يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
الفرنكوفونيـة: حـركة فكرية، ذات بعد أيديولوجي، تهدف إلى تخليد قيم (فرنسا الأم) في كل مستعمراتها التي انسحبت منها عسكرياً، ومدافعة التيارات القومية واللغوية الأخرى؛ وذلك من خلال اعتماد اللغة الفرنسية باعتبارها ثقافة مشتركة بين الدول الناطقة بها كلياً أو جزئياً.
إنه إذا كان الحديث عن العلمانية، أو الشيوعية، أو القومية العرقية الانفصالية هو قلب الصراع في كثير من بلدان العالم الإسلامي، فإن الحديث عن الفرنكوفونية يعتبر حقاً هو قلب الصراع في الكثير من البلدان الإسلامية بإفريقيا وخاصة بلدان المغرب العربي؛ ذلك أن الأخطبوط الفرنكوني استطاع أن يحفظ الحياة لكثير من المقولات التي ماتت في الشرق بسبب التحولات العالمية الكبرى بدءاً بانهيار الاتحاد السوفييتي وسقوط جدار برلين، وانتصاب الهيمنة الأمريكية على العالم؛ ذلك أن الماركسية اللينينية الراديكالية، وكذا (المعتدلة) منها، وما شابه ذلك من المنظمات والأحزاب التي غيرت أسماءها واتجاهاتها في بعض البلدان، استطاعت أن تجدد امتدادها في بلدان المغرب العربي، وتحفظ بقاءها، بسبب الاحتضان الفرنكوفوني لها. وكذلك التيارات الأمازيغية الانفصالية التي لم يكن يؤبه لها إبان الصراع الثنائي العالمي بين الشرق الشيوعي والغرب الرأسمالي، برزت اليوم في الواجهة، لكن من خلال الاحتضان الفرنكوفوني أيضاً؛ بل لقد استطاعت الفرنكوفونية، هذا الشيطان القديم الجديد، أن تحول بعض الاتجاهات الماركسية إلى اتجاهات (ماركسية / أمازيغية) بإحياء الظهير البربري الذي أصدره الاستعمار الفرنسي بالمغرب والجزائر إبان الاستعمار، والذي كان يقتضي فصل العرب عن الأمازيغ (البربر)، وعدم خضوع هؤلاء لما يخضع له إخوانهم العرب من جريان مناهج القضاء والتعليم الإسلامية عليهم، وأحدثوا لذلك قضاء عرفياً.
ومن هنا صرنا نسمع اليوم لدى هذه التيارات الخطيرة شعارات مرفوعة باسم (كُسَيْلَةَ البربري)، باعتباره رمزاً (وطنياً)! وإنما كُسَيْلَةُ البربري هذا هو قاتل القائد المجاهد المسلم الذي فتح المغرب: عقبة بن نافع. إن معنى ذلك أن على الأجيال الجديدة المتخرجة من محاضن الفرنكوفونيين (الشيو/أمازيغيين) أن يعودوا إلى مغرب ما قبل الفتح الإسلامي، وهو مغرب كانت تتنازعه الوثنية والنصرانية. والمغرب في الاصطلاح التراثي القديم إنما هو مجموع الغرب الإسلامي.
إن معالجة ملف الفرنكوفونية هي من الأهمية بمكان؛ بحيث تعتبر ضرباً في عمق التدافع الحضاري، ووقوفاً بثغر من ثغور الإسلام، لا عدوُّه يقل خطورة، ولا معركتُه تقل ضراوة، عما يواجهه المجاهدون في ساحات القتال هنا وهناك!
إن العارفين بالخطر الفرنكوفوني يرون فيه نوعاً من الحرب يشبه إلى حد قريب ما عرف في تاريخ الأندلس بـ (معارك الاسترداد) التي خاضها النصارى الإسبان لطرد المسلمين منها. {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21] .
----------------------
من مقدمة ملف الفرنكفونية بمجلة البيان