البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

الثورة والتربية

كاتب المقال أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي - اليمن    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 7227


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


ثمّة قسمات مشتركة في الثورات العربية السلمية الراهنة تجعل من المتاح على الباحث في المجال التربوي استخلاص دروس عامة مباشرة في الثورة في تلك المجتمعات التي شهدت وتشهد فعل الثورة وبعض ثمارها. ويمكن الإشارة التربوية في هذه العجالة– على سبيل المثال- إلى أولى دروس البناء والتغيير الاجتماعي المتمثّل في الأصالة في المنطلق والوسطية في المنهج، حيث أثبتت الثورات السلمية في ربوع مجتمعاتنا أن منطلق التغيير وقاعدته الأساس هي مرجعية الأمة وهويتها الفكرية والثقافية المتمثلة في جذورها العميقة المرتبطة ارتباطاً عضوياً لا فكاك منه بدينها الإسلامي القويم، وإفرازاته الحضارية في التغيير المجتمعي والبناء الحضاري، دون أن يعني ذلك انقطاعاً عن التجديد والتحديث في هذا الإطار، أو نفياً لأي (آخر) قريب أو بعيد، ينتمي إلى (الإسلام) أو لا ينتمي، وذلك كلّه بمعزل عن تناقضات الأطراف المتصارعة من جماعات الغلو والتكفير والتفجير لكل مخالف لها من أبناء دينها قبل الآخر البعيد من طرف، أو من جماعات التبرير والتزييف والتزوير، من أولئك الواقفين مع أئمة الطغيان والتجبّر والقمع من الطرف الآخر، ناهيك عن التيارات والأطر التي لا تعتمد المرجعية الإسلامية في عملية التغيير المجتمعي من الأساس، بل قد ترى فيها المشكل الأكبر، والسبب المباشر لكل ما وصلت إليه مجتمعاتنا من ظلم وقهر وتخلّف، ومن ثمّ فهي ترى الحل في نموذج آخر (غير إسلامي) ليبرالي علماني أو سواه.

لو لم يكن من إفرازات هذه الثورات ونتائجها القويّة إلا أنّها أعادت الاعتبار لوسطية هذا الدين وتوازنه واعتداله لكفاها، حيث زَوَت الغلاة والمتطرّفين بمختلف عناوينهم جانباً، بعد أن ظلوا لحقبة مديدة مختطفين لحقيقة الخلاص باسم الدين أو بخلافه، وذلك بسبب الأوضاع الشاذة المختلة، التي أسهمت في منحهم مشروعية وربما ريادة في بعض الحقب السوداء. وهنا لايغيب عن البال أنّه حتى الأقليات المحدودة في بعض مجتمعاتنا سواء تلك المنتمية إلى الإطار العام للدين الإسلامي، أو ممن يدين بغيره فإن سيادة قيم الوسطية والاعتدال تكفل لهم حق المواطنة والمشاركة في صناعة التغيير، وإعادة بناء مجتمعاتنا بالتشارك بين أبنائها، إذ يدرك الراشدون من أبناء الديانة المسيحية- على سبيل المثال- أن الإسلام –وفق منهجه الحضاري الكلّي- يمثل لهم الملاذ الحضاري الأرحب والثقافة المجتمعية الأكثر أصالة.

لقد تجسّدت هذه القيم والمعاني في كل الأقطار التي أعلنت شعوبها الثورة السلمية على أوضاع البؤس والقهر والفساد، ولاسيما في تلك المجتمعات التي ظن بعض من لادراية له بعمق تربيتها وأصالة انتمائها أن حقب التغريب والعلمنة المتطرفة -كما في تونس وسوريا-على سبيل المثال- أو في ظل تزييف الإسلام ومحو فعله التربوي والاجتماعي الراشد كما في ليبيا- كفيلة بطلاقها البائن مع الأصالة والولاء الحضاري إلى المرجعية الإسلامية، بمفهومها الشامل المتكامل العميق، لكنها عادت فتجسّدت أبرز مايكون، وينبئك عن ذلك ابتداءً ترديدها تلك الشعارات والهتافات المليئة بمعاني الالتزام القيمي بمضامين الدين وأفكاره وسلوكه، هذا مع التأكيد على أن مردّديها ليسوا جميعاً ممن يُعرف عنهم بالضرورة التزام ديني أو ممارسة شعائرية منتظمة، ناهيك عن انتماء لأي من الأطر الإسلامية (الحركية) أو سواها، وهو مايؤكِّد حتمية أن التغيير لأوضاع مجتمعاتنا لا ولن يكون بغير الانطلاق من الأسس الكليّة (الدينية) للأمة، وأيّما محاولة بغير ذلك فإنها لا ولن تفلح في صناعة ذلك التغيير المنشود، بل ستصطدم بالضمير الجمعي الكاسح في هذه المجتمعات، كما حدث في غير ما حقبة وقطر، كان قد ظن بعض ضحايا الثقافة (الدخيلة) أن بإمكانهم فرض أنموذجهم القادم من وراء البحار في التحديث والتغيير على مجتمعاتنا، فكانت نتيجة ذلك مزيداً من القهر والتخلّف، ثم تتحتم النتيجة المعروفة للحكماء سَلَفاً، أي الفشل الذريع، وحتمية العودة إلى الأصالة دونما انقطاع عن التجديد النابع من الذات الحضارية بالدرجة الأساس، والمستفيد من الآخر في إطار الأصالة ذاتها. وهنا لايجدر براشد حصيف أن يجرّب المجرّب، أو يضطر لتجرّع ماء المحيط ليثبت أنّه مالح، على حدّ وصف الفيلسوف الأمريكي وليام جيمس !

مطلوب من مؤسساتنا التربوية المقصودة أي المدرسة والجامعة وما في حكمهما وغير المقصودة كالأسرة والمسجد ولإعلام والمواقع الإلكترونية، وكذا مؤسسات الشباب وأنديته الثقافية والرياضية، إلى جانب المنظمات الحزبية والجماهيرية ومؤسسات المجتمع المدني أن تدرك تلك الحقيقة المتمثلّة بأن على عاتقها الإسهام في تنشئة الجيل على مرتكزات الولاء الحضاري وقيم الانتماء الراشد إلى هذه الأمة ومقوّماتها وعوامل تقدّمها المتمثلة في الالتزام بمفهومات التربية الإسلامية الحضارية ومبادئها، شارحة لذلك من خلال الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة الصحيحة ذات الصلة، وأحداث الأمة عبر تاريخها القديم والوسيط والمعاصر، التي تؤكِّد جميعها أن الانطلاق العميق من الذات الحضارية هو سبيل التغيير المأمول، وأن ماعداه تخبّط واضطراب، وإعادة للتجارب الفاشلة، والنماذج منتهية الصلاحية!

أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي


أستاذ أصول التربية وفلسفتها- كلية التربية – جامعة صنعاء


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

التربية، تربية، الثورة، ثورات شعبية، الوسطية، تونس، مصر، اليمن،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 27-04-2011  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
رحاب اسعد بيوض التميمي، خبَّاب بن مروان الحمد، سامر أبو رمان ، د - الضاوي خوالدية، د - عادل رضا، محمد علي العقربي، حاتم الصولي، عبد العزيز كحيل، الناصر الرقيق، يحيي البوليني، د - محمد بن موسى الشريف ، محمد الطرابلسي، فوزي مسعود ، أنس الشابي، محمد أحمد عزوز، عبد الرزاق قيراط ، عبد الله الفقير، أشرف إبراهيم حجاج، حسن عثمان، عبد الله زيدان، د - شاكر الحوكي ، علي الكاش، د - صالح المازقي، الهيثم زعفان، د. عبد الآله المالكي، مصطفى منيغ، محمود طرشوبي، أحمد النعيمي، منجي باكير، د. عادل محمد عايش الأسطل، خالد الجاف ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، سلوى المغربي، مراد قميزة، عراق المطيري، رافع القارصي، د. خالد الطراولي ، د. طارق عبد الحليم، د. صلاح عودة الله ، عمار غيلوفي، فتحي العابد، سلام الشماع، طارق خفاجي، صفاء العراقي، محمد شمام ، أحمد بوادي، سفيان عبد الكافي، بيلسان قيصر، إيمى الأشقر، محرر "بوابتي"، د. أحمد بشير، ياسين أحمد، سليمان أحمد أبو ستة، صالح النعامي ، تونسي، سامح لطف الله، محمد عمر غرس الله، كريم السليتي، كريم فارق، أ.د. مصطفى رجب، د. أحمد محمد سليمان، نادية سعد، د - محمد بنيعيش، د - المنجي الكعبي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، حسن الطرابلسي، سعود السبعاني، مصطفي زهران، فهمي شراب، أحمد بن عبد المحسن العساف ، محمد يحي، جاسم الرصيف، طلال قسومي، يزيد بن الحسين، عواطف منصور، د- جابر قميحة، صلاح المختار، الهادي المثلوثي، أحمد الحباسي، إياد محمود حسين ، سيد السباعي، د- محمد رحال، صباح الموسوي ، عمر غازي، فتحـي قاره بيبـان، محمود فاروق سيد شعبان، محمد اسعد بيوض التميمي، رمضان حينوني، مجدى داود، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، العادل السمعلي، رافد العزاوي، د - مصطفى فهمي، أحمد ملحم، المولدي اليوسفي، عبد الغني مزوز، عزيز العرباوي، حسني إبراهيم عبد العظيم، د- هاني ابوالفتوح، رضا الدبّابي، د- محمود علي عريقات، علي عبد العال، حميدة الطيلوش، د.محمد فتحي عبد العال، صلاح الحريري، رشيد السيد أحمد، المولدي الفرجاني، وائل بنجدو، محمود سلطان، أبو سمية، محمد العيادي، ماهر عدنان قنديل، محمد الياسين، صفاء العربي، ضحى عبد الرحمن، فتحي الزغل، إسراء أبو رمان، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د. مصطفى يوسف اللداوي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة