تحت شعار قيم "التسامح والاعتدال": التلفزة التونسية تروج للخيانة الزوجية
فوزي مسعود
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 14652
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
تقوم التلفزة التونسية بعرض انتاجات تتحدث عن انحرافات الخيانة الزوجية بشكل لا يحمل إنكارا وإدانة لتلك الأفعال وإنما يخلق ما يشبه التعاطف مع القائمين بها، وتسرف في عرض ذلك من خلال تتبع المواقع التي يقع فيها لقاء السقطة القائمين بتلك العملية في شكل حلقات مسلسلة، وتقوم بعرض تفاصيل عملية الإنجاب السفاح بما يعطي الانطباع أن الأمر يتعلق بتعاطف مع القائمين بتلك الأفعال، ولم تظهر التلفزة التونسية أي علامة تبرز من خلالها إنكارها لتلك الانحرافات الخطيرة التي تصيب المجتمع التونسي، وهو الشيء الذي يفهم منه أن الأمر يتعلق بتطبيع مع تلك الممارسات والترويج لها، بقطع النظر عن وجود النية وعدمها في ذلك.
كما استقبلت التلفزة التونسية شهر رمضان كعادتها، من خلال تكثيفها للجرعات المسرفة في الابتذال، والمتمثلة في محتوى انتاجات تونسية والتي والحق يقال أصبح أكثرها مضرب المثل في الانحطاط من خلال مناظر التعري، والمحتويات التي تعمل عمل التطبيع مع ظواهر الانحرافات كالخيانة الزوجية، وتمرد الأبناء على أوليائهم والإعلاء من شأن الزانيات ممن يسمين "أمهات عازبات"، وهو ما يؤدي لتصوير تلك الممارسات على أنها أشياء طبيعية، ويعمل عمل المروج لها عوض إنكارها وتسفيهها.
الابتذال بتونس، عنصر ثابت في عمليات الاستهداف الفكري:
- إذا نظرنا لما تنتجه التلفزة التونسية من محتويات مسرفة في الابتذال، وجدناه لا يختلف من حيث لبه عما تقدمه أدوات تثقيف جماعية أخرى، كالمهرجانات التي ينفق من أجلها الكثير، فهي كلها أدوات تثقيف جماهيري يعمل عمدا على تأثيثها بمحتويات رديئة، وهي في المقابل، محتويات لا يمكن بأي حال إجازتها لو تمت مراجعتها على ضوء الدين والعرف السليم أو الدستور التونسي الذي يوضح بان تونس دولة دينها الإسلام.
- تستهدف التلفزة التونسية، المواطن التونسي لغرض تدجينه وتصييره إمعة سهل الانقياد بهدف إخضاعه لمشاريع تغريبية من دون القدرة منه على الرد، وهي (أي التلفزة) الأداة الأكثر فعالية في هذا الباب لتحقيق هذه الأهداف، حيث تمس شريحة كبيرة من الناس وهي بطبيعة عملها الأكثر قابلية للتأثير،ولذلك يبذل الكثير من أجل برامجها، وكل ذلك لغرض إدامة إخضاع التونسي لمشاريع التغريب.
- ولأهمية التلفزة كأداة توجيه وقيادة جماعية، فان القائمين على أمر الدعاية بتونس، أصيبوا بفزع في السنوات الأخيرة ، حينما بدأ التونسيون التوجه لوسائل إعلام بديلة غير التلفزة التونسية، لان ذلك معناه بداية تحررهم من واقع الأسر والتخلص من حالة التغييب التي يعيشها التونسي عموما، وكان أن واجهوا ذلك الواقع المستجد بحملات دعائية تعمل عمل التسفيه لتلك القنوات تارة، والتخويف منها تارة أخرى.
"الإسلام التونسي"، كوعاء دعائي للالتفاف على التناقضات:
- ولما كانت تلك المحتويات التي تقدمها التلفزة التونسية (وعموما كل المنظومات الترفيهية التونسية كالمهرجانات والمسابقات التي يستقدم فيها المغنيات وتقام فيها مسابقات الجمال والعلب الليلية..بل وحتى أغلب الصحف التونسية ذات المحتوى المبتذل) لا يمكن قبولها لو قمنا بعرضها على مقياس الدين والعرف السليم أو الدستور التونسي، كان معنى ذلك أن هناك تناقضا يجب حله، بين محتويات ما كان يجب أن تقدم للتونسي لعدم ملائمتها وكان يفترض منعها، وبين إصرار البعض على إمضاء تلك المحتويات وإخضاع الناس لها قهرا، ووجب بالتالي إيجاد حل لذلك التواجه يمكن الخروج من نهاياته.
- الحل يمكن أن يمس إحدى المتغيرين، إما باستبدال المحتويات المقدمة وإما بتغيير النظرة لتلك المحتويات، ولما كان تغيير المحتويات ليس مطروحا من حيث انه هو ذاته المطلوب، وإلا لما كان من معنى لعملية إخضاع التونسيين والاستهداف كلها، كان الحل هو العمل على تغيير نظرة الناس لتلك المحتويات المشبوهة التي يخضعون لها.
- تغيير النظرة للمحتويات، يعني تغيير الآراء نحو مكونات الواقع بظواهره وتفاعلاته، كظواهر كالخيانة والزانيات، والتعري، والرشوة، والعمل المربح (انتشار ظواهر القمار في شكل مسابقات)، ومقاييس العمل الجاد..
- وعملية تغيير الآراء، تشمل بعدين، أولا إحداث استعداد نفسي لدى المواطن المستهدف لكي يقبل بالظاهرة أو السلوك موضوع الإنكار، ثم البعد الثاني، العمل على تغيير المفهوم الذي يقف حجر عثرة لتمرير المفاهيم المنحطة البديلة، وعليه فان كل الأنشطة الدعائية بتونس تمضي في هذين المحورين حين استهدافها الناس.
- من الوسائل العاملة على البعد الأول والتي تسعى لتكسير الحاجز النفسي لدى الناس، نجد البرامج التلفزية، والمهرجانات، حيث حينما يقع بث إنتاج تلفزي يشاهده كل أفراد العائلة مثلا، نرى من خلاله إحداهن تقوم بعملية الخيانة الزوجية، أو كيف تلتقي مع خليلها في إحدى الأماكن، ثم يقع تصويرها كالضحية المسكينة لأنها اضطرت لذلك، وربما وقع التركيز على ابنها السفاح لاستدرار عطف المشاهدين والتركيز عموما على الجوانب المغيبة لواجب النظر بمبدئية للأمر، وفي المقابل الكل يتفرج من دون قدرة على إبداء أي اعتراض، فإن مثل هذه الممارسة تنتهي بإيجاد واقع تطبيع مع الفساد والانحرافات مفروض على الناس، بمعنى يقع فرض واقع تحول تلك الممارسات لطبيعية بفعل تكرارها، وينتهي الحال بالمشاهد لان تتهدم في نفسه رويدا رويدا الاعتراضات التي كان يحملها ضد العاهرة أو ضد السكير أو ضد المرتشي أو ضد العاق لوالديه...
- والأخطر في مآلات عمليات التطبيع الثقافي مع المحتويات المنحطة التي تفرض بتونس، هو جعل تلك الممارسات نماذج للشباب، بما أنه لم ولن يقع إنكارها، بل وقع تبني ضمني لها والتشجيع عليها من خلال عرضها في وسيلة إعلام جماهيرية، والتعامل مع مقدميها من الممثلين على أنهم "أبطال" و"نجوم" وقدوات للشباب.
- ومن الوسائل العاملة في البعد الثاني القاضي بتغيير المفاهيم، نجد المجهود الدعائي الكبير القائم على القول بوجود إسلام آخر يقع تطبيقه بتونس غير الإسلام المطبق بالبلدان الأخرى، وهو إسلام مبني على قيم "التسامح والاعتدال"، وهو قول يوحي ضمنيا وان لم يصرح بذلك، بجواز التسامح في ارتكاب المنكرات، ويقع تأكيد تلك التلميحات من خلال إسراف برامج الدعاية الدينية كإذاعة الزيتونة وبعض خطب الجمعة، في ذكر قصص من تسامح الصحابة والتابعين مع السكيرين والعصاة مثلا، ولكنها قصص تجتث من سياقاتها وهي لا تصلح لأن تكون أدلة، ولكن أصحاب الأعمال الدعائية يعولون لتمرير برامجهم على جهل عامة الناس بما يقولون. وتقوم مهمة الأعمال الدعائية هذه على تغيير المفاهيم بحيث تحرف عن أصولها، وتزيلها كموانع من طريق الالتحاق بواقع الانغماس في المنكرات، ويركز إعلاميا في تونس على تحريف مفهومي التسامح والاعتدال، بحث يقع من خلال المفاهيم المحرفة، التشريع الضمني ولكن ليس المباشر للانحرافات.
- على أن موضوع "الإسلام التونسي" في ذاته لا معنى له، و واضح كونه مجرد مصطلح دعائي يراد منه تسويق نمط من الانحرافات التي برع فيها مجموعة من المنافقين في تونس، حتى صيروها مذهبا ينظّر له مدرسون بجامعة الزيتونة ويتحدث به منافقو العلمانية بتونس من خلال وسائل الإعلام العمومية والخاصة على السواء، وبالتالي لا يجب أن يتناول هذا المصطلح ("الإسلام التونسي") إلا للدلالة على نجاح أسلوب دعائي مرتكز على توظيف الإسلام في تونس. كما إن مفرداته التي يقع تسويقها كالقول ب"القيم المبنية على التسامح والاعتدال"، هي أيضا مما يقود لنتائج مهلكة لا ادري أن انتبه لها البعض ممن يردد بحسن نية لمثل هذه الألفاظ، ولذلك فإننا لا نفهم هذه المصطلحات إلا على أنها أقوال أقرب للغو، هذا إذا افترضنا حسن النية بالقائلين بها.
- من ذلك، أن القول بإسلام مبني على قيم التسامح والاعتدال، يعني ضمنيا وجود إسلام غير متسامح وغير مبني على الاعتدال، وهذا محال في حق الإسلام، كما إن القول بذلك يعني بوجود العديد من النسخ من الإسلام، وان كان البعض يحاجج بالقول بأنه يقصد بذلك الممارسة وليس الدين في ذاته، والرد هو أن الناس حين تسعى للالتزام تتخذ الدين الأصلي كمثل، وعليه فمثل هذا الكلام محال المعنى، لأن القول بإسلام متسامح يعني وجود إسلام أصلي مبني على قيم التسامح من دون القيم الأخرى وهو ما ليس بصحيح ولا يجوز في الإسلام، وإن كان ربما يجوز في المسيحية والبوذية.
- والقول بإسلام متسامح من دون القيم الأخرى، يعنى ذلك أن أحدهم ينتقي من الإسلام ما يحلو له، وواضح أن القائل بإسلام "حسب الطلب" يأخذ منه قيم التسامح من دون قيم التشدد والغلظة مثلا، هو طرف يرفض الأخذ بالإسلام كله، فهو يعمل على تجزئته، إذن فهو يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعضه، كما فعل المرتدون زمن أبي بكر الصديق حين رفضوا أداء الزكاة، أو كحال العلمانية التي ترفض الأخذ بالإسلام شاملا، حيث تنتقي منه القيم التي تجعل الإسلام كالمسيحية (ليس صدفة ترديد مصطلح التسامح من قبل العلمانيين بتونس، فهو نفس المصطلح الذي يردده المسيحيون في عمليات الدعوة لدينهم).
- وإنما الإسلام كما هو معروف، دين شامل، فهو دين يؤمر بالتسامح كما يؤمر في نفس الوقت بالشدة والغلظة، ويوضح أطراف التسامح بأنها مع أخيك المسلم ويندب التسامح مع الكفار في حالات نادرة بشروطها، وأما الشدة والغلظة فهي واجبة مع الكفار ومع أهل المعاصي بشروطها. كما حذرنا الإسلام من أن تأخذنا في عقاب أهل المعاصي رأفة بهم في دين الله، وقد ألزم المسلم بالكره في الله والحب في الله، الكره لأهل الباطل عموما والحب لأهل الصلاح والتقوى عموما.
ألا توجد مراقبة لما يمرر بالإعلام التونسي؟
- يلاحظ حالة من الموات لدى التونسيين تجاه ما يستهدفون به، ويمكن تقسيم الأطراف نسبة لعمليات الإلحاق الثقافي بتونس و التي تمضي بشدة، لطرفين رئيسيين، هناك أطراف سلمت بالواقع وأصبحت ترى انه لا مناص من عيشه والانخراط فيه وأن لا سبيل لدفعه، فهي لا ترى داعيا لنقده في أصوله، وأطراف أخرى ترى أن الموضوع لا يستحق التناول أصلا، ويتعلق الأمر هنا بأطراف علمانية الهوى، وهي نفسها التي تعمل عمل المروج لهذه الإنتاجات الهابطة، وإذا تناولت تلك الأطراف هذه الإنتاجات، فمن منطلق النقد الفني كما يزعمون، مما يعني موافقة ضمنية على وجود تلك الاسفافات.
- إذا نظرنا لأمر الإنتاجات مثار الجدل والتي تتعلق بتناول الظواهر الاجتماعية كالخيانة الزوجية أو المخدرات أو الشذوذ الجنسي وتقديمها بالقنوات التلفزية التونسية، فإن عرضها يجب أن يكون موضع مراقبة كبيرة من طرف سلطات إشراف كفؤة، لها الأهلية والمصداقية، إذ لا يعقل أن تصبح وسائل الإعلام التونسية العمومية التي يمولها التونسي من أمواله، حربا عليه وعلى قيمه، لا يعقل أن تصبح التلفزة التونسية نهبا لمجموعة من المشبوهين الذين لا يتورعون عن عرض أي شيء بدعوى الحرية الفنية.
- إذا كان البعض يرى أن عرض مثل هذا الإسفاف على التونسيين يدخل في باب الفن، فالرد يكون ومن قال أن التونسيين يوافقون على هذا الرأي، من قال أن التونسيين قابلون بان يقع إخضاعهم قهرا لتلقي دروس تفرض عليهم تقبل الانحرافات الاجتماعية بدعوى أن ذلك من الفن، ثم السؤال المطروح، ألا يوجد في تونس غير هؤلاء الذين يقدمون الإسفاف والانحطاط ويدافعون عنه، ألا يوجد ممن بجعبته فنا نظيفا؟
- ثم من حق التونسي أن يتساءل: أليس هناك مراقبة لما يعرض بالتلفزة التونسية؟ إذا كانت هذه الأعمال سمح بها قصدا، فهل يعني ذلك تبني سلطات الإشراف للأعمال التي تروج للانحرافات داخل المجتمع؟ وان كانت مثل هذه الأعمال تمت من دون مراقبة، أليس معنى ذلك أن هناك تهاونا كبيرا من طرف المشرفين على أمر الإعلام لدينا، مما يسوغ محاسبتهم واستبدالهم، لأنهم يقومون حقيقة بتشويه صورة تونس من خلال تأكيد الصورة النمطية التي طالما لصقت ببلادنا من أنها بلاد المنكرات وموطن التغريب؟ لماذا لا يقع أصلا تحرير الإعلام التونسي من قبضة زمرة خاطفة له، ما فتئت تعمل على تمرير انتاجات ما انفكت تشوه صورة بلادنا، لا يحركها في ذلك إلا أهوائها ومصالحها الإيديولوجية الضيقة؟
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: