فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 529 محور: التدين الشكلي
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
كنت أقرأ في ما مضى أن بعضهم ينتظر ليلة القدر حتى تقضى حوائجه، وكنت أعتبر ذلك من تلك الطرف أو النوادر التي يقبل عليها بعض من لهم نوع من الخفة الذهنية تماثل تلك التي تلمّ بمرتادي زوايا الأولياء الصالحين أي خليط من سذاجة وضعف ذهني ثم شىء آخر يجمع كل ذلك يصعب فحصه، إلى أن تفاجأت أنها سلوك يأتيه كذلك بعض من لهم دين وعقل أو قل بالدقة شيىء من دين وشيء من عقل
وهؤلاء المتربصون بليلة القدر يقولون إنهم يتحرونها بغرض أن تُحل مشاغلهم مرة واحدة بضربة صادفة قد تجعلهم يتخلصون من أوزار سنة مضت فثقلت علبهم وثقل حملها في انتظار أن يقع تعبئة خزان الأوزار مرة أخرى انتظارا لليلة القدر المقبلة
هي إذن لعبة أو مايقرب للعبة، هو إذن تحايل على الله جلا جلاله، بل وتحايل مع قناعة باحتمالية نجاحه
وهو قبل ذلك وبعده تصرف يفترض كأنه يتعامل مع مسؤول في الشغل يسعفك خبثك لتغطية عجزك وقلة مهارتك في تمرير حاجاتك رغما عنه بغشه والتحيل عليه
بينما الأمر حقيقة غير ذلك، ثم هو بسيط وواضح، ليلة القدر تبجّل لدينا نحن المسلمين لكونها ذكرى تنزيل القرآن، ثم انتهى الأمر
الكسالى في الدين ممن غلبتهم شقوتهم وعجزوا أن يقيموا واجباتهم، يصرون على جعل الإسلام كتلة من الخرافات تتحرك في مساحات غامضة لا يطالها الفهم وإنما هي أساطير أو ما يقرب للأساطير
لايريد الكثير استيعاب حقيقة أن الاسلام منظومة عاقلة أوجدها من يسيّر الكون بالمعقولات والقوانين المضبوطة الدقيقة الموزونة، وأن خالق هذا الكون لطالما خاطبنا كعقلاء، بل إن مناط تكليفنا ذلك العقل، فمن أين لكم أن تتعلقوا بما يلغي العقل، من أين لكم هذه الاساطير أن باب السماء سيفتح صدفة ثم إن صادفته ستحل مشاكلك
هكذا، عشوائية إذن، فماذا نفعل بالقرآن وأحكامه إذن، وماذا نفعل بالحساب يوم القيامة مادامت الأمور تمضي بخبط منفلت كما يزعمون، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا
مثل هؤلاء الذين ينتظرون ليلة القدر لملىء خزائنهم الفارغة، كمثل ذلك التائه الذي يمضي وقته يتنقل من لعبة قمار لأخرى أملا أن يربح ويصير غنيا من بعد فقر، فيمضي حياته مقامرا حتى يصير قمّارا، مع فرق أنه يمكن للقمّار أن يربح مالا، بينما يستحيل لباب السماء أن ينفتح فتقضى الحوائج
الفرد المسلم لايحتاج لباب السماء أن يفتح لقضاء حوائجه، لأن كل وقته يمضيه في اتباع الطرق المذكورة في الإسلام ووضحها القرآن لقضاء حاجاته، وهي طرق مستقيمة لا عوج فيها تقوم على مبدأ الفعل والجزاء، فهو منهج واضح لايستحق تأويلات ولا أساطيرا
الفرد المسلم لاينام سنة كاملة ثم يستفيق فجأة في ليلة يمضيها عاسّا على ليلة القدر، لأنه مستيقظ مع ربه طول زمنه يعمل بما استطاع كامل وسعه ووقته ويرجوه أن يغفر له ذنوبه وأن يوفقه للأفضل، فهو سعي زمني متصل وكدح متواصل وليس فعلا نقطيّا موسميا
الفرد المسلم ليس في حاجة للمعجزات ولاينتظرها، لأنه يعرف أن المعجزات انتهت ولن تظلنا مرة أخرى، وأنه بالمقابل ليس للإنسان إلا ما سعى