أنيس التومي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 724
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
انتهجت الدولة التونسية في مجال التعليم منذ الاستقلال في سنة 1956 سياسة إجبارية التعليم ومجانيته مما قلص بشكل كبير نسبة الأمية في المجتمع التونسي.
وتواصلت هذه السياسة في كافة المراحل التي عاشتها تونس إلى يومنا هذا
وفي إطار تطوير هذه السياسة عرف التعليم في تونس تطورا لافتا و ملحوظا خلال بداية الألفية الثانية وذلك بتوجيهها إلى الصناعات التكنولوجية المتطورة ذات القيمة المضافة العالية خاصة بعد احتضان تونس للقمة العالمية لمجتمع المعلومات سنة 2005.
و بذلك أحدثت عديد الشعب التكنولوجية في كافة الجامعات التونسية التي يتلقى فيها الطالب دروس و محاضرات متنوعة خاصة في مجال لغات البرمجة.
وبغض النظر عن جودة التعليم في العديد من هذه المؤسسات العلمية أصبحت تونس تعج بالمتخرجين في هذا المجال مما شجع المئات من الشركات الأجنبية وخاصة الفرنسية منها للانتصاب في تونس لاستغلال هذه الموارد البشرية الهامة الزهيدة و ذات الكفاءة العالية من ناحية و لاستغلال التشجيعات الكبيرة التي تقدمها الدولة التونسية للشركات الأجنبية وخاصة منها المعدة كليا للتصدير من خلال إعفاءها من عديد الضرائب من ناحية أخرى.
أسفر هذا الوضع الى تكوين جيل جديد من المبرمجين و العاملين في هذا المجال ذات تكوين عالي ومتميز يضاهي في قدرته في الابداع ما يوجد في البلدان المتقدمة خاصة بعد الاحتكاك المباشر مع المسيرين و المكونين في هذه الشركات
ومن جهة أخرى ظل الكثير من المتخرجين الذين لم يلتحقوا بهذه الشركات لأسباب يطول شرحها عددهم بعشرات الآلاف عاطلين عن العمل أو يعملون في وضع أقل ما نقول عنه هو وضع مزري.
و بعد التحولات السياسية والاقتصادية التي عرفتها تونس سنة 2011، أغلقت العديد من هذه الشركات الأجنبية واختارت أن تتحول للانتصاب بالمغرب نظرا للاستقرار الأمني والاجتماعي وتوفر موارد بشرية ذات كفاءة.
هذا الأمر أحال العديد من الموظفين في تلك الشركات إلى البطالة القسرية و زاد من تفاقم الوضع للمتخرجين حديثا والذين لم يجدوا شغل في السابق.
نظرا لهذه العوامل أصبحت الهجرة أمرا حتميا لهؤلاء فزادت طلبات الإقامة في البلدان الأوربية بصفة غير مسبوقة خاصة في السنوات الأخيرة ووصلت إلى مستويات قياسية خاصة نحو فرنسا وألمانيا.
وانتصبت عديد الشركات العاملة في هذا المجال بطريقة قانونية او غير قانونية والتي تقوم يوميا بتسفير العشرات من الكفاءات التونسية إلى الخارج بعد تقاضيها لعمولات هامة مقابل إيجاد الكفاءة المناسبة. بل أصبح تجميع السير الذاتية للعاملين في مجال التكنولوجيا في تونس تجارة مربحة للعديد من مقتنصي الفرص.
وفي هذا الإطار وعدت الحكومة الفرنسية بتسهيل اجراءات الهجرة لحاملي الشهادات التونسيين لتسير التحاقهم بالشركات الموجودة هناك حتى وإن لم تعلن ذلك صراحة .
أدى هذا النزيف لعدة مشاكل خاصة للشركات الوطنية التي أصبحت تجد صعوبة كبيرة في إيجاد الكفاءات المناسبة فضلا على استحالة الإبقاء على موظفيها الحاليين نظرا لعدم استطاعتها توفير ما تقدمه الشركات الأوروبية لموظفيها.
أما الدولة التونسية الآن هي عاجزة وتقوم بدور المتفرج على هذا النزيف الذي لن يتوقف في ظل الأوضاع الاقتصادية المتأزمة حاليا.
و يبدو ان الحكومات المتعاقبة لم تعر الاهتمام اللازم لهذا الأمر وذلك يتجلى أننا لم نرى مسؤولا واحدا تطرق لهذا الأمر.
-------
أنيس التومي / تونس
باحث في علوم التسويق الححديث
--
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: