البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

سقوط سحيق للمثقّف السلطوي 1/2

كاتب المقال أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي - اليمن    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 7375


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


يسعد موقع "بوابتي" إنضمام الأستاذ الدكتور أحمد محمّد الدَّغَشِي للمساهمين بالنشر بالموقع، وأحمد محمّد الدَّغَشِي هو أستاذ أصول التربية وفلسفتها- كلية التربية – جامعة صنعاء.
محرر موقع "بوابتي"
---------------
ثمّة ظاهرة قديمة حديثة تتمثل في ذاك الفرد الذي يحمل من المعرفة والخبرة وربما أعلى الشهادات العلمية، ما يجعله يتصوّر أنّه وحده من يمكنه أن يعيش على المتناقضات، بحيث بوسعه أن يلبس لكل وضع وحاكم لبوسه، وأن يتكيّف مع كل متغيّر، وليس لديه ما يحول دون أن ينتقل من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار والعكس، وأن يردّ على موقفه بالأمس بنفسه، وذلك ليس نابعاً – بطبيعة الحال- عن بحث ودراسة، ومن ثمّ تشكّلت لديه قناعات جديدة قامت على أساس علمي أو خبرة جديدة نزيهة، بل لأنّه درج على هذا المسلك في حياته العامة والخاصة، بحيث يطبّق بلسان حاله (وربما مقاله) شعار (عبيد لمن غلب)، أو وفق مقولة يمنية مؤسفة تقول: ( من تزوّج أمّنا فهو عمّنا)، وقد يكون في جزء من حياته على غير ذلك المسلك، أي أنّه بدأ كأي شخصية حرّة نظيفة، بيد أنّه تعب في منتصف الطريق، واستنتج أن حياة الحرّية والنبل والشرف طويل مكلّف، وأن أقرب الطرق إلى المجد السريع، أو الثراء، أو المنصب، أو الوجاهة هو مسح الجوخ وحرق البخور، والتعلّق بـ( أرباب) النعم وسادة الزمان والمكان.

صنفان من المثقفين:


غير أن الإشارة جديرة هنا إلى ضرورة التمييز بين صنفين من المثقفين أحدهما: ذاك الذي يتسابق مع كل انتهازي من أبناء النظام أو حاشيته وخدّامه وعياله؛ ليقدّم ما يبرهن على صدق ولائه وجاهزيته المطلقة في الطاعة العمياء، وهذا لم يعد يحتاج إلى تعليق أو وصف. والآخر: صنف لايؤمن بشيء من ذلك ولكنه غير قادر – لحسابات معيّنة قد تكون مقبولة ويعذر صاحبها عليها- أن يجاهر برأيه، أو أن ينضم إلى صفوف الأحرار علانية، لكنه – بالمقابل- لم ينبس ببنت شفة تأييداً للطاغية في هذا البلد أو ذاك ونظامه، كما لم ينزلق إلى موقف إساءة إلى الأحرار ودعاة الإصلاح والتغيير، أو يقع في أشخاصهم أو يسيء إلى نواياهم، وإن اختلف جزئياً – بعد ذلك- مع بعض أساليبهم وطرائقهم في التغيير، عبر جلساته الخاصة أو الأحاديث الثنائية، وهذا إن بدا منه غير مقبول أو مقنع- في نظر البعض- مادام أنّه قد آثر الصمت والنأي بنفسه عن التصنيف منذ البداية، لكنه لايعني –بحال- وقوعاً أو تقارباً مع الصنف الأول، ولكن ما أحسن مقولة القائل:" إن لم أستطع أن أصدع بكلمة الحق؛ فلا أُعذر إن أنا نطقت بكلمة الباطل".

ومثقّف سلطوي باسم السماء:


ولا يجوز أن يغيب عن حديثنا الإشارة العجلى هنا إلى أن أسوأ صنوف مثقفي السلطة بإطلاق هو ذاك الذي يقدّم شخصه ورأيه باسم السماء – على نحو أو آخر- فهؤلاء بلاء مضاعف على الأمة منذ القديم؛ حيث كان يُطلق عليهم ( علماء السلطة، وعملاء الشرطة)، وهم المنافقون من المصنّفين في عداد علماء الشريعة وفقهائها، ولكنهم موظّفون لدى الحاكم لإصدار الفتوى ومباركة المواقف التي يتخذها وفق طلبه ومزاجه. يحشد جنوده وحاشيته- وفي مقدّمتهم فقهاؤه هؤلاء- في كل موقف يبغي مشايعتهم له، أو يسعى إلى الانتقام من خصومه باسم (السماء). ومع أن ذلك أمر محزن مؤسف؛ إلا أن من بركات مثل هذه الأحداث أن نزعت ورقة التوت التي كان يحاول بعضهم مواراة سوءته بها، فإذا بها تصفّي الجيّد من الرديء من كل صنف؛ فتنزع المصداقية على نحو أكبر عن هؤلاء، لأن هذه- في الأصل- ساحتهم، وهذا – قبل دور أيّ طرف- دورهم، ولئن عجز بعضهم– وعَجْز الكبار منهم قد لا يبرّر وقت ضرورة البيان- فلا أقلّ من عدم النطق بكلمة الباطل، أو القيام بالإدلاء بتصريحات متذبذبة، على نحو ما يقع بعضهم فيه ( والله وحده المثبِّت والمسدِّد).

استدراك هام:


ولكن ثمّة فرق بين سقطة مهما رأيناها كبيرة، لعالم أو فقيه أو مفكّر أو داعية أو مثقّف على نحو حالة عارضة أو عابرة، وبين مسلك عام أو منهج مشتهر عن آخر، بحيث يضع نفسه دائماً أو غالباً في خانة مواقف السلطان المشتهر بالظلم والعسف وسوء السمعة، فالأول اجتهاد مهما بدا استهجانه قد يٌغتفر في بحر حسناته، وعموم مواقفه المشرِّفة (وكل بني آدم خطّأ)( أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه، عن أنس بن مالك، انظر: محمّد ناصر الدِّين ألألباني، صحيح الجامع الصغير وزيادته، جـ 4، ص 171، حديث رقم( 4391)، 1402هـ- 1982م، ط الثالثة، بيروت ودمشق: المكتب الإسلامي). ، أمّا الثاني فنفاق صريح، وانحراف صارخ- ولا كرامة-، لأنّ من أبى إلا أن يدور مع السلطان الجائر الفاسد حيث دار، وقد تتقلب مواقفه – كالسياسيين البراجماتيين أو الانتهازيين النفعيين- مائة وثمانين درجة، وتجده قد تبنى بالأمس فتوى ويتبنى نقيضها اليوم، مع أنّ العلة واحدة مشتركة، وكل ما في الأمر أن مطلب هذا الحاكم، أو مسار السياسة العامة اليوم تختلف عنها بالأمس. وقد يحمل هذا الصنف – أعني الزاعم نطقه باسم السماء- من المعرفة والعلم الغزير، ويتميّز عن غيره بسمات في بعض الجوانب لايضاهيه غيره في بعضها، وهنا يجاهد الباحث عن الحقيقة ذاته في سبيل الإفادة من ذلك الجانب المشرق لدى هذا الصنف، مهما بدا ذلك شاقاً من الناحية النفسية والوجدانية، ولكن (الحق أحق أن يتبّع) بصرف النظر عن مصدره، أو الوعاء الذي خرج منه، فـ(الحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق النّاس بها). وإلى هؤلاء جاء التحذير النبوي الكريم :" إنّما أخاف على أمتي الأئمة المضلين"( أخرجه الترمذي عن ثوبان، وقد صحّحه الألباني، انظر: محمّد ناصر الدِّين ألألباني، المرجع السابق، جـ 1، ص 276، حديث رقم( 2312)). ومع أن بعضهم ليس (إماماً) ولاشأن له بهذه القضايا من الأساس؛ إلا أن وقع الثورة نزل على سلاطين الظلم والفساد كالصاعقة، فراحوا لاستجداء كل ذي لسان باسم (السماء) -بوجه خاص- كما تشاهد بعضهم اليوم على القنوات الفضائية اليمنية و(الدينية) اليتيمة منها، وقد قال – عليه الصلاة والسلام:" أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان" (أخرجه ابن عدي في الكامل عن عمر، وقد صحّحه الألباني، انظر المرجع السابق، جـ 1، ص 127، حديث رقم(237) ).وسيتم إفراد حديث خاص بالمثقف السلطوي في اليمن لاحقاً. وعودة إلى تفصيل درس الثورة، فإليك هذه النماذج التي كشفت عنها الثورات الثلاث المباركة في تونس ومصر واليمن، وذلك على النحو التالي:

أولاً: نموذجان من السقوط الثقافي في الدرس التونسي:



يبدو أن الثورة التونسية ابتداءً كشفت هذا الصنف من المثقفين وعرّتهم أبرز ما يكون. وكشاهد محدود على ذلك – وما أكثر الشواهد- لعل أكثرنا تابع ذلك المثقف التونسي البئيس المدعو (برهان بسيس)، الذي ظهر على شاشة الجزيرة الفضائية قبل أقل من ثلاثة أيام من سقوط نظام سيّده (ابن علي) أي في 11/1/2011م، حيث سقط سيّده ونظامه في 14/1/2011م، منافحاً ومسفّهاً لكل حديث عن فساد النظام التونسي وقرب سقوط الطاغية هنالك، واصفاً لذلك بالوهم، واستمات في الدفاع عن الوضع القائم، ووصفه بشتى سمات العظمة والتحديث والتمدّن( راجع: نص الحوار على موقع الجزيرة الفضائية http://www.aljazeera.net/NR/exeres/C878FEB0-8C1D-4D48-8C5D-3247AE3B99CB.htm)

وعبثاً حاول محاوره الحرّ السفير الجزائري الأسبق محمّد العربي زيتوت الذي يؤثر وصفه حالياً بـ(الخبّاز)، لأنه آثر الحرّية في العمل الحرّ ولو كان (خبّازاً) على العمل الدبلوماسي مادام تبعية واستعباداً، وبعد أن سقط النظام التونسي ورمز طغيانه، على ذلك النحو الدراماتيكي المثير الذي فاجأ الجميع -من هذه الزاوية- صرنا لاندري أنشفق على المثقف البائس هذا لعلّه – وأمثال- يتذكّر أو يخشى؟ أم نتفكّه بموقفه ليكون عبرة لمن قد يفكّر من الجيل الناشئ أن يسلك مثل هذه الدروب المخزية؟

وأبأس من ذاك وأكثر شناعة ذلك (الحرباء) التونسي( أعتذر عن ذكر اسمه خلافاً للسابق وللمنهج العلمي معاً الذي يقضي باضطراد المنهح، لأن الأوصاف الواردة في حقّه من التشخيص والوضوح معاً ما يجعله مُدركاً لكل متابع)، الذي فتح وعائلته – حسب تصريحه نفسه- قناة له في أوروبا، بعد أن بارت صحيفته- فيما يظهر- فلم يجد بدّا من أن يستبدلها بقناة فضائية متلفزة، تحمل اسم الصحيفة، لأنها أكثر ربحاً وتسويقاً، وأقل عناء وكلفة – فيما يبدو- ولا مشكلة في ذلك من هذه الزاوية لو وقف الأمر عند حدودها، غير أن قاصمة الظهر أنّه اتخذ من القناة أداة في الدعاية والتسويق لأنظمة سياسية شمولية مهترئة، وقد يبتزها إذا لزم الأمر، كما كان يسلك أثناء الصحيفة أحياناً، كما أصبحت تلك القناة معول هدم فتاكّ للوحدة الإسلامية، بدعوى مناقشة قضايا الخلاف العقدي، وجمع فِرق الأمة على (مذهب كلّي واحد)، وكأن خلافات الأمّة الكبرى نشأت بالأمس القريب، أو في العام الفائت، لا أن جذورها ترجع إلى منتصف القرن الهجري الأول، أي بعد وفاة النبي الأعظم محمّد – صلى الله عليه وسلّم- وذلك غير البحث عن سبل التقارب، والتركيز على القواسم المشتركة، كما تفعل حوارات التقريب- على سبيل المثال- . يتقمّص ثوباً ليس له، فيقدِّم ذاته مفكّراً كونياً تارة، وداعية عالمياً للدفاع عن حقوق الإنسان أخرى، وإماماً للوحدة الإسلامية ثالثة، ولكنه سرعان ما ينكشف حين يسقط في الترويج لأنظمة مشتهرة بالقمع والفساد وانتهاك حقوق الإنسان، أولها نظام (ابن علي)، بدءاً من أطروحته للدكتوراة عام 1996م، التي لفّق فيها جملة من الأكاذيب والافتراءات والمغالطات على مدرسته الفكرية التي كان ينتمي إليها، وتركها – لأسباب تخصّه- عام 1992م ، حسبما ورد في سيرته الذاتية، وضدّ رموزها وفي مقدّمتهم شيخه الأسبق الشيخ (راشد الغنوشي)، ليصفها بـ(العنف)، لعلّه يكفِّر بذلك عن انتمائه السابق إليها، ويقنع نظام الطاغية (ابن علي) بتوبته النصوح، فتغدو هذه الأطروحة (الزائفة) عربون ولاء جديد للنظام الذي كان قد حكم عليه يوماً ضدّ كل من ثبت انتماؤه إلى حركة النهضة.

تأمّل في نموذج المثقف السلطوي حين يسعى لتضليل الرأي العام بأن قناته حرّة مفتوحة لكل الأصوات، وأنها منبر للدفاع عن حرّية الرأي والتعبير، ثم تأتي الكارثة الفاضحة وهي أحداث تونس الأخيرة، أي الانتفاضة التي أفضت إلى سقوط النظام التونسي ورمز طغيانه في 14/1/2011م، ويشاء الله أن تنطلق من محافظته نفسها ( سيدي بو زيد)، لكن القناة تقف لأكثر من أسبوعين متجاهلة تماماً كل الذي يجري في تونس، وصاحبها هو الذي ما إن يسمع بحادثة تستأهل الذكر أو لا تستأهل التركيز أحياناً هنا أو هناك إلا ويفتح لها الملفات التي قد تأخذ أياماً وأسابيع أحياناً، على حين أن أبناء بلده بل محافظته التي ولد فيها ( سيدي بو زيد) يقتلون في الشوارع كل يوم، ويتعرّضون لأبشع أنواع القهر والتعذيب بعد الاعتقال، على يد نظام (بوليسي) سيئ السمعة، وما ذلك إلا ظناً منه أنّه سيتمكن النظام القمعي هناك من القضاء عليها في ظرف يوم أو يومين، أو أسبوع إن طال الأمد، لكنه صعق حين مر أكثر من أسبوعين والمسيرات تمتد وتتواصل حتى بلغت العاصمة، والنقابيون وكل أطياف المجتمع يعلنون تضامنهم مع مطالب أبناء ( سيدي بو زيد)، ووكالات الأنباء والقنوات الفضائية تنقل الأحداث منذ بدايتها، وبعضها بدأ في النقل المباشر كذلك، وحين وجد نفسه محرجاً ومحاصراً، وقناته تبحث – في العادة- بـ(الفانوس) عن أي حدث لتغطي فراغ بثها خاصة، وأنها تنقسم أحياناً إلى قناتين بعنوانين مختلفين، ( ويشير في سيرته الذاتية إلى أنّه أسس قناتين عربيتين) ما تلبث إحداهما أن تختفي بعد ظهورها لساعات كل يوم (ولله في خلقه شئون) !!. حين وجد الأمر على ذلك النحو، وبعد مرور أكثر من أسبوعين بدأ بالحديث الخجول عن أحداث بلاده، ولكن أتدرون مع من؟ ليس مع أبناء بلده أو محافظته المظلومين، وليس حتى مع ممثل للسلطة وآخر من المتظاهرين أو دعاة التغيير في بلده، من قبيل الرأي والرأي الآخر – مع أنّه لامجال هنا لرأي يقف مع القهر والعسف على ذلك النحو- أتدرون مع من؟ إنه – ويا للفضيحة- مع وزير التنمية في نظام (ابن علي) ومع أمين عام حزبه (التجمع الدستوري) وهكذا!! ليصل الأمر ذروته قبيل سقوط الطاغية بيومين حيث يبدأ في تبشير جماهير المشاهدين بأن يترقّبوا بعد ساعات الحوار الهام والتاريخي الذي خصّ به (الرئيس زين العابدين بن علي) قناة (...)، ويأتي الحديث (الخاص) للقناة (موضع الثقة) وسواء اجتباها الطاغية من بين سائر القنوات(المحلية) والعربية و(الأجنبية)، أم سارع إلى ذلك مثقفه (المخلص الوفي) ليأتي حديثه كالعادة استخفافاً بالمتظاهرين، وتوعّداً بسحقهم إن لم يعودوا إلى (الرشد)، ووعوداً (زائفة) بتفهم المطالب (المعقولة). ثمّ يأتي دور المثقف السلطوي (مدير القناة)، ليشعرك بمدى الافتخار الذي يعتليه لحصوله على هذه الثقة، ويستطرد في الثناء المباشر وغير المباشر، ثم يفتح خطوط الهاتف للتعليق ولكن (في اتجاه واحد)، على حوار (السيد رئيس الجمهورية). ومما يؤكّد أنها اتصالات موجّهة ماصرّح به مدير القناة ذاته، حيث قال بأنّه قد حصر الاتصالات الواردة فوجدها بلغت عشرين اتصالاً، منها ثمانية عشر (هكذا) كلّها تؤيد بقاء الوضع مع إصلاحات محدودة، على حين اختلف مع هذا الاتجاه اتصالان فقط!!! وأبعد من ذلك وأغرب ما ورد على لسان المدير (المفكّر الكوني والمنافح الأكبر عن حقوق الإنسان ضد الأنظمة البوليسية خارج بلده وبعض البلدان ذات الخصوصية)، تعليقاً على حديث بعض المشاهدين فيما لم يورده ضمن نص الحوار، إذ قد ورد في الاتصال الشخصي بينه وبين (الرئيس) - كما قال وفي سياق إيراد مناقب بن علي وفضائله- أن (الرئيس) لم يكد يصدّق، حين علم بأن رجاله الذين يتفقّدون أحوال الرعيّة اكتشفوا أن (عائلة) تونسية ما، في مكان ما من أرض تونس، لا تأكل اللحم منذ زمن، ليعرب (الرئيس ابن علي)عن ألمه العميق، ويعلن تضامنه الفوري معها، فامتنع عن اللحم من لحظة سماعه الخبر!!!!! هكذا ومعذرة لمشاعرك – قارئي العزيز- ولو كان المدير (المثقّف) أميناً وواثقاً لأودع ذلك الحوار وتعليقه والمشاهدين بنصّه على موقع القناة الإلكتروني، كما يباهي بتميّز قناته وموقعها عادة.

ثم يسقط الطاغية ويتهاوى نظامه، على نحو فاجأ الجميع، وفي مقدّمتهم رجاله داخل تونس وخارجها، ومنهم صاحبنا (المثقف الكبير والمفكّر الكوني) فهل واصل الرجل موقفه في الدعم والتأييد، أم تنبّه لخطيئته فاعتذر على التو وتاب، كلّا بل ركب الموجة الجديدة، وراح يقدّم نفسه أول مقاوم لنظام ابن علي المستبد البائد، وذهب لينتقي على مدى أيام شذرات من حوارات متناثرة في فترة معيّنة، وكأنه أدرك مدى سخط التونسيين خاصة والمشاهدين عامة، عليه وعلى قناته ، فيأتي بعدد جدّ محدود من أصدقائه (الشخصيين)، وغالباً ما يستضيفهم في قناته – وكفى بذلك قدحاً في موضوعية شهادتهم، مع أنّ أغلبهم غير تونسيين حسب متابعة صاحب هذه السطور- ليدرأوا عنه وقناته تهمة الوقوف مع الطاغية ونظامه حتى اللحظات الأخيرة و(كاد المريب أن يقول خذوني).

إن ذلك الموقف يذكِّرنا بالموقف الذي أشار إليه الأستاذ فهمي هويدي - بمقالة له في الشروق (المصرية)- عن رئيس تحرير مصري لصحيفة قومية اشتهر بلعق نعال الرئيس المخلوع، غير أنّه بعد انتصار الثورة كان من أوائل من كتب (انتصرنا)!!

ولكن كيف يمكن أن ينطلي ذلك على أحد (بالنسبة للمثقف السلطوي)التونسي خاصة، إذا ما تذكّرنا الشواهد التالية:

- منذ أيام صحيفته وهو لايزال يروّج للنظام التونسي ورأس النظام هنالك، مع التركيز على حرمه المصون، وهي رأس البلاء، والسبب الرئيس في الشقاء للحكم والبلاد والعباد، كما تواترت بذلك الأخبار ولاسيما، أخبار أطنان الذهب التي سحبتها من البنك المركزي التونسي، ناهيك عن سيطرة عائلتها على جزء مقدّر من مقاليد البلاد، ولا يزال يتذكّر صاحب هذه السطور بشدّة أن مما قرأه في صحيفة صاحب القناة (قبل ظهور القناة) مدحه المفرط للسيّدة (حرم رئيس الجمهورية) التي شرف بإهدائها الشخصي مصحفاً كريماً من يدها (الطاهرة)! ثمّ اطلع بعد ذلك على تعليق لأحد القرّاء يشير فيه إلى أن الذي أهداه المصحف هو صاحب الفخامة ذاته، أمّا السيّدة حرمه فاكتفى (المثقف السلطوي) بالتأمل في يدها التي لمس الطهارة تنضح من بين أناملها، وقد أعجب – حسب القارئ- بحسن تربيتها أولادها!!!

- لقد اختار النظام التونسي أو اختار هذا (المثقف) لنفسه أن ينبري مدافعاً عن نظام بن علي في برنامج شهير من برامج (الاتجاه المعاكس) بقناة الجزيرة أمام شيخه الأسبق ( راشد الغنوشي)، ولوحظ أن شيخه لم يلتفت إليه أو يتوجّه إلى مخاطبته، طيلة زمن البرنامج،بل كان يفنّد مزاعم النظام التونسي التي جاء (تلميذه) ليزيّنها، ويعمل على تسويقها.

- كيف يمكن تفسير حرص صاحبنا (المثقّف) على نقل قناته الفضائية وقائع افتتاحيات حزب التجمّع الدستوري الحاكم في تونس- وهذا ما شاهدته شخصياً عبر قناته- لو كان بعيداً عن الولاء المطلق للنظام البائد وحزبه (المنحل)؟!

- وأخيراً كلنا يعلم أن قناة الجزيرة كانت ممنوعة في تونس منذ سنوات، أو أنّه لم يسمح لها بمباشرة بثها من الأساس هناك – ربما- ، وكان عويل السلطات التونسية من بث الجزيرة ونقلها الأمين لثورة الشعب التونسي معروفاً إلى حدّ تصريح كبار المسئولين حينذاك بذلك، على نحو فاق في (مرارته) شكوى السلطات المصرية بعد اندلاع الثورة فيها، فلِمَ لم تتبرع قناة صاحبنا المثقف بنقل بث قناة الجزيرة وتغطيتها لثورة تونس منذ أيامها الأولى، على نحو تبرّعها بنقل تغطية الجزيرة للثورة الشعبية في مصر، منذ أيامها الأولى، بعد أن منعت السلطات المصرية قناة الجزيرة ومراسليها ومكتبها من العمل في الأراضي المصرية؟! هل يمكننا تخيّل هذه الصورة بعد أن ظل صاحبنا وقناته لأكثر من أسبوعين مضربين عن الحديث أو التعليق أو حتى الإشارة للذي يجري على أرض تونس وفي محافظته (سيدي بوزيد) بوجه خاص، وحين نطق بعد أكثر من أسبوعين لم يجد سوى وزير التنمية وأمين عام حزب التجمع الدستوري الحاكم في تونس ليقدّما صورة عن حقيقة الوضع في تونس؟! ثم يسارع ليستضيف طاغية تونس بعد ذلك، أو يقبل باجتبائه لقناته!

معذرة عزيزي القارئ إن رأيت في حديثي قدراً من التفخيم الذي قد لايستأهله مثل ذاك (المثقف السلطوي)، أو أن في حديثي إيلاء أكبر لفرد أقل شأناً، لولا أن هذا نموذج بلغ في السفه والفجاجة مبلغاً لا أظن غيره سيصل إليه بتفاصيله. ولا تنس أن صاحبنا يقدّم نفسه في ذلك كله باسم المثقف أو (المفكِّر) المسلم، بوصفه – كما يتحدّث عن نفسه- (متخصّصاً) في الدراسات الإسلامية، وكاتباً في بعض فروعها- ومن أهمها التوحيد - ومهموماً بقضايا الفكر والثقافة ووحدة الأمة!! وهذا ما ينطلي على كثيرين حتى من مثقفي الوسطية والاعتدال – مع الأسف- بسبب استفحال الداء الطائفي في الأمة اليوم، قبل أي دافع آخر، والله المستعان.


أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي


أستاذ أصول التربية وفلسفتها- كلية التربية – جامعة صنعاء


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، مصر، اليمن، الثورة، ثورات شعبية، مثقف السلطة، برهان بسيس،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 13-04-2011  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
الردود على المقال أعلاه مرتبة نزولا حسب ظهورها  articles d'actualités en tunisie et au monde
أي رد لا يمثل إلا رأي قائله, ولا يلزم موقع بوابتي في شيئ
 

  13-04-2011 / 10:02:07   ابو زيد
صاحبنا يريد أن يصبح رئيسا لونس

الطريف في الموضوع، أن صاحبنا النموذج الثاني الذي يتحدث عنه المقال، صاحب القناة المستقلة، والذي انشق عن حركته الاسلامية وتهجم على شيخه تقربا من النظام البائد، الغريب هو انه لايستحي من تاريخه السيئ، ويقوم الان بمحاولات للترشح للرئاسة بتونس، بداها بتجميع اناس بطريقة متحايلة، بولاية القيروان للامضاء على عريضة تنادي بصاحبنا هذا كمخلص للبلاد والعباد

ان شر البلية مايضحك حقا
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د - المنجي الكعبي، أحمد بوادي، عراق المطيري، عبد الله زيدان، صالح النعامي ، فهمي شراب، رافع القارصي، د.محمد فتحي عبد العال، يزيد بن الحسين، ياسين أحمد، محمد يحي، د. أحمد بشير، حسن عثمان، عبد الغني مزوز، د - عادل رضا، رضا الدبّابي، عبد الرزاق قيراط ، سيد السباعي، كريم فارق، د - محمد بن موسى الشريف ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، عمر غازي، محمد اسعد بيوض التميمي، نادية سعد، رشيد السيد أحمد، محمود طرشوبي، حسني إبراهيم عبد العظيم، ماهر عدنان قنديل، محمود سلطان، أحمد الحباسي، د. طارق عبد الحليم، د- جابر قميحة، صفاء العراقي، العادل السمعلي، عبد الله الفقير، محمد عمر غرس الله، صباح الموسوي ، سامر أبو رمان ، الناصر الرقيق، رافد العزاوي، مجدى داود، منجي باكير، د - مصطفى فهمي، طلال قسومي، محمد أحمد عزوز، أحمد النعيمي، د. خالد الطراولي ، د - شاكر الحوكي ، صفاء العربي، علي الكاش، مصطفي زهران، أنس الشابي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د. صلاح عودة الله ، سلام الشماع، فتحي العابد، رحاب اسعد بيوض التميمي، مراد قميزة، فوزي مسعود ، إيمى الأشقر، أشرف إبراهيم حجاج، د. مصطفى يوسف اللداوي، إياد محمود حسين ، المولدي الفرجاني، خالد الجاف ، فتحي الزغل، صلاح المختار، الهادي المثلوثي، عواطف منصور، جاسم الرصيف، صلاح الحريري، علي عبد العال، سفيان عبد الكافي، سليمان أحمد أبو ستة، د- محمود علي عريقات، الهيثم زعفان، تونسي، سلوى المغربي، د- هاني ابوالفتوح، د - محمد بنيعيش، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، يحيي البوليني، د. عادل محمد عايش الأسطل، فتحـي قاره بيبـان، حاتم الصولي، د- محمد رحال، مصطفى منيغ، د - صالح المازقي، محمد الطرابلسي، د - الضاوي خوالدية، محمد العيادي، عمار غيلوفي، حسن الطرابلسي، محمد الياسين، رمضان حينوني، د. كاظم عبد الحسين عباس ، أ.د. مصطفى رجب، د. عبد الآله المالكي، خبَّاب بن مروان الحمد، سعود السبعاني، أحمد ملحم، سامح لطف الله، عزيز العرباوي، محمود فاروق سيد شعبان، كريم السليتي، إسراء أبو رمان، ضحى عبد الرحمن، حميدة الطيلوش، وائل بنجدو، محمد شمام ، أبو سمية، محرر "بوابتي"، د. أحمد محمد سليمان،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة