البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات
   رأي مأزق هنية

الحالة التونسية: الموظفون الصغار ليسوا نخبة حكم

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 157



الوضع السياسي في تونس يستعصي على القراءة والتحليل، ويوشك المرء أن يتهم عقله على أن يغامر في الإجابة عن أسئلة محددة، من قبيل أين اختفى ذلك الهياج الجبار الذي مارسه الشارع التونسي ضد حكومة الإسلاميين في أول الربيع العربي وعلى الرئيس المرزوقي المتحالف مع الإسلاميين؟ لماذا يصمت هذا الشارع الجبار وهو يشهد في كل حركة يقوم الرئيس الحالي تفتيت أركان الدولة وقيمها وتاريخها؟

لقد كانت الأرقام الاقتصادية لتلك الحكومة جيدة، وكانت ساحات الحرية مفتوحة حتى للمثليين ليعبّروا عن وجودهم. لقد طاب لكثيرين حينها الحديث عن الاستثناء التونسي (مقارنة بالعرب)، لكن أين انتهى الاستثناء التونسي؟ هل كان ذلك الشارع مكلف بمهمة وحيدة: إسقاط الإسلاميين والعودة إلى هدوء زمن بن علي؟ ألا يخامره السؤال التاريخي عن مستقبل تونس تحت حكم قيس سعيّد؟ خاصة أن الرجل قد أغلق كل المنافذ على كل منافسة قد تنتزع منه السلطة؟ سنغامر في بعض الإجابة ولا نعدُ بيقين.

الرئيس ينبّهنا إلى طبيعة النخبة التونسية
كل ما يقوم به الرئيس الحالي هو إهانة الشعب التونسي، ففي كل حركة من حركاته استهانة بالناس ومعيشتهم، لكنه يكشف استهانة بالنخبة التونسية خصوصًا. وإذا كان من عادة حكّام العرب القدامى والمحدثين الاستهانة بالجمهور الصامت (وهذا تراث يطول فيه الشرح)، فإن امتهان النخبة صار موضة الحكام المتأخرين.

مقابل الافتخار بالاستثناء التونسي (وتونس هنا مثال قابل للتعميم عربيًا)، ومقابل الافتخار بالجامعة وقدرتها على صناعة النخب المفكرة والتكنوقراط، ومقابل غرور وصل عنان السماء بمعرفة إدارة الدولة زمن الترويكا، نرى صمتًا وخنوعًا بل مسارعة إلى القفز بجوار الرئيس.

وقد كشف آخر تعديل وزاري (تعديل 25 أغسطس/ آب) أن بغية النخب هي السلطة ومنافعها القريبة من اليد، بقطع النظر عن الأثر الفعلي وعن الإنجاز وعن البصمة الشخصية أو المجد الفردي الذي كان الشخص يطلب السلطة لتحقيقه.

هل هذه نفس النخبة التي جعلت حكم الإسلاميين القصير مثالًا على الفشل، ولا تزال تطاردهم وهم في سجونهم كأنهم حجبوا الشمس عن تونس؟

لقد تبيّن أن الرئيس الحالي لا يحترم وزراءه ولا تعنيه مواقفهم أو ذواتهم، بل يعاملهم كموظفين صغار ملزمين فقط بالطاعة وتنفيذ أوامره العلية، بل كان خطاب القسم لهذه الحكومة إهانة بالغة لمن عُزلوا، وفيهم من لم يتجاوز فترة توزيره الشهرين (وزيرة التربية)، فقد اتهمهم بالخيانة وتعطيل عمل الدولة، ونظنه يتفضل عليهم بعدم محاكمتهم، ولا يبقي لهم إلا سلامة العودة إلى بيوتهم والانكفاء بصمت، فقد امّحى ذكر رئيسي حكومة عينهما بعد 25 يونيو/ حزيران.

فكيف يقبل وزير متعلم تعليمًا عاليًا وله تجربة قاضٍ أو خبير في مجاله، أن يتقدم لمنصب يعرف أنه لن يؤثر به في سياسة ولن ينجو من تلطيخ سمعته إذا لم ينفّذ الأوامر؟

هذه الهشاشة الأخلاقية تكشف ضعفًا في النخبة وفقدانًا تامًّا للشخصية القيادية، إذ يصير أقصى طموح الواحد منها المرسديس الرسمية، وكوبونات البنزين، وأيام قليلة من التمتع بنداء سيادة الوزير. وربما تتمتع بزوجته بمعينة منزلية وسائق لمدة محدودة، وربما تتبجح في حمّام النساء بكونها زوجة الوزير.

أهذا طموح النخبة؟ أهذا يكفي لنفهم تكوين النخب وبناء شخصياتها؟ نرى هذا مدخلًا لفهم سياسات الرئيس، فهو يعامل هذه النخب بامتهان لأنها فعلًا قابلة للاحتقار. ويسجَّل له فضل كشف هشاشتها وضعف شخصياتها، ونخلص إلى قاعدة تحليل دائمة مثل هذه النخب لا تبني الدول بل تهدم المبني منها.

مصير البلد في يد غبية
لا يحتاج المرء إلى ذكاء خاص ليكتشف أن تعديل الحكومة قبل أيام قليلة من موعد انتخابي مصيري، يعني نية بقاء دائم للرئيس، وما الموعد الانتخابي إلا شكلية إجرائية عابرة لن تغير الوضع ولن تغير الرئيس طبعًا. لقد أصبح التونسيون يوم 26 أغسطس/ آب بحكومة جديدة محدودة العمر بمزاج الرئيس وبرئيس دائم لن يتزحزح عن منصبه.

فتح هذا باب المقارنات الموجعة بين زمن بورقيبة وزمن قيس، بل بين زمن بن علي وزمن قيس. والتونسيون لهم مثل معبّر في الغرض، إذ يقولون: “ما أحسن زوج أمي الأول فقد كان يضربني ويسمح لي بالبكاء، أما هذا فيضربني ويأمرني بالخرس”.

نقول اللحظة لقد كان من حكمنا ديكتاتورًا لكنه كان يحافظ على شكل الدولة وهيبتها. وكان هناك في تونس وزراء من ذوي البصمات التاريخية الذين فرضوا لونهم على بورقيبة نفسه، وهو من هو في غروره وزعامته. من أين دخل هذا التردي؟ هنا سنجد مفاتيح التحليل وعسى أن نصيب.

الجامعات العربية وفي مقدمتها الجامعة التونسية موضوع فخر الدولة، لم تصنع نخبًا بل صنعت موظفين صغارًا أقصى طموحاتهم راتب عالٍ وامتيازات الوظيف، لذلك كان الرؤساء يجدون دومًا مدخرًا منهم للتوظيف والإهانة (أو وزراء ممسحة) بثقافة ضعيفة وشخصية أضعف.

إن رجلًا أو سيدة يضع أقسى طموحه سيارة إدارية لا يمكن تصنيفه في النخبة، لكن القياسات التقليدية جعلتنا نسلم بالتصنيف، إنما نحن إزاء موظفين لم تكبر عقولهم ليكون لهم أثر وذكر، وهو شأن النخبة كما تعلمناها من تاريخ النخب التي بنت دولًا مؤثرة.

نعود من هنا لنفهم التنمر على حكومة الترويكا الإسلامية. لقد تعاملت تلك الحكومة وذلك الرئيس (الاستثنائي) مع هذه النخب على أنها نخب فعلية، ففسحت لها مجال التعبير والحركة، فظنَّ هؤلاء الموظفون أن بالحكومة ضعفًا ويدً مرتعشة، فأسقطوها بتهييج الشارع من وراء الشاشات وبواسطة إعلاميين مصطنعين.

لم يكن ضعفًا بل كان إيمانًا بالديمقراطية التي يحترم فيها الحاكم النخب ويستمع إليها، لكنه احترام مبني على مثاليات تجهل طبيعة هؤلاء. ولن نكتب ما يسوّئ المرحلة، فقد كانت مرحلة نقية. ألم تكن نخبة الترويكا من الجامعة التونسية؟ بلى، لكنها تربت في المعارضة ولم تتشوه بأعطيات السلطة، ولم تعش الخزي الإداري الذي مرت به نخب بن علي (وهو الخزان الذي يأخذ منه الرئيس الحالي وزراءه).

نكتب عن الضوء في آخر النفق لنختم بألم وأمل. نحن نشهد نهاية دولة بورقيبة، فما يفعله الرئيس الحالي (الباقي بالقوة) هو الإجهاز على دولة أفلحت رغم الديكتاتورية في الحفاظ على حد أدنى من الاحترام للمؤسسات، فأقلّها أن الوزير وإن لم يكن ذا بصمة وأثر كان يسخن كرسيه ولا يُرمى في الطريق مثل ممسحة.

لقد كان ذلك من هيبة الدولة، وتحطيم هذه الهيبة الآن وغدًا لا يمس الأشخاص الممسحة بل يهم الدولة نفسها، بما يؤهّل الوضع لتغيير جذري بنخبة جديدة لم تتلوّث بالطموحات الصغيرة. إن تونس وبشيء من بشارات رومانسية روائية (ربما) تعيش آخر أيام دولة بورقيبة، وقد قُيّض لها من داخلها من يفنيها ليمهّد الأرض لمستقبل آخر، بلا أثر الزعيم الذي قال يومًا إن شعبه غبار من البشر. هنيئًا لجيل لن يصلي لبورقيبة. سندلّ عليه أولادنا بعد التجربة.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، إنقلاب قيس سعيد، فرنسا، إنتخابات،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 28-08-2024   المصدر: نون بوست

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
نادية سعد، د - محمد بنيعيش، عبد الله الفقير، محمد عمر غرس الله، محمد يحي، سيد السباعي، فهمي شراب، يحيي البوليني، د - المنجي الكعبي، بيلسان قيصر، أحمد ملحم، وائل بنجدو، د - محمد بن موسى الشريف ، د. طارق عبد الحليم، د. أحمد بشير، د - صالح المازقي، تونسي، د - شاكر الحوكي ، أبو سمية، منجي باكير، يزيد بن الحسين، عبد الغني مزوز، سلوى المغربي، رمضان حينوني، مصطفى منيغ، رحاب اسعد بيوض التميمي، صباح الموسوي ، مراد قميزة، عواطف منصور، فتحـي قاره بيبـان، ماهر عدنان قنديل، جاسم الرصيف، سلام الشماع، حميدة الطيلوش، صالح النعامي ، إيمى الأشقر، د - الضاوي خوالدية، د - مصطفى فهمي، أحمد بوادي، خالد الجاف ، رضا الدبّابي، كريم فارق، صفاء العربي، خبَّاب بن مروان الحمد، محمد العيادي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، سعود السبعاني، محرر "بوابتي"، حاتم الصولي، فتحي العابد، عبد الرزاق قيراط ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، محمد علي العقربي، إياد محمود حسين ، سامح لطف الله، ياسين أحمد، د. كاظم عبد الحسين عباس ، أ.د. مصطفى رجب، رافد العزاوي، عمر غازي، محمد اسعد بيوض التميمي، محمد الطرابلسي، سليمان أحمد أبو ستة، المولدي الفرجاني، عزيز العرباوي، د- محمود علي عريقات، د.محمد فتحي عبد العال، د- هاني ابوالفتوح، د. صلاح عودة الله ، كريم السليتي، حسن عثمان، رافع القارصي، سفيان عبد الكافي، العادل السمعلي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، محمد أحمد عزوز، عمار غيلوفي، علي عبد العال، ضحى عبد الرحمن، د. أحمد محمد سليمان، محمود سلطان، عبد الله زيدان، محمود فاروق سيد شعبان، د. خالد الطراولي ، د - عادل رضا، حسن الطرابلسي، د. مصطفى يوسف اللداوي، عبد العزيز كحيل، د. عبد الآله المالكي، فتحي الزغل، إسراء أبو رمان، الناصر الرقيق، أشرف إبراهيم حجاج، محمد شمام ، مجدى داود، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، أنس الشابي، رشيد السيد أحمد، مصطفي زهران، طلال قسومي، أحمد الحباسي، د- محمد رحال، د. عادل محمد عايش الأسطل، صفاء العراقي، صلاح المختار، أحمد النعيمي، صلاح الحريري، فوزي مسعود ، سامر أبو رمان ، الهيثم زعفان، حسني إبراهيم عبد العظيم، محمد الياسين، محمود طرشوبي، علي الكاش، عراق المطيري، د- جابر قميحة، الهادي المثلوثي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة