الامريكي من العراق..هذا ما لا يريده الايرانيون في الوقت الراهن ) الى احداث وشواهد جارية على الساحة العراقية توحي بدون ادنى شك ان حاجة ايران لبقاء الجندي الامريكي على ارض العراق قائمة خاصة مع التغيرات والمتغيرات الجديدة المتسارعة في المنطقة. لكن حينما ذهب الاميركيون اخيرا لخيار الانسحاب ( رسميا ) باعلان اوباما.
لم يتبقى امام الايرانيين سوى خيار واحد، هو اظهار فشل اميركا في العراق من خلال تأزيم المشهد السياسي وقد يعقبه اشعال الساحة العراقية امنيا، لاحراج الادارة الامريكية وابراز حالة الانسحاب الى العالم والشعب الامريكي على انه هروب امريكي من العراق.
وتستحضر ذاكرتي ذاك المشهد في ايران بعيد ثورة 1979 وازمة رهائن السفارة الامريكية في طهران حينما اشتد الجدل بخصوصهم بين واشنطن وطهران ورفض حكام ايران الجدد تسليمهم الى بلادهم رغم توصلهم في نهاية المطاف الى صفقة تقضي بتسليم ايران للرهائن الدبلوماسيين الا ان ايران استثمرت في ذلك توقيت الانتخابات الامريكية لاحراج الادارة في حينها.
بفقدان الفاعل الايراني احد مصادر قوته عراقيا واقليميا ودوليا ( المطرقة الايرانية بوجود القوات الامريكية ) فلم يعد لهذه المطرقة التقليدية التي شغلت الاميركيون سنوات طوال اهمية وفق الحساب التقليدي المتعارف عليه( بوجود قوات عسكرية امريكية مستهدفه من جماعات وميليشيات ايرانية لفرض مكاسب سياسية ).
لاشك في ان الاحداث الاخيرة ترتبط بعضها ببعض، حملات الاعتقالات واجتثاث اساتذة وموظفين من مناطق ذات طابع طائفي معين، يشعر ابناءها بالغبن والاضطهاد والتهميش وسلب الحقوق من قبل السلطة، دفع بساسة ونواب ومسؤولين محليين في تلك المناطق " وهم ذاتهم دعاة الانفصال في الماضي القريب " دفعهم لاستثمار الحدث واعلان اقليم صلاح الدين كمقدمة يليها اقليم الانبار وديالى والموصل والبصرة..الخ.وكانت حجتهم رفع المظلومية ونصرة ابناء مدنهم وتجنيبهم بطش الحكومة الموالية لايران قلبا وقالبا!.
لا صدف على الاطلاق فيما حدث ويحدب وسيحدث، يبدوا لي ان المعادلة واضحة المعالم من خلال النتائج الجزئية للاحداث وكلما اقتربنا من موعد انسحاب القوات الامريكية تترتب قطع الشطرنج بشكل واضح لا لبس فيه، تأزيم الحكومة الحليفة لايران المشهد العراقي وافتعال الازمات السياسية بالتزامن مع الانسحاب الامريكي باستهداف المواطنين بالشكل الذي بدا عليه يؤدي لاحراج امريكا وذهاب الانفصاليين لخيار الاقاليم دون رادع.
بمعنى ان ايران مرة اخرى لا شك بأن مشروعها يهدف الى تقسيم العراق وتجزئته، رغم اعتقاد بعض الساسة بأن مشروع ايران يقف بالضد من تقسيم العراق، لكن الاحداث لطالما اكدت عكس ذلك تماما، فتقسيم العراق ينهي وجود الدولة القوية التي تقف بوجه تطلعات ومرامي ايران الاستعمارية في المنطقة ويجعل من الاهداف الايرانية التوسعية سريعة الوصول دون رادع، اما من يبرر ان ايران لا تطمح لتقسيم العراق استنادا الى المعادلة التقليدية الرائجة خوفا من وصول هذا السيناريو اليها خاصة من جهة الشعب الكردي، فهو واهم، من منطلق ان الوحدة قوة والتقسيم يضعف جميع الاطراف ولا يقويها كما يروج، الدليل انه كلما استهدف شمال العراق من قبل ايران يتحرك قادة الكرد دبلوماسيا من داخل اطار الدولة العراقية والبرلمان في بغداد وتتصاعد اصواتهم بالدفاع عن سيادة العراق لا الاقليم فقط.
وقد تطرقت الى سيناريو تقسيم العراق بسلسلة مقالات حملت عنوان ( تداعيات سيناريو تقسيم العراق، قراءة محلية و اقليمية ودولية ) وقد اتهمني البعض اما بالجنون او الانحياز لامريكا، وها نحن اليوم نشهد حقائق بدأت تتجه نحو التطبيق على ارض الواقع.
الكل يعرف بمن فيهم الاميركيون ولاءات الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق للنظام الايراني بعد العام 2003 وتحديدا منذ العام 2005، وان ايران الداعم الاقوى لوجود تلك الحكومات واخرها حكومة السيد المالكي الموالية لايران، ونعلم جيدا ان الانسحاب الامريكي من العراق كما اعلن يحمل الحكومة بالذهاب اكثر بإتجاه ايران وبرز ذلك بشكل واضح في اكثر من مفصل تجاري و اقتصادي وسياسي ويبدو ان القرار الحكومي في بغداد بدا يتجه بشكل متسارع لايران حتى قبل انتهاء الانسحاب الامريكي من العراق ، ومشاركة شخصيات واحزاب سياسية عراقية نافذة في المؤتمر الذي عقد في طهران حول الارهاب وكذلك المشاركة مع ايران في تطلعاتها الاستعمارية التي حملت عنوان التيارات الاسلامية ودورها القادم في المنطقة دليل اخر ومؤشر خطير بذهاب الكيان الحكومي وقوى الاسلام السياسي النافذة في العراق بإتجاه المشروع الاستعماري لايران.
بوجود هذه المؤشرات لو افترضنا جدلا ان ايران ضد الاقاليم في العراق، نتساءل ما غاية السيد المالكي وهو الحليف لايران من استمراره بمسلسل عرض العضلات باعتقال وفصل الموظفين والضباط والاساتذة الجامعيين ؟! فهذه كانت ولا تزال مبررات الانفصاليين التي لطالما تاجرو بها في الاعلام والمجالس والدواوين الخاصة، اذا ما غاية السيد المالكي وهو الرافض للتقسيم كما يقال ان يرمي الكره باستمرار بملعب الانفصاليين الداعين لتقسيم البلاد علنا من خلال افعال حكومته ؟!
من الجيد ان نذكر بأن الخطاب الاعلامي للفاعل السياسي ليس بالضرورة هو ترجمة حرفية لذات الاهداف السياسية، وانما قد يكون العكس هو الصحيح، فأن كانت مبررات دعاة الانفصال قائمة بحجج التهميش والاعتقالات والاجتثاث، فلماذا تصر حكومة السيد المالكي على الاستمرار بنفس النهج ؟! ولماذا لا يسقط مبرراتهم التي قد تؤدي في نهاية المطاف لكسب هذه المعركة بإقامة اقاليم ( ذات طابع طائفي)؟!
بتقديري ان حكومة المالكي تجاهر بشئ في الاعلام وتدفع باتجاه شيئا اخرا تماما، فهذا واضح من خلال الفعل ورد الفعل، وقراءة المشهد الراهن، عند الاخذ بالمعطيات والنتائج الجزئية نجد ان افتعال الحكومة العراقية للازمات هو افتعال ايراني بواسطة فاعل عراقي، تهدف ايران من خلاله الى اتمام اجندتها المتعلقة بتقسيم العراق وانهاء دوره الاقليمي والدولي وضمه بالكامل ودون منافس لمشروعها الاستعماري التوسعي وادواته الوظيفية في المنطقة.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: