الإسلاميون بين الهيمنة الأمريكية و المساندة الشعبية
عبد المنعم منيب المشاهدات: 5006
ظلت الدولة الاسلامية قوة دولية فاعلة في عالم السياسة الدولية منذ أن راسل النبي صلى الله عليه و أله و سلم أكبر القوى الدولية في عصره (هرقل و كسرى و المقوقس و النجاشي و غيرهم) و عرض عليهم الاسلام ثم تلا ذلك بغزو الروم (غزوة تبوك و مؤتة ثم بعث أسامة)، و ظلت الدولة الإسلامية فاعلة دوليا و مرهوبة الجانب في أغلب الأوقات بشكل مستمر منذئذ و حتى ضعف الدولة العثمانية و من ثم انهيارها و نهاية و جودها و الغاء أي وجود لنظام حكم يتسمى باسم الخلافة الاسلامية، لقد خاضت قوى دولية عديدة الحرب ضد الإسلام و دولته منذ عهد النبي صلى الله عليه و أله و سلم حتى نجحت في نهايات القرن الـ19م في إضعاف الدولة الإسلامية (العثمانية) تمهيدا لاجتثاثها كليا من الوجود و الذي تم بشكله النهائي على يد كمال الدين أتاتورك بعد ذلك بعشرات السنين، و منذئذ و النظام الدولي مرتكز على تحكم و سيطرة قوى الغرب و الشرق غير الإسلامية تلك القوى التي اختلفت فيما بينها في أحيان كثيرة لكنها لم تختلف أبدا بشأن رفض السماح بعودة دولة المسلمين الجامعة أيا كان الثمن أو الشكل.
و هذه هي العقبة الرئيسة التي واجهت و تواجه الحركة الاسلامية في كل أقطار العالم، بدءا من التضييق على الدعوة الاسلامية و وصولا إلى اضطهاد الدعاة و حبسهم و تشريدهم أو حتى قتلهم، فكل هذه الإجراءات هدفها واحد هو عدم اتحاد كل أقطار المسلمين في دولة واحدة، و طبعا عدم عودة الخلافة الإسلامية لأنها ستوحد المسلمين، و عدم تقدم المسلمين علميا و تكنولوجيا لأن هذا سيمكنهم من تحقيق آمالهم في الوحدة و القوة و المناعة دون خوف من حصار الغرب و معاقبته لهم أو حربه عليهم.
صحيح أن الثورات العربية التي اندلعت في الأشهر الأخيرة غيرت و سوف تغير العديد من المعادلات لصالح الدعاة إلى الله لكن الفيتو الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية ضد الدولة الإسلامية مازال و سيظل كما هو.
فما هو العمل إزاء ذلك كله؟
إن أمضى سلاح في صراعنا مع أعداء المنهج الإسلامي هو الاعتماد على مساندة شعبية واسعة، و هذه الشعبية لن تتحقق بغير تعبئة شعبية واسعة ناجحة و فعالة تقوم بها الحركة الإسلامية، و هذه التعبئة الشعبية تحتاج ضمن ما تحتاج له جمع أكبر قدر من الناس على شعار يعبر عن هدف محدد و معناه واضح سهل الفهم و يسهل الإقناع و الاقتناع به على أن يكون لهذا الهدف بريق و وجاهة و جاذبية، حتى يجتمع عليه الناس بمختلف مشاربهم الفكرية و العقائدية و طبقاتهم الاجتماعية و طوائفهم الفئوية، هذا الشعار لن يكون مجرد شعار بل هو عنوان يعبر عن منهج كامل و متكامل و مقنع و يلبي حاجات القطاع الأكبر من الشعب و يحقق مصالحهم المشروعة، هذا النوع من التعبئة الشعبية ما زالت الحركة الإسلامية في أغلب أقطار العالم عاجزةً عنه؛ بسبب تحديدها لطبيعة المناصر بأنه من يحوز درجةً من التدين ذات سقف عالٍ نسبيًّا، والمطلوب الآن من الحركة أن تفسِحَ المجالَ بل وتسعى لكسبِ ولاء المؤيدين وتنظيمهم على أساس الولاء للهدف العام للحركة الإسلامية ومنهجها بغضّ النظر عن مدى الالتزام السلوكي بذلك بناء على هذا الشعار و ما يعبر عنه من برنامج عمل، لا سيما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "يَا بِلَالُ قُمْ فَأَذِّنْ إِنَّه لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا رَجُلٌ مُؤْمِنٌ، وَاَللَّهُ يُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ" رواه البخاري ومسلم وغيرهما، ولابن تيمية وغيره من العلماء كلام كثير نرى أنه يؤيد هذه الفكرة، لكننا لن نطيل هنا بنقل هذه الأقوال لضيق المجال عن هذا، وطبعًا ليس معنى هذا أن تتخلى الحركة الإسلامية عن منهجها أو ضوابطه السلوكية، لكن معنى هذا أن تستمرَّ الحركةُ في عملِها بالأسلوب الحالي من الاهتمام بالتربية العقدية والسلوكية ويكون هذا أحد مستويات العمل بينما تنشِئ مستوًى آخر من العمل قائمًا على التعبئة السياسية العامة التي تعتمد الولاء للمنهج وأهدافه العليا والتضحية في سبيل ذلك حتى لو ضعف صاحبه عن الالتزام بذلك على مستوى بعض مفردات السلوك الشخصي.
وبالتالي فالحركة الإسلامية لا ينبغي أن تلغي من حساباتها السياسية من انخفض سقف التزامِه السلوكي ما دام ملتزمًا باستراتيجيتها السياسية.
وإذا كان النبي صلى الله عليه وأله وسلم قد استخدم في عمله السياسي مشركين كالمطعم بن عدي ومشركي خزاعة وغيرهم أفلا نستخدم في التعبئة السياسية الإسلامية (بشكل أو بآخر) مسلمين ذوي تدين ضعيف؟
والذي نقصدُه هنا ليس مجرد الاستخدام العابر، بل نقصد وجود منظومة إسلامية متكاملة تستهدف تعبئة وتجنيد هذا النوع من الناس عبر هذا الشعار الجامع الذي نقترحه.
و إذا كان الأمر هكذا فما هو الشعار الذي يمكن أن يمثل عنوانا جامعا للمنهج السياسي الإسلامي في هذه المرحلة لنجمع عليه الناس؟
هناك أربعة عناوين من الممكن أن نطرحها للمناقشة كي تتبنى الحركة الاسلامية منها واحدا أو أكثر لجمع و تعبئة الناس عليه.
تحرير فلسطين
أول هذه الشعارات المجمعة هو تحرير فلسطين و رغم أن هذا الشعار مهم بالنسبة للعرب و المسلمين قاطبة إلا أن في تجميع الناس عليه عوائق في عدد من الدول العربية لأسباب متنوعة، إذ نجحت الدعاية العلمانية و الليبرالية و الرأسمالية في عدد من دول العالم العربي في الترويج لفكرة أن الحرب مع اسرائيل مضرة بالمصالح الوطنية و الاقتصادية للدولة، و من ثم فإن إطلاق و تبني هذا الشعار قد لا يؤتي بثماره المرجوة بالقدر الكافي في بعض الدول العربية و على رأسها مصر للأسف، و سوف يثير كثيرا من الجدل و الخلاف في حين أن الشعار المرجو يحبذ أن يكون مجمعا لا يمكن لأى أحد أن يجد منفذا للجدال حوله، يضاف لذلك أن رفع الحركة الاسلامية لهذا الشعار سيكون له رد فعل أوروبي و أمريكي متمثل في أنهم سيرفضون الحركة الاسلامية التي ستتبناه و هو رفض غير مفيد للحركة الاسلامية في هذه المرحلة التي مازالت مرحلة ضعف و استضعاف.
لكن على كل حال فحتى الآن هناك عددا من الدول العربية و الاسلامية مازال الحس الإسلامي أو الثورى نابضا فيها بما يتيح للحركة الاسلامية فيها أن تتبني هذا الشعار لهذا البرنامج الاسلامي فيها بينما على دول أخرى أن تبحث عن شعار أخر مناسب.
مواجهة الهيمنة الغربية
و هذا الشعار يرد عليه ما يرد على سابقه من محاذير بسبب النجاح الليبرالي و الرأسمالي و العلماني في غسيل أدمغة الجماهير الإسلامية و العربية عبر منابرهم الإعلامية و التعليمية المسيطرة بغشم على المجال العام في عالمنا العربي و الإسلامي، و سوف توجه سهام النقد للحركة الإسلامية في هذه الحالة بأنهم يريدون الصدام مع الغرب لجر الخراب على الدولة عبر مقاطعة الغرب و حصارهم لنا بل ربما الحرب العسكرية المباشرة علينا، و مثل شعار فلسطين فأيضا سوف يجر هذا الشعار علينا فيتو أوروبي و أمريكي نحن في حاجة إلى تخفيفه في هذه المرحلة، و نقول إلى تخفيفه لأنه من الصعب جدا- إن لم يكن مستحيلا- إلغاءه.
إصلاح الدين و الدنيا
شعار اصلاح الدين و الدنيا هو عنوان جامع و يبرز الروح الاسلامية و لا يصطدم بشئ اللهم إلا لو اتكأ عليه العلمانيون لإعمال قوانين تتعلق بحظر العمل السياسي على مرجعية دينية كما في قوانين بعض الدول العربية، كما أنه لن يكون جاذبا لغير المسلمين، و هؤلاء نحن نحتاج لجذبهم و اقناعهم بالمشروع الحضاري الاسلامي.
العدالة و التنمية
العدالة هي القيمة العليا في السياسة الاسلامية قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ }الحديد25، فالله تعالى أرسل الرسل و أنزل الكتب و شرع الجهاد لتسير أمور الناس في الأرض بالعدل.
أما التنمية فالنصوص الشرعية التي تدل على وجوب التنمية او الندب إليها كثيرة منها على سبيل المثال قوله صلى الله عليه و آله و سلم "الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ" رواه البخاري ومسلم و غيرهما و قال صلى الله عليه و آله و سلم أيضا" إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً ، تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ، إِلاَّ أُجِرْتَ بِهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ" رواه البخاري و أحمد و غيرهما.
و النصوص الشرعية في هذا المجال كثيرة، و مفهوم التنمية في الاسلام محكوم بقوله تعالى {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ }القصص77
ومن هنا فهذا الشعار سوف يكون عنوانا على عدالة الاسلام و اهتمامه بالتنمية الاقتصادية و العلمية، و هذه القضايا لا تسمح بفتح مجالات للتفرق أو الجدل.
لكن تبني هذا الشعار لا يمنع من تبني القضايا الأخرى المذكورة قبله بالصيغة المناسبة حسب ظروف كل قطر اسلامي.
و على كل حال فالمنهج الاسلامي متكامل و معروف لكن القضية التي ناقشناها هنا هي شعار للتعبئة السياسية الاسلامية يكون عنوانا للبرنامج السياسي الإسلامي المطروح على الجماهير مسلمين و غير مسلمين ملتزمين و غير ملتزمين.
و بتحقيق هذه التعبئة السياسية الاسلامية سيمكننا تحقيق مساندة شعبية كبيرة تمكنا من الحد من الهيمنة الأمريكية و الغربية المعرقلة للعمل الاسلامي في كل الأقطار.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: