فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 511 محور: إسلام العقيدة
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لسبب ما يولع البعض باستدعاء لفظ "الإنسانية" كلما بدت له فكرة من تلك التي تحمل معاني ذات قيم متعالية، لكن هذا اللفظ كغيره جعل للاستعمال في حقل دلالي معين إن جاوزه تحول المعنى من المستوى الحقيقي للمستوى المجازي وقد يخرج من المجاز، فضلا أن تكون الكتابة نثرا وفكرا مما لايقبل فيه المجاز أساسا
الإلتجاء لألفاظ حصرا دون غيرها، يعكس تكلفا في الاستعمال، لأن الكلام السوي يكون فيه معدل استعمال الألفاظ متقاربا من حيث تكرره، فلا يكون لفظ متغلبا على غيره من الألفاظ بما يجعله محورا إلا قليلا من الحالات مما ليس في كتابة الفكر والكلام العادي، ويكون من نتيجة هذه الملاحظة أنه إن تكرر لفظ بشكل زائد كان ذلك دليل كلام مصطنع لاتستدعي الفكرةُ فيه اللفظَ وإنما يستدعي اللفظُ الكلامَ الذي يبعد أن يكون فكرا مادام كلاما متحكما فيه ابتداء
فإن وجدت أحدهم يسرف في استعمال مصطلح ويقحمه إقحاما، كان ذلك أقرب للكلام المرصّع المتصنّع المهموم بالشكل دون المعنى وهذا يصح على كل تلك الكتابات المنشغلة بإيراد المصطلحات الطنانة بمناسبة وغيرها ومنها تلك التي تورد "الإنسانية" وتزرعها بين ثنايا الكلام في استعمالات لاتطاوعها دلالة اللفظ، والمولعون باستعمال لفظ "الإنسانية" يولعون لنفس الأسباب بلفظ "القيم الكونية"
وبتعقب هؤلاء الذين يستعملون هذه المصطلحات، نجد أنهم عموم الدائرين في فلك المركزية الغربية ومجالها المفاهيمي ومصطلحاتها وحقولها الدلالية، وإن أردنا الدقة قلنا إنهم عموم ضحاياها من هؤلاء الذين وجدوا أنفسهم طلبة في منظومات تعليم تتحكم فيها المشاريع الايديولوجية المغالبة وخاصة المؤسسات الجامعية المكلفة بتدريس الإنسانيات، والتي تمثل عمليا أجهزة دعاية واقناع بعلوية المركزية الغربية ومفاهيمها، ومنها الاقناع بأن القيم الغربية هي النموذج الأعلى للإنسانية ولما وصلته، لذلك يسمونها القيم الكونية والقيم الإنسانية، ويوهمون باستحالة قيم أخرى موازية مغالبة، ويصيرون قيمنا الاسلامية قيما إنسانية، والحال أن تحويل صفة القيمة من إسلامية نحو إنسانية أي غربية، دليل على إرادة جرك خارج مركزيتك العقدية نحو مركزيتهم العقدية، فهو فعل عدائي مغالب، وإلا فلتترك القيمة بوصف إسلامية إن كان المراد فقط محتوى القيمة وليس وصفها وموضوع إضافتها أي الإسلام
على أية حال، موضوع القيم الكونية المزعومة، كتبت فيه من قبل ومازلت سأكتب في نفيه، لكن أردت القول لهؤلاء الضحايا أن يتلطفوا في كتاباتهم ويتحرروا مما تلقوه ويخرجوا من مزاعم وحدانية المركزية الغربية ومفاهيمها ومعانيها، ويبدأ ذلك بالتخلص من ضغط ودواعي استعمال المصطلحات النمطية من مثل القيم الكونية والقيم الانسانية