"حراس الفضيلة": تكوين هيئة للنهي عن المنكر والأمر بالمعروف باليمن
عصام زيدان
المشاهدات: 7674
كثيرًا ما نتناول في قضايا النصرة الاضطهاد الذي تعاني منه الأقليات المسلمة في الدول الغربية وغيرها من الدول, وننسى في خضم الأحداث المتلاحقة نصرة الشريعة وحاجتها إلى جنود يدافعون عنها ويحرسون سياجها ومبادئها الطاهرة.
وعجبًا حينما نرى أن القوانين الأرضية التي تمخضت عنها عقول البشر, وبرغم ما بها من قصور وتشوهات, هناك من يحمي حدودها ويفرضها على الناس فرضًا, ولا نسمع حينها من يتباكى على الحرية أو يخشى عليها من المصير المظلم!
فالعلمانيون ومن على دربهم لا ينبس أحدهم ببنت شفة أمام فرض القوانين الأرضية, بالقوة الجبرية, بل ويعتبرونها علامة رقي حضاري, واجبة الالتزام, ومخالفتها سلوك غير حضاري يعكس قيم المجتمعات السفلية الغارقة في بحار الجهل والتخلف.
ولكن إذا ما تطرق الأمر إلى حراس يحرسون مبادئ العقيدة والشريعة, ويحفظون على المجتمع قيمه ومبادئه الأخلاقية من الانهيار والتيارات الإباحية الوافدة تعالت الصرخات من أبواق العلمانية, ورموا هذه الخطوة الحميدة, وهؤلاء الحراس عن قوس واحدة.
هذا هو خلاصة المشهد الذي صاحب إعلان هيئة حراس الفضيلة; في اليمن والتي تحذو حذو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السعودية في حماية قيم المجتمع ومساعدة السلطات القائمة على ضبط الأوضاع المجتمعية كي لا تنزلق بعيدًا عن مبادئ الشريعة الغراء.
فأي المبادئ أحق بالحفظ والحراسة والدعم والنصرة؛ مبادئ شريعتنا الإسلامية المنزلة من رب الأرباب العالم بما خلق، الحكيم في أمره، الخبير في شريعته، أم هذه القوانين المصطنعة التي ما زادت الأمة إلا خبالاً ووهنًا على وهن؟
لاشك أن نصرة الشريعة ورجالها أحق بذلك، فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مهد رسالته يطلب النصرة لشخصه الكريم ليبلغ رسالة ربه، ويطلب كذلك نصرة الشريعة الطيبة المباركة حتى تصل إلى الناس أجمعين واضحة فيحيا مَنْ حَيَّ عن بيِّنةٍ ويهلك مَنْ هلك عن بيِّنةٍ.
ففي الحديث الذي رواه جابر بن عبد الله, وحسن إسناده ابن حجر في الفتح, قال: "مكث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين يتبع الناس في منازلهم في المواسم بمنى وغيرها يقول: "من يؤويني؟ من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة؟" حتى بعثنا الله له من يثرب فصدقناه". فذكر الحديث حتى قال: "فرحل إليه منا سبعون رجلاً، فوعدناه بيعة العقبة، فقلنا: علام نبايعك؟ فقال:"على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم يثرب، فتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم، ولكم الجنة".
هكذا وجدت الشريعة وهي في طور تكوينها الأول من يقف سدًّا منيعًا قويًّا أمام رغبات أساطين الكفر والجهل في قريش وغيرها, في استئصال الشريعة ووأدها, والتخلص من الداعية الأول والنبي المرسل محمد، صلى الله عليه وسلم.
وظل الأمر هكذا في القرون الأولى الفاضلة, تقف الأمة كلها في وجه من يحاول أن يخرق السفينة, أو ينال منها, فبقيت حصون الشريعة قويةً قاهرةً لأعدائها بقوة حرَّاسها الذين كانوا على استعداد للتضحية بالنفس والمال والأهل والولد ولا تمس شريعتهم بسوء, تحت مظلة النظام الفريد المسمى بالحسبة, والذي تفردت به الشريعة الإسلامية دون غيرها.
يقول ابن تيمية في الفتاوى: "جماع الدين وجميع الولايات هو أمر ونهي؛ فالأمر الذي بعث الله به رسوله هو الأمر بالمعروف والنهي الذي بعثه به هو النهي عن المنكر وهذا نعت النبي والمؤمنين؛ كما قال تعالي: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}[التوبة:71]، وهذا واجب على كل مسلم قادر وهو فرض على الكفاية ويصير فرض عين على القادر الذي لم يقم به غيره, والقدرة هو السلطان والولاية فذوو السلطان أقدر من غيرهم؛ وعليهم من الوجوب ما ليس على غيرهم؛ فإن مناط الوجوب هو القدرة؛ فيجب على كل إنسان بحسب قدرته قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]".
ويقول ابن خلدون: "الحسبة وظيفة دينية, من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو فرض على القائم بأمور المسلمين أن يعين لذلك من يراه أهلاً له".
ويقول الفقيه المشهور بابن الأخوة: الحسبة من قواعد الأمور الدينية, وقد كان أئمة الصدر الأول يباشرونها بأنفسهم لعموم صلاحها, وجزيل ثوابها, وهي أمر بمعروف إذا ظهر تركه, ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله, وإصلاح بين الناس.
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتجاوز صلاح الذات إلى إصلاح العباد والحياة, وحفظ حدود الله برد العادين والمضيعين، وصيانتها من التهجم والانتهاك, وبهذا استحقت هذه الأمة الخيرية على غيرها من الأمم, كما يقول الحق جل وعلا: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}[آل عمران:110], وبترك هذه الحراسة للشريعة كان الوبال والسخط على بني إسرائيل قال عز وجل: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}[المائدة:78, 79].
فشريعتنا في حاجة إلى حراس فضيلة في كل صقع وقطر وبلد, استجابة لأمر الله - عز وجل - الذي استنفر فريقًا من الأمة ليتفقهوا في الدين وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم, قال تعالي: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:122].
وهذه النصرة لمبادئ الشريعة وحراستها, إنما فرضتها الحاجة إلى مجتمع يطرد عن نفسه الخبث والفساد والفسق, ذلك أن الفساد المستشري, المسكوت عنه, وانتهاك أسس الشريعة وتقويض أحكامها مؤذن بهلاك المجتمعات وذهاب قوتها وهيبتها بين الأمم, كما أخبر بذلك سبحانه في قوله: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا}[الإسراء:16], وفي صحيح البخاري من حديث زينب بنت جحش أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها فزعا وهو يقول: "لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب؛ فُتِحَ اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه" وحلق بأصبعه الإبهام والتي تليها، قالت زينب فقلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم إذا كثر الخبث".
فما الذي يضير البعض من هيئة جعلت من وظيفتها المحافظة على قيم المجتمع الدينية والأخلاقية, ومساعدة السلطات القائمة, حفظًا لهذا المجتمع من أن تتهاوى أركانه ويذهب كغيره من المجتمعات التي علا فيه الفساد وطم؟.
هل لأنهم يمقتون رؤية الفضيلة, ويحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا؟ أم لأنهم يبغضون الشريعة ومبادئها ويخشون من رفع رايتها؟ أم لأنهم مرتجفون خائفون على مبادئ مذاهبهم العلمانية الوضيعة من أن تنكشف عورتها وتظهر سؤتها؟ هو كل ذلك قد اجتمع في بضعة نفر, ملئت قلوبهم حنقًا وغيظًا على الشريعة الربانية أن يعود الناس إليها, وأن يوجد من ينذر نفسه للدفاع عنها وحراستها.
وفي الأخير نقول: إن هذه الهيئة اليمنية, وشقيقتها السعودية تحتاج إلى منابرنا وأقلامنا ننتصر لها من الأقلام المأجورة والقلوب الحاقدة, ونقف معها في درب نصرة الشريعة الغراء, رافعين صوتًا عاليًا بأننا نحتاج إلى حراس للفضيلة والقيم والأخلاق الفاضلة في كل دار من ديارنا.
-------------
وقع التصرف في العنوان الأصلي للمقال
مشرف الموقع
06-08-2008
shareah.com
Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /htdocs/public/www/actualites-news-web-2-0.php on line 793
|