البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

هل دخلت تونس مرحلة "إدارة التوحُّش"؟

كاتب المقال المختار غميض - تونس   
 المشاهدات: 3465



رغم كل الظروف الصعبة والدقيقة جدًّا التي تمرُّ بها تونس، على كافة المستويات وخاصة الاقتصادية منها، إلا أن الرئيس سعيّد يصرّ على سياسة الهروب إلى الأمام، وتنفيذ برامجه ومخططاته الخاصة بعيدًا عن الحوار والحلول، والمضيّ قدمًا نحو تكريس كل السلطات بيديه وحده، فلا الأحزاب ولا النواب ولا القضاة سلموا، وربما وصولًا إلى ما يُثار عن حلّ اتحاد الشغل، ولو أنه يبدو كلامًا مبالغًا فيه.

أزمات متصاعدة
بلغت تونس حسب كل التصنيفات والوكالات الأجنبية مرحلة الخطر الحقيقي، وباتت قابَ قوسَين أو أدنى من الإفلاس، ودخول "نادي باريس" بعد أن استنجدت المالية التونسية بوزير الخزانة الفرنسي، الرئيس السابق لنادي باريس سيّئ الذكر.

فالموازنة لم تعد قادرة على توفير كتلة الأجور، كما يشير خبراء في الاقتصاد، حيث ضغطت الحكومة على البنوك، واقترضت أموال الادّخار لدى البريد، وقامت بطباعة الأوراق النقدية من أجل توفير أجور شهر يناير/ كانون الثاني المنصرم.

هذا ناهيك عن التراجع بل التقهقر الملحوظ في مستوى عيش التونسيين بسبب غلاء الأسعار، لا سيما أسعار المواد الأساسية، وبدء فقدان البعض منها من الأسواق، بسبب تفاقم سياسات الاحتكار والمضاربة وغيرها من ممارسات تجّار الموت والأزمات.

هذا إلى جانب الوضع الصحي المتأزِّم الناتج عن جائحة كورونا، حيث يذهب الوباء يوميًّا بعشرات التونسيين ويصيب الآلاف، مقابل خدمات صحّية ضعيفة هي الأخرى، ونقص فادح في مستوى البنية الصحية التحتية، ومستوى جودة الخدمات والرعاية العمومية.

مع كل ذلك لا يزال رئيس البلاد مكابرًا، هاربًا إلى الأمام ومتجاهلًا الأمر الواقع، مقابل الإصرار على خوض معاركه السياسية الخاصة، بعيدًا عن هموم ومشاغل التونسيين الأساسية، رغم كل الانتقادات والكبوات التي تمرُّ بها مؤسسة رئاسة الجهورية، وبعض الإشاعات والتسريبات والتحليلات هنا وهناك التي لا تبشّر بخير على مستوى الحكم وأحواله في البلاد عمومًا، وحتى داخل قصر قرطاج على وجه الخصوص، كما أشار محلِّلون كثر، بعد تتالي استقالات أعمدة مهمة مثل مستشارة الرئيس نادية عكاشة.

معركة القضاء.. على الخصوم
معركة القضاء للقضاء على الخصوم بدأت منذ أشهر، وفي كل خطابات رئيس الجمهورية قيس سعيّد، وكلماته المتلفزة التي يتم بثّها فقط على صفحة رئاسة الجمهورية على فيسبوك، لا يدع الرجل مجالًا إلا وينتقد مؤسسة القضاء أشد انتقاد، وتعرّضَ للمجلس الأعلى للقضاء، ساردًا بعض الروايات بصيغة التجهيل والتمريض (جهلاء ومرضى) عن فساد بعض القضاة ورشوتهم وامتلاكهم العقارات والمليارات، دون حجّة أو بيان يُعرض على الملأ، ما جعل مسألة حلّ مجلس القضاة أمرًا منتظرًا، بل جاء متأخّرًا لعدة اعتبارات سياسية ودبلوماسية بالأساس.

كما أراد الرئيس ومحيطه السياسي ربط تاريخ إعلان حلّ المجلس بيوم 6 فبراير/ شباط، وهو ذكرى اغتيال السياسي شكري بلعيد عام 2013، وفي ذلك رسالة إلى حركة النهضة التي عادة ما يتّهمها خصومها بالتورُّط السياسي والأخلاقي على الأقل في الاغتيال؛ كمحاولة لاستقطاب أكثر ما يمكن من الداعمين لهذا النهج، لا سيما أحزاب أقصى اليسار الذين يساندونه اليوم في جُلّ قراراته لحسابات أيديولوجية بالأساس.

بيد أن المراقبين يتّهمون سعيّد بالعمل على تدجين المؤسسة القضائية، التي وقفت سدًّا منيعًا ضد استكمال مراحل انقلابه على الدستور، منذ يوليو/ تموز الماضي، وبالتالي قد يورِّط القضاء في تصفية خصومه السياسيين، لا سيما من حركة النهضة وائتلاف الكرامة وقلب تونس، لذلك رفضَ القضاة الذهاب في هذا المنهج.

وقد عمل رئيس الدولة فعلًا على افتكاك بعض القرارات القضائية مؤخرًا ضد وزير العدل الأسبق نور الدين البحيري، إلا أن 3 قضاة على الأقل، من بينهم قاضٍ عسكري، رفضوا إصدار بطاقة إيداع بالسجن ضدّه، بسبب عدم وجود أدلة، ما دفعه للجوء إلى الخطف والإخفاء القسري والاحتجاز بحجّة الإقامة الجبرية، بالاستعانة ببوليس وزارة الداخلية ووزيرها المقرَّب منه ومن العائلة.

ويبدو أن سعيّد سوف يقوم بتصفية بعض الأصوات "المزعجة" ضده، حال استقرار أمر حلّ مجلس القضاة وانتهاء معركته مع القضاء، حيث تشير التسريبات والمعطيات إلى وجود قوائم لإيقافات منتظرة، إلى جانب إحالة عدد من القضاة على التقاعد الوجوبي والقضاء العسكري.

إلا أن هذه المعركة من المرجّح أن تكون حامية الوطيس وغير قصيرة، بسبب إصرار عديد الهياكل والجمعيات القضائية، إلى جانب المحامين والمعارضة السياسية، على المقاومة والتصدي لإجراءات الرئيس واعتزامه إدارة القضاء عبر المراسيم الرئاسية.

كما انتقدَ عدة متابعين للشأن التونسي الطريقة الفظّة والمهينة والمعيبة التي أغلق بها الرئيس مجلس القضاء، بعد تطويقه بالتعزيزات الأمنية، ومنع القضاة ورئيس المجلس من الدخول، ما اضطرهم لاستدعاء وزير العدل لتنفيذ ومعاينة هذه المغامرة الجديدة لرئيس سلطة الأمر الواقع.

عصا البوليس لتكريس إرادة الرئيس
اللافت في الأمر أنّ الرئيس سعيّد، الذي أعلن عن انتهاء المجلس الأعلى للقضاء و"أصبح من الماضي" من مقرّ وزارة الداخلية في ساعة متأخرة من الليل، بات يعوِّل على عصا البوليس لتنفيذ قراراته وإرادته.

فقد تكرّرت صورة إغلاق مقرّ البرلمان قبل نحو 6 أشهر، ثم إغلاق مقرّ هيئة مكافحة الفساد وفروعها بالقوة رغم احتجاجات الموظفين الذين أحيلوا على البطالة، كذلك جاءت هذه المرة عبر التعزيزات الأمنية واستعمال القوة القاهرة ضدّ مرفق يعدّ من أهم مرافق الدولة، وسلطة من أهم السلطات الثلاث التي يريد قيس سعيّد التحكُّم فيها والسيطرة على مفاصلها.

العصا نفسها التي أغلق بها مجلس القضاة، استعملها الرئيس ووزير داخليته توفيق شرف الدين قبل أقل من شهر لقمع مظاهرات المعارضة، التي خرجت للاحتفال بعيد الثورة يوم 14 يناير/ كانون الثاني، فأُعملت فيهم العصيّ الغليظة والغازات السامة والمياه الساخنة والدراجات النارية، ما أسفرَ عن سقوط ضحية وعدة جرحى، من بينهم صحفيون أجانب، ما زاد من قتامة صورة تونس الدولية، لا سيما في مجال حقوق الإنسان والحريات.

ومن غريب المفارقات وعجيبها، أن سبب منع وزارة الداخلية حينها للتظاهر كان البروتوكول الصحي، وتوصيات اللجنة العلمية بسبب جائحة كورونا، إلا أن الرئيس أعلن من مقرّ وزارة الداخلية أنه من المسموح التظاهر يوم 6 فبراير/ شباط الجاري بسبب بداية تراجع الوباء، وذلك فقط لغرض تمكين بضع العشرات من أنصاره للنزول إلى الشارع، والتظاهر من أجل المطالبة بحلّ مجلس القضاء.

ومع كل ردود الفعل الداخلية والخارجية المندِّدة بسعي السلطة الحاكمة في تونس إلى ابتلاع السلطة القضائية والتحكم في مرفق القضاء، إلا أنه لا توجد أية مؤشرات على أن الرئيس يمكن أن يسمع أو يقبل أي رأي مخالف له، بل هناك مؤشرات على أنه ماضٍ إلى الأمام مكرِّسًا نظرية إدارة التوحُّش، وافتكاك كل آليات الحكم بالقوة، غير آبهٍ لا بالمعارضة الداخلية الكبيرة ولا بالفيتوات الخارجية، رغم حالة الإفلاس التي بدأت تعيشها البلاد منذ أسابيع.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

إنقلاب قيس سعيد، تونس، الإنقلاب في تونس،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 9-02-2022   المصدر: نون بوست

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
رافع القارصي، حاتم الصولي، مصطفى منيغ، أنس الشابي، خالد الجاف ، محمود سلطان، سعود السبعاني، د. مصطفى يوسف اللداوي، رشيد السيد أحمد، د- جابر قميحة، سيد السباعي، فتحي الزغل، محمد علي العقربي، ماهر عدنان قنديل، د. صلاح عودة الله ، د. أحمد محمد سليمان، الهادي المثلوثي، د. خالد الطراولي ، خبَّاب بن مروان الحمد، كريم فارق، سامر أبو رمان ، عواطف منصور، د - صالح المازقي، عبد العزيز كحيل، صلاح المختار، رافد العزاوي، أ.د. مصطفى رجب، رضا الدبّابي، د. أحمد بشير، عزيز العرباوي، إيمى الأشقر، عبد الله زيدان، د - عادل رضا، يحيي البوليني، الناصر الرقيق، د. ضرغام عبد الله الدباغ، علي الكاش، د - محمد بنيعيش، د- محمد رحال، محمد اسعد بيوض التميمي، أشرف إبراهيم حجاج، كريم السليتي، محمد العيادي، د - المنجي الكعبي، محمد شمام ، ضحى عبد الرحمن، عبد الغني مزوز، سلوى المغربي، حسن الطرابلسي، عمر غازي، فهمي شراب، الهيثم زعفان، عمار غيلوفي، صفاء العربي، محمد أحمد عزوز، سلام الشماع، جاسم الرصيف، د - مصطفى فهمي، د- محمود علي عريقات، د - الضاوي خوالدية، صلاح الحريري، حميدة الطيلوش، طارق خفاجي، يزيد بن الحسين، عراق المطيري، نادية سعد، إياد محمود حسين ، علي عبد العال، د. كاظم عبد الحسين عباس ، حسن عثمان، محمد يحي، عبد الله الفقير، بيلسان قيصر، محمد عمر غرس الله، صفاء العراقي، تونسي، صباح الموسوي ، د. عبد الآله المالكي، إسراء أبو رمان، عبد الرزاق قيراط ، د. طارق عبد الحليم، د.محمد فتحي عبد العال، حسني إبراهيم عبد العظيم، المولدي اليوسفي، د - شاكر الحوكي ، سليمان أحمد أبو ستة، مجدى داود، محمد الطرابلسي، أحمد بوادي، د- هاني ابوالفتوح، رحاب اسعد بيوض التميمي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، العادل السمعلي، محرر "بوابتي"، صالح النعامي ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، سامح لطف الله، منجي باكير، فتحي العابد، سفيان عبد الكافي، مراد قميزة، أبو سمية، محمود طرشوبي، د - محمد بن موسى الشريف ، د. عادل محمد عايش الأسطل، محمد الياسين، طلال قسومي، محمود فاروق سيد شعبان، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، رمضان حينوني، أحمد النعيمي، وائل بنجدو، أحمد ملحم، فوزي مسعود ، أحمد الحباسي، المولدي الفرجاني، مصطفي زهران، فتحـي قاره بيبـان، ياسين أحمد،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة

سياسة الخصوصية
سياسة استعمال الكعكات / كوكيز