يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
رغم أنها لم تكن المرة الأولى التي يخرج فيها بابا الفاتيكان بينديكت السادس عشر على العالم بتصريحات مثيرة ، إلا أن كلمته التي ألقاها أمام الجميعة العامة للأمم المتحدة في 19 إبريل 2008 كانت الأخطر من نوعها لأنها تحمل بين ثناياها دعوة صريحة للحرب وهى فرصة لن يفوتها بوش والمحافظون الجدد بأي حال من الأحوال لضرب سوريا وإيران.
فالبابا أعطى الضوء الأخضر لشن مثل تلك الحرب بتبريره مهاجمة من تطلق عليهم واشنطن مصطلح " الدول المارقة "، وذلك عندما حمل دولا لم يسمها مسئولية انتهاكات حقوق الإنسان ضد شعوبها ، وحذر من أن المجتمع الدولي سيضطر إلى التدخل لحمايتها ، قائلا :" إن من واجب كل دولة أن تحمي شعبها من الانتهاكات الخطيرة والمتكررة لحقوق الإنسان وإذا كانت الدول غير قادرة على توفير مثل تلك الحماية ، فمن واجب المجتمع الدولي أن يتدخل بالوسائل القانونية التي نصت عليها شرعية الأمم المتحدة وبأدوات دولية أخرى".
وفي نبرة لاتخلو من تأييد صريح للتدخل العسكري وللحرب الاستباقية ، تابع قائلا :" لا يجوز اعتبار التدخل قهرا غير مبرر أو مساسا بالسيادة ما دام يحترم المبادئ التي يقوم عليها النظام الدولي" .
التصريحات السابقة الظاهر منها أنها تستهدف كوريا الشمالية وإيران وسوريا وهى الدول " المارقة" بحسب التسمية الأمريكية ، إلا أنه نظرا لأن بيونج أعلنت تخليها عن برنامجها النووي ، فإن هناك ما يشبه الإجماع بين المراقبين على أنها تستهدف بالأساس سوريا وإيران وهذا لعدة أسباب منها أنها صدرت عن البابا وهو في زيارة للولايات المتحدة كما صدرت بعد لقائه بالرئيس الأمريكي جورج بوش وجاءت أيضا متزامنة مع التقارير المتزايدة حول توجيه ضربة عسكرية لإيران قبل نهاية ولاية بوش بالإضافة للمناورات العسكرية الضخمة التي أجرتها إسرائيل في بداية شهر إبريل وتردد أنها بروفة على ضرب سوريا وحزب الله وإيران.
وبجانب ما سبق ، فإن تصريحات البابا حول الحروب الاستباقية أو الوقائية أعادت للأذهان إساءته للإسلام في 2006 ، والتي ارتبطت أيضا بتصريحات بوش حول الحرب الصليبية ووصف الإسلام بالفاشية بالإضافة إلى قيامه بغزو أفغانستان والعراق ، ما يشير إلى أن هناك تحالفا وثيقا بين أطروحات بابا الفاتيكان واليمين المتصهين في الولايات المتحدة وعلى رأسه بوش وتشيني.
ففي محاضرة كان قد ألقاها بجامعة ريجنزبورج بألمانيا في 12 سبتمبر 2006 ، شن البابا هجوما على جوهر العقيدة الإسلامية في صورة الجهاد والاستشهاد وادعى أن العنف ونشر الدعوة بحد السيف يكمن في بنية وأسس العقيدة الإسلامي وهو ما يعني ضرورة مواجهة هذا الدين وأصحابه بشكل جذرى ، فطالما أن "العنف والإرهاب" هما جوهر العقيدة فسيظل يفرز إرهاب بشكل دائم حتي وإن تمت مواجهة هذه "العملية الإرهابية" أو تلك هنا أو هناك وبالتالي فهو يضع أمام الشعب المسيحي فى العالم أجمع مبررات شن الحرب ضد العالم العربي والإسلامي ولذا فهم كثيرون تصريحاته الأخيرة على أنها تبرير للحرب القادمة التي سيقودها بوش لتحقيق مشروعه في الشرق الأوسط الذي هو ليس سوى الخطوة الأولي في سبيل تحقيق المشروع الأكبر " مشروع القرن الأمريكي الجديد" للانفراد بالسيطرة على العالم ، فالسيطرة علي إيران والعرب وخزانات بترولهم ستجعله يتحكم في مصير العالم بعد سيطرته علي مصدر الطاقة الأساسي.
تاريخ من الهدايا البابوية لبوش
الحقيقة المفزعة السابقة عبرت عنها بوضوح جريدة "نهضة مصر" في أحد تقاريرها ، قائلة :" قدم البابا لبوش في خطبته المبررات الدينية التي تعطي لخطة الهجوم العسكري على منطقة الشرق الأوسط شرعيتها أمام المسيحيين في جميع أنحاء العالم ، فبالنظر لأن البسطاء من الناس في كل الإديان لايريدون الحرب ، فلابد من تقديم أسباب مقنعة تبرر لهم خوض هذه الحرب القادمة والأسباب غاية في البساطة وقدمها بينديكت في 2006 بقوله إن العقيدة الإسلامية تتضمن في بنيتها دعوة صريحة للقتل والعنف وليس لها منطق عقلي مثل المسيحية فالمسيحيون عرفوا الله بالعقل أما المسلمون فالله عندهم مطلق السمو ليس له علاقة بمقولات المسيحية العقلية، بينما رأى في اليهودية ديانة يقوم منطقها علي العقل أيضاً مثل المسيحية وهكذا حاول البابا بخبث شديد وبشكل غير مباشر أن يقدم للمسيحيين علي مستوي العالم سبباً مقنعاً يبرر لهم الحرب التي يقودها بوش في الشرق الأوسط وهو أول من يدق طبولها كما دقت خطبة البابا أوربان الثاني طبول الحملة الصليبية الأولي عام 1096 ".
ولاننسى أيضا في هذا الصدد المساعدة الجليلة التى قدمها بابا الفاتيكان لـ"بوش" في انتخابات الرئاسة 2004 فقد كتب وهو لايزال كردينالا ، حيث لم يكن وقتها قد اعتلى كرسي البابوية ، خطاباً إلى أساقفة الكنائس الأمريكية يقول فيه إن هؤلاء الكاثوليك الذين وافقوا على الإجهاض قد ارتكبوا إثما عظيما ويجب أن يطردوا من الكنيسة كما طالب بوجوب إعطاء أوامر إلى القساوسة الكاثوليك برفض التعامل مع أي سياسي كاثوليكي يدعو في حملته الانتخابية أو يصوت مع الإجهاض أو مع قانون إنهاء الحياة في حالة الموت الإكلينيكي وهي إشارة واضحة إلى المنافس الديمقراطي جون كيرى، وفي الأسابيع الأخيرة للانتخابات الأمريكية تكرر قراءة تلك الرسالة التي كشفت عنها مجلة " لسبرسو" الإيطالية على منابر الكنائس الكاثوليكية التي باتت تدعي ليل نهار أن التصويت مع الديمقراطيين هو خضوع لسيطرة الشيطان وتحالف مع قوى الشر.
وبهذا ارتفع هامش التأييد الكاثوليكي لبوش في انتخابات 2004 بنسبة 6 نقاط مقارنة بانتخابات عام 2000 وارتفعت النسبة التي حصل عليها من 46% عام 2000 إلى 52% عام 2004 وتحولت أصوات ثلاثة ولايات هى أهايو وايوا ونيو مكسيكو لصالح بوش باسم أصوات الإيمان الكاثوليكي وبدون هذا كان يمكن لكيرى أن يحصل على مليون صوت ويصبح رئيس الولايات المتحدة.
حرب صليبية جديدة
ويبدو أن ما حدث مؤخرا من إعادة نشر الرسوم المسيئة وعرض فيلم فتنة الهولندي يأتي أيضا منسجما مع مخططات التحالف بين البابا والمحافظين الجديد ، ففي صحيفة "الديلي تليجراف" البريطانية ، كتبت كارين آرمسترونج، مؤلفة كتاب "نبذة عن تاريخ الإسلام"، مقالا تقول فيه :" إن ثمة عداء قويا للإسلام في الثقافة المسيحية الغربية ويتعين التخلص منه ، إن هذه العقلية التابعة للقرون الوسطى لا تزال حية ترزق ، معاداة الإسلام لدينا تعود إلى زمن الحروب الصليبية ، تصريحات البابا ستجعل الغرب مصمما على المضي قدما في حرب صليبية جديدة".
واستطردت تقول :" لقد تعددت الأسباب التي دفعت بابا الفاتيكان إلى فتح المعركة بوجه الإسلام، حيث أن المهام التي كانت تنتظره عند توليه كرسي البابوية عام 2005 ، كثيرة وأهمها إنعاش القيم الكنسية في السياسات الرسمية على حساب العلمانية والتعامل مع تبعات حملة الهيمنة الأمريكية وعسكرتها عالميا والمقترنة بتصورات "الصهيونية المسيحية" بجانب كيفية التعامل مع الإسلام وخصوصا بعد انتشاره السريع في أوروبا وأمريكا، حيث يصل عدد المسلمين في أوروبا الغربية وحدها إلى 70 مليون يتوزعون في أكثر الدول الأوروبية أهمية مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا ".
وهناك أيضا دراسة نشرت بمجلة "فورين بوليسي" الدورية العلمية الأمريكية أعدها سكوت أبليبي مدير معهد كروك للدراسات حول السلام العالمي التابع لجامعة نوتردام الأمريكية في عام 2004 أي قبل اعتلاء بينديكت لمنصبه خلفا ليوحنا بولس الثاني، أشارت إلى أنه ينبغي عند اختيار البابا الجديد أن يكون على اطلاع عميق بالإسلام وقادرا على التعامل مع تحدي انتشار الإسلام في الغرب.
وفي السياق ذاته ، نشرت صحيفة "الاندبندنت" البريطانية مقالا جاء فيه أن هناك ديانتين كبيرتين فقط تحاولان تحويل العالم إليهما وهما المسيحية والإسلام ، إلا أن الإسلام فقط هو الذي يملك في هذه المرحلة الطاقة الحيوية لتكريس نفسه لهذه المهمة ، ولذا يرى بابا الفاتيكان أن الديانتين على خلاف تام وهما في صراع قائم وتوصل إلى قناعة مفادها أنه من المستحيل إجراء أي نقاش لاهوتي حقيقي معه ، مشيرة إلى أنه لم يكن راضيا عن دخول البابا السابق يوحنا بولس الثاني في حوار مع الإسلام وهذا ما يفسر إزاحة كبير الأساقفة مايكل فيتزجيرالد من رئاسة مجلس حوار الأديان التابع للفاتيكان ومن ثم تقليص دور المجلس بعد ذلك .
وأيد تشارلز كروثامر الكاتب في مجلة "التايم" الأمريكية صحة ما سبق ، قائلا:"يعتقد المنظرون الجدد في البيت الأبيض من المحافظين والإنجيليين أن الولايات المتحدة صاحبة رسالة ومكلفة بأدائها، وأنه يشرع للولايات المتحدة استخدام كل الوسائل للوصول إلى غايتها بلا حرمة ولا عذاب ضمير، عقيدة المحافظين الجدد هذه ليست بغريبة أو بعيدة عن عقيدة البابا، بل يرى البابا أن عقيدة المحافظين الجدد في البيت الأبيض ليست إلا صدى لتوجهات وأفكار الكنيسة، ويعتقد أنه ينبغي على الأوروبيين تبني هذا التوجه وإبعاد العلمانيين عن صناعة القرار في السياسة الأوروبية. لقد روي عن قداسة البابا منذ وصول المحافظين الجدد بخلفيتهم الصهيونية المسيحية، أو ما يوصف بالمسيحية التوراتية إلى السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية، أنه يرى في ذلك نموذجا صالحا لأوروبا، أي أن تعود الكنيسة إلى صلب توجيه صناعة القرار السياسي ، ومن هنا يمكن أن تسهم إساءته إلى الإسلام والمسلمين من المنطلق الكنسي في الحملة الجارية لترسيخ هيمنة المحافظين الجدد المطلقة على المنطقة العربية الإسلامية".
طوق النجاة
والخلاصة أن مايحدث ضد العرب والمسلمين لاينبع من قرارات عشوائية وإنما هو نتيجة حملة منظمة ومنسقة للسيطرة على مقدراتهم ، ومع ذلك يظل الأمل معقودا على المقاومة الشريفة في العراق وفلسطين ولبنان والصومال لإحباط تلك المخططات ولعل التقرير الذي أصدره البنتاجون بالتزامن مع تصريحات البابا الأخيرة هو الرد المناسب في هذا الصدد.
ففى 19 إبريل ، أكد تقرير صادر عن وزارة الدفاع الأمريكية حول قرار غزو العراق وتداعياته أن الحرب كلفت الولايات المتحدة خسائر باهظة في الأرواح والأموال والسياسات, مشيراً إلى أن مركزها وهيبتها اهتز أمام دول العالم كله ، فضلاً عن انهيار سمعتها الأخلاقية وزعامتها بسبب حربها واحتلالها دولة مسلمة وفضائحها في معاملة المعتقلين.
ورصد حجم الخسائر التي تكبدتها الولايات المتحدة منذ الغزو وحتى الخريف الماضي وهي أكثر من 3800 قتيل و28 ألف جريح، إضافة إلى خسائر العراقيين، حيث حصدت الحرب أرواح ما لايقل عن 85 ألف عراقي وبات 15% من الشعب العراقي لاجئين ووصلت التكلفة المالية في يوليو 2007 إلى 450 مليار دولار كلها تمت تغطيتها بالعجز في الموازنة الأمريكية.
وخلص التقرير الذي أعده المعهد القومي للدراسات الاستراتيجية التابع للبنتاجون إلى أن السياسة الأمريكية كانت مفلسة ولم تحقق الطموحات التي كانت تسعى إليها .
ويمكن القول ، إن بوش وبابا الفاتيكان لم يدركا بعد أن الصمت والخنوع ليس من مفردات القاموس العربي والإسلامي ولذا فإنه لابديل عن الحوار في نهاية المطاف.
22-04-2008
Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /htdocs/public/www/actualites-news-web-2-0.php on line 793