فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 1086 محور: مقالات في المعنى
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يمكنني أن أقسم الكتابة منهجيا لثلاثة أقسام:
- الكتابة التقنية
- الكتابة الأدبية
- الكتابة الفكرية
1- الكتابة التقنية أقصد بها كل مادة يكون موضوعها اختصاصا تعليميا إرشاديا، ويدخل في هذه الكتابات التقنية تلك التي تتحدث في الفقه الاسلامي وعموم علوم الاسلام، وعلوم الطب والحساب والاقتصاد والهندسة والفلاحة وما قارب ذلك، والشعر والأدب كمعنى متداول وليس في مستوى توليده
فهي كتابات تقصد نقل معاني المعارف وشرحها، إذ لاتنتج فكرا من حيث أن الفكر كما أعرّفه بحث في المعاني المجهولة، وإنما هي تتحرك في مساحة معاني موجودة فهي إذن مساحة معارف وليس مساحة فكر
2- الكتابة الأدبية يمكن أن أعرفها أنها كل عملية توليد المعاني تكون في نتيجتها أي في تعلق بالمادة الأدبية، غير منضبطة بمنهج عقلي، لكن لاشك تخضع في قواعد توليدها لقواعد منهجية وهي قواعد الشعر وقواعد القصة والرواية وغيرها، لكنها قواعد تتعلق بالمسار وليس بالنتيجة أي بالمادة، فلايمكننا تقييم الشعر ولا القصة بقواعد المنطق كالخلو من المغالطات والمصادرات وغيرها مما يصح محاججة الكتابة الفكرية به
هنا يقع إنتاج الفكر لإننا إزاء توليد المعاني المجهولة، لكن المادة المنتجة لاتخضع لقواعد عقلية صارمة
ولأن الفكر الأدبي المنتج غير منضبط لقواعد عقلية في مستوى المادة، درج على عدم إدراج الكتابة الأدبية في مجال الكتابة الفكرية
والكتابات المقصودة هنا تتوزع بين الشعر والأدب بأنواعه من قصة ورواية وخواطر
3- الكتابة الفكرية يمكن أن أعرفها أنها كل عملية توليد للمعاني المجهولة وتخضع في مادتها المنتجة للقواعد العقلية
توليد المعاني المجهولة يجعلها فكرا وليست معارفا، وخضوع مادتها للقواعد العقلية يخرجها من مساحة الكتابة الأدبية، فهي كتابة تستحوذ حصرا على تسمية الكتابة الفكرية تنتزعها من الكتابة الأدبية
يمكن أن ندرج في الكتابة الفكرية الأعمال الفلسفية والأعمال الفكرية وكل كتابة منتجة للمعاني المجهولة ابتداء التي تكون مواضيعها أيّ من اختصاصات الكتابة التقنية في مستوى الانتاج، أي أن التأسيس لمسائل فقهية عمل فكري وليس تقنيا والتنظير لمسائل علمية في الطب والهندسة والفلاحة، عمل فكري وليس تقنيا، لأن عملية الإيجاد الأولى عمل فكري مهما كان الموضوع، لكن لما يصبح معرفة متداولة تتحول الكتابة فيه لموضوع كتابة تقنية يقصد بها إشاعة تلك المعارف
---------
إذن للإجابة عن تساؤل أيها أقدر على التنظير لعمليات تغيير الواقع، يمكننا بيسر استثناء الكتابات التقنية التي لاتعنينا بقليل أو كثير في بحث عمليات تغيير الواقع والثورات، فالحديث في الفقه والتأليف فيه مثله مثل الحديث في البرمجيات لايغير الواقع ولاينتج وعيا بمواضيعه
الحديث يدور إذن بين الكتابة الأدبية والكتابة الفكرية، أيهما أقدر على التنظير والتوعية للتغيير والثورات
الأدب له تميز في كونه يسجل الواقع بتفاصيل دقيقة ومن زوايا مختلفة وبمحرار النفس وأهوائها لا ضوابط العقل وحدوده، وهو بذلك ينقل مساحات الواقع المتروكة وزواياه المظلمة مما لايمكن أن تطالها أنظار كل الناس
ثم إن الأدب لتحلله من الضوابط العقلية يمكن أن يسجل الطباع الإنسانية في مراحلها الحقيقية من حزن وفرح وشدة ويسر وعلوّ وانخفاض، فالأدب مرآة للذات الإنسانية مما لايمكن للكتابة الفكرية العاقلة أن تنقله
والأدب يؤثر بالإيحاء والترميز ولا يسمي الفعل الواجب فعله مباشرة إلا قليلا، وهذا مكمن قوة الأدب، لكنه بنفس الوقت نقطة ضعفه، لأن المعنى المراد تبليغه لاينقل بوضوح وإنما يعتمد في تبليغ مراده على فطنه القارىء وعوامل عديدة أخرى
بالمقابل الكتابة الفكرية تتعامل مع الفكرة بطريقة واضحة مباشرة، بل إن الوضوح وانعدامه يمثل أحد أهم مقومات الكتابة الفكرية
ثم إن الكتابة الفكرية تبحث في الواقع لما بعد الفعل البشري قبليا وبعديا، أي تبحث في سبب الفعل بالواقع ونتيجته، ولا يهمها تسجيل الفعل وحفظه نسبة للزمن كما يفعل الأدب
الحقيقة لا أملك جوابا حاسما في أفضلية الكتابة الفكرية أو الأدبية، ولكن ربما يكون من الأعدل القول أن لكليهما نصيبا من فعل التوعية بالواقع وتغييره، وأن فعل الثورة يلزمه الأدب الثوري ويلزمه الفكر الثوري
يمكن إضافة قسم آخر من الكتابة وهو تلك التي لاتخاطب العقل وإنما تتهرب منه وتخاطب العواطف، وهي عموما الخطب الحماسية والأعمال الدعائية المغالطة، وهذه لاتعنينا لأنها لايمكن تصنيفها كتابة بالمعنى المنهجي
--------
فوزي مسعود
#فوزي_مسعود