التعري بتونس: مؤشرات خطيرة على تفكك المجتمع التونسي
فوزي مسعود
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 16432
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
تعرض المجتمع التونسي منذ ما يزيد نصف قرن إلى عمليات استهداف عملت على اقتلاعه من جذوره لغرض تمرير مجموعة من السياسات والبرامج الفكرية والمجتمعية المستمدة من رؤى غربية مشبوهة، وتولى كبَر هذه الأعمال القذرة مجموعة من الشخصيات التونسية المنبتة عن أصولها، والتي ساهمت ظروف عديدة في تبوؤها منصة القرار.
وبفعل عوامل تاريخية ، تيسر لهذه الأطراف العلمانية الماسكة بزمام الأمور بتونس، تمرير رؤاها التغريبة، بتعريض المجتمع التونسي لمجموعة من عمليات السلخ الثقافي، عملت طيلة نصف قرن على اقتلاع التونسي من خلفيته الإسلامية العربية، وإبدالها بأخرى تتخذ من الغرب نموذجا أعلى، عن طريق الإخضاع لسلسلة من عمليات غسيل المخ الرهيبة ساهمت فيها وسائل الإعلام وبرامج التعليم، بل وحتى الأطراف الخاصة التي وقع توالدها ذاتيا في فترات لاحقة بالمجتمع التونسي وأصبحت تدافع عن الواقع العفن، من حيث إنها تدافع عن مصالحها المرتبطة به، وهي في مجملها أطراف علمانية متطرفة.
والآن وبعد نصف قرن من التدمير المنهجي الذي تعرض له المجتمع التونسي، أصبح الواقع لدينا استثنائيا جدا في ملامحه، بحيث اتسم ببعض المؤشرات التي تدلل على مراحل متقدمة من التهالك، وسنتناول فقط عينة من مظاهر تآكل المجتمع التونسي وهي ظاهرة التعري:
- أولا ربما لا يصح إطلاق كلمة ظاهرة على مسالة التعري بتونس، لان لفظ ظاهرة يؤشر ببعض المعاني على شيء مستجد ويلقى نوعا من الرفض من المحيط، والحال أن التعري بتونس، ليس مستجدا وإنما يقع إنتاجه محليا عن طريق الأدوات التثقيفية العمومية والخاصة، كما انه لا يلقى رفضا إلا في بعض حالاته الاستثنائية.
- من ضمن خصوصيا المجتمع التونسي المريض، هو اعتباره التعري معطى طبيعيا لا حرج فيه، بمعنى انه يقع قبول منتجي ومروجي عناصر هذا الوباء الاجتماعي على أنهم عناصر طبيعية مثلهم كأي عنصر آخر، فالممثل والمغنية والصحفي الذي ينشر الصور المتعرية ويقدم برامج التعري، ينظر لهم بعين التقدير، ومنظمي الحفلات التي تقوم بتسويق التعري بتونس من خلال عدد رهيب من المهرجانات الصيفية يقدمون إعلاميا على أنهم يخدمون تونس ويرفعون من صورتها، والمشاركون في مسابقات السفه والتعري (مسابقات الجمال، مسابقات الغناء) ، يقدمون على أنهم قدوات للشباب، ويسوقون على أنهم أمثلة يرفع من شانها، والعاملة / الموظفة المتبرجة (التبرج هو تعري في آخر المطاف) تعامل باحترام وببشاشة عوض الاحتقار والإعراض، والمعلقات الإشهارية التي تمجد التعري وتقدم مناظر التعري والمتعرين على أنهم قدوات، تملأ ميادين تونس وجنباتها، من دون أي اعتراض من احد ولا من اي منظمة حكومية او اهلية...
- في حين ينظر في كل المجتمعات السوية للانحرافات على أنها كذلك، وأنها ممارسات منبوذة، فان المجتمع التونسي لعله المجتمع الوحيد الذي ينظر فيه لبعض الانحرافات والتجاوزات بعين الرضي، بل وبعين التقدير، بمعنى أن الممارسات المنكرة شرعيا وعرفا، تصبح هنا بتونس دليلا على التميز الاجتماعي، وعاملا للقبول: فالتعري يعتمد كمقياس واجب للترقي الاجتماعي والفاعلية الاقتصادية من حيث ان نقيضه وهو العفاف والتحجب الإسلامي ممنوع، وبالتالي فضمنيا يقع القول للناس انه يجب الكف عن الالتزام بالمبادئ والعفاف، وانه مطلوب بدل ذلك تسويق الجسد كعامل قبول في الدورة الاقتصادية.
- الفرق بين المجتمع التونسي وغيره من المجتمعات الإسلامية، هو أن هذه الأخيرة تنتج الظواهر السلبية وتنتج كذلك نقيضها الذي يسمح له بتعديل الكفة من خلال عمليات نقد تلك الظواهر والتنبيه على خطورتها، أما تونس، فان ظواهر التعري، يكاد يوجد إجماع على أنها أمر طبيعي، وذلك من خلال نجاح وسائل غسيل المخ في سحق الاطراف المخالفة فكريا لهذا التمشي وتدجين البعض الآخر، ثم من خلال تونسة الفساد وتوطينه.
- عملت تونس على توْنَسة التعري وتوطينه، من خلال القول ان التعري يمتلك جذورا تونسية، والعمل بالتوازي مع ذلك على ايجاد تبريرات شرعية لقبول من يقوم بذلك تحت مسميات التسامح والوسطية التي نادى بها الاسلام كما يزعمون، عن طريق شرذمة من علماء متاجرين بالدين، عملوا على التنقيب في النصوص الشرعية، واظهارها بشكل يبرر التعري وينكر الحجاب الشرعي، ويبرر سلوكيات الانحراف الاجتماعي، وتتولى وسائل الاعلام الدينية التونسية امر هذه المهمة بجدارة (خطب الجمعة، البرامج الدينية بالاذاعات المحلية التونسية، اذاعة الزيتونة).
- وكان من اثر توطين التعري بتونس وتسويقه على انه امر طبيعي، انه يمكنك أن تجد في شوارع تونس احدهم يمشي صحبة زوجته او ابنته وهي متبرجة تكاد ملامح بدنها تخرج من ملابسها، ولو كلمت هذا "الرجل" لأعطاك درسا في الأخلاق والدين ولزعم أنه ذو شرف، كما انه من الطبيعي ان ترى احدهم خارجا من مسجد حيث كان يصلي وعلامات السجود بادية على جبهته، في حين ان ابنته او زوجته ذات الملابس المتبرجة تنتظره قريبا...
- لعل تونس الوحيدة التي تجرأت على تقديم ممارسات مجمع على مخالفتها للإسلام على أنها قراءة واجتهاد شرعي، وذلك من خلال عمليات "تأصيل" قام بها مجموعة من المتطرفين اليساريين الذين تمكنوا من السيطرة على المؤسسات الجامعية والعلمية التونسية ومنها جامعة الزيتونة، ومثل هذا التمشي يمثل خطرا كبيرا باعتباره يعكس تأصيلا للمخالفات الشرعية وإصرارا عليها، ويطلق على مجموع عمليات التحريف الإسلامي التي تقع بتونس، اسم قراءة تونسية للإسلام، او على انه "إسلام التونسي".
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:
أي رد لا يمثل إلا رأي قائله, ولا يلزم موقع بوابتي في شيئ
18-03-2011 / 03:30:24 فرحات موسى
رؤوس الأفعى المقررون بتونس
كان من المفروض كنس هؤلاء قبل كنس الحكومة السابقة للسبسي فهؤلاء من نبيل القروى الكاتب العام للحكومة إلى أمثاله لا يزالون يتمركزون فى أعلى مسؤوليات الوزار ة الأولى كالتومي و غيرهم و يتمددون عبر مسؤولين كبار نافد'ين بشتى الوزارات من كتاب عامين و رؤساء دواوين و مديرين عامين و مركزيين..ألخ..ناهيك عن ترابطهم بالرؤساء المديرين العامين و مساعديهم بالمؤسسات الحكومية و المنشأت العمومية ومرتبطون و تواصلا بالمديرين الجهويين و المحليين و من ضمنهم المتفرعين من كتاب عامين بالولايات و المعتمديات و البلديات خاصة فهي شبكات مترابطة مستمدة قوتها من الجوانب السياسية التجمعية و من الجوانب الإدارية التنفيد'ية كأداة فعالة مقررة بتوقيعاتها و أختامها و إمضاءاتها فى كافة دواليب الشأن العام للبلاد بينما الوزراء هم فى حقيقة الأمر شكليون سياساواتيون شرفيون مرجعهم من يقومون على هاته الأعمال فعليا بحيث أن فى كل موقع مسؤول كبير تجد المساعد له هو النافد' الفعلي و الغريب أن غالبهم لا يزالون مهيمنون بمناصبهم و كأنهم يستمدون تمركزهم من قوى عظمى أو أوامر السفارة فى العمارة و ما هو أغرب أن جلهم تمصلحوا بثروات و ممتلكات فاحشة و غالبية وثائق و مستندات الفساد لشبكات العائلة الحاكمة المخلوعة عليها توقيعات و أختام من هؤلاء المسؤولين النافد'ين و ليست توقيعات وزراء أو ولاة سابقين ضمن النظام المخلوع..فكان بالأحرى توجيه الإعتصامات و الحركيات الفاعلة الشريفة للثورة لتطهير هؤلاء الأقلام و الأختام الفسدة و الخونة لشرف المهنة المؤتمنة من مكاسب الشعب العام قبل التنظيرات السياسية و الزج نحو الإنتخابات المتسرعة فهنا يكمن بيت الداء و لمن يمسك فى الأعلى بهاته الخيوط العنكبوتية المتخفية و اللتى تنسج قرارات خبيثة لتنتج المزيد من الفوضى و المحسوبية و الرجعية و كأنها خادمة لمصالح أجنبية رهيبة و السلام
18-03-2011 / 02:49:41 khaled
كثر الحديث عن العلمانية هذه الأيام
:كثر الحديث عن العلمانية هذه الأيام...و بعد جمعي لمختلف الآراء وجدت أن:
ـ البعض يدعوا إلى دولة علمانية مطلقة إذا صحّ التعبير يتم الفصل فيها بين الدولة و الدين يعني أن للمواطن الحرية الكاملة لتطبيق دينه كمسلم أو مسيحي أولاديني أو ملحد ، أما القانون فيكون وضعي( أي ليس له أي مرجعية دينية ( مثال: المساوات في المياث بين الرجل والمرأة)
ـ البعض يدعوا إلى دولة إسلامية مطلقه يطبق فيها الدين بشكل مطلق و هذه الدولة لا وجود لها على وجه الأرض الآن.
ـ البعض يدعوا إلى دولة دينها الإسلام و لغتها العربية و القانون يكون
مستمد من الإسلام و يحمي و يساوي بين جميع المواطنين سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين أو لادينيين أو ملحدين.
بالنسبة للدولة العلمانية هي مطلب منطقي لغير المسلمين و هم أقلية في
تونس. و هو مطلب غير منطقي من المسلمين لتعارضه
مع أحد الركائز الأساسية و هي تطبيق أحكام الله و وضع القانون إستنادا على القرآن و السّنة.
بالنسبة للدولة الإسلامية المطلقه يصعب قيامها في الواقع العالمي الحالي و هذا يلزمه الوقت و العمل على المدى الطّويل
أما الطرح الثالث فهو الأقرب للحقيقة و هو يمثل الواقع التونسي قبل الثورة و نريد أن ندعمه و نطوره بعد الثورة. المحافضة على الهوية العربية الإسلامية لتونس بما أن أغلبية الشعب التونسي مسلم و عدم تهميش الإسلام كما حصل في عهد بورقيبة و بن علي
بما أن أغلبية الشعب التونسي مسلم و لخلتلاف في تساوي المواطنين سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين في الحقوق و الواجبات و أمام القانون و ضمان حرية المعتقد و ضمان حرية ممارسة الشعائر الدينية .
أنا كمسلم تونسي أتبني الطرح الثالث فإذا طلبت العلمانية أكون قد مسست بديني و إذا طلبت الدولة الإسلامية المطلقه فأنا أطلب المستحيل في المناخ العالمي الحالي.
أرجو ان يكون صمتنا ردّا لكي لا نعطي الموضوع أكثر مما يستحق.
لم يستطع لا بورقيبة و بن علي طمس هويتنا العربية والإسلامية فمن الذي له القدرة على ذلك أمام شعب ثائر لا يخاف في الله لومة لائم
24-06-2008 / 16:42:53 فوزي
هناك العديد من الجوانب الواجب تناولها قبل البحث في الحل
الأخ ابو محمد السلام عليكم،
مسالة التعري او غيرها من المسائل، لا يجب ان ينظر فيها للحل بعينه، وانما يحسن اكثر ان يبحث عن كيفية ايجاد الحلول، وذلك للتالي:
- الحل هو رأي في آخر المطاف، ونظر من زاوية محددة، والاكتفاء بحل معين هو نوع من الاكتفاء برأي واحد في مسالة بذاتها.
- حل قضية مطروحة هو ببعض المعاني موقف ورؤية طرف ما لمسألة معينة، وهما عاملان متغيران (المسألة وصاحب الحل)، وبما ان المسائل كثيرة وغير محددة، فوجب بالتالي أولوية البحث في كيفية ايجاد الحلول على البحث في الحل ذاته.
- الحل هو معالجة بعد الاتفاق على الرؤية التي تمثل الخلفية التي يحكم بها على المسائل موضوع المعالجة، والبحث في الاتفاق على تحديد الخلفية التي يلجا إليها كمرجعية حين النظر للقضايا الاجتماعية مثلا، اولى من البحث في ايجاد حل، لأن واقعنا بتونس، غير متفق فيه على المرجعية التي يحتكم لها في تناول المسائل، بقطع النظر على الادعاءات التي لا تمثل الحقيقة.
- لنفترض انه وقع الاتفاق على الخلفية الفكرية، ووقع ايجاد الحل لمسألة ما مطروحة، فهل يمكن تنزيل الحل داخل المجتمع، بالطبع ذلك غير ممكن في العديد من المسائل الحالية بتونس.
- اذن يجب البحث في مجموعة من المعطيات والعوائق، قبل البحث في حل مسالة بعينها.
24-06-2008 / 15:16:30 أبو محمد
نعم، شكرا،
كنت طرحت سؤالا بتدخلي الأخير، ما هو الحل حسب رأيك؟
24-06-2008 / 14:02:59 فوزي
اخ ابو محمد،
لا شك انه يوجد الكثير من الإمعات التونسيين الذين اتخذوا الغرب الكافر نموذجا، وهؤلاء تواجدوا في فترت سابقة قبل استقلال تونس، ويمكن ان نذكر منهم خير الدين التونسي الذي مافتئ العلمانيون التونسيون وبعض المتساقطين ممن يصنف على انه إسلامي، يتخذونه نموذجا لتأصيل انحرافاتهم الفكرية، كما إن طاهر الحداد يعد من أمثلة السوء أيضا.
ولكني أشرت لخطورة عمليات التغريب التي تمت بالخمسين سنة الفارطة أي منذ استقلال تونس، لكون أنه خلال فترة الاستعمار الفرنسي، كان هناك منادون بالتبعية للغرب، ولكنهم لم يكونوا يملكون القرار لتمرير أفكارهم وإجبار التونسيين عليها كما هو الآن، كما انهم كانوا يواجهون بمقاومة فكرية كبيرة من طرف مؤسسات جامعة الزيتونة ورجالاتها آنذاك، حينما كانت الزيتونة جامعة بحق، وقبل ان يقع القضاء عليها بعيد الاستقلال وإلحاقها وفروعها بالتعليم الرسمي، وتسريح رجالاتها وتهميش خريجيها.
24-06-2008 / 09:52:57 أبو محمد
هذا موضوع جيد
مقال ممتاز، يصف الواقع بجرأة و نزاهة و الواقع في الحقيقة أمر.
جذبتني فكرتان في المقال :
الأولى : "عملت تونس على توْنَسة التعري وتوطينه، من خلال القول ان التعري يمتلك جذورا تونسية، والعمل بالتوازي مع ذلك على ايجاد تبريرات شرعية لقبول من يقوم بذلك تحت مسميات التسامح والوسطية التي نادى بها الاسلام كما يزعمون، عن طريق شرذمة من علماء متاجرين بالدين، عملوا على التنقيب في النصوص الشرعية، واظهارها بشكل يبرر التعري وينكر الحجاب الشرعي، ويبرر سلوكيات الانحراف الاجتماعي،" ==> هؤلاء "العلماء"، (وأستطيع تسميتهم) أحتار في أمرهم، فمرة أقول، لم يفقهوا من الدين شيئا و أحيانا أقول هم يعرفون الحق و لكن يلبسونه بالباطل و أظن أن الوصف الثاني هو الذي ينطبق عليهم، هؤلاء هم فعلا دعاة جهنم.
الثانية : هو أن الوضع الذي وصلنا له اليوم نتاج عقود طويلة من ضرب للشريعة و تحليلها حسب أهواء البعض و عقود طويلة من التغريب و هو ليس نتاج خمسين عاما فقط بل منذ الطاهر الحداد و النزعة التمييعية للدين قائمة.
و السؤال هنا، كيف السبيل إلى التغيير؟
ملاحظة عامة : هذا موضوع جيد، أرجو الإلتفاف حوله و الإبتعاد عن الجدل العقيم.
18-03-2011 / 03:30:24 فرحات موسى