د. عادل محمد عايش الأسطل - فلسطين
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4482
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
عشر دقائق، هي مدّة المحادثة التي جرت بين الرئيس الفلسطيني "أبومازن" ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس "خالد مشعل" بغض النظر عمّا سلف من محادثات ولقاءات وجهاً لوجه والتي استمرت عشرات الساعات على مدار أشهر وسنوات طويلة، بالتأكيد هي غير كافية لإنتاج حكومة وحدة وطنية، أو تفاهمات طبيعية وذات مغزى، بسبب أن الأمر أشد من أن تتواجد دوافع ذات قيمة تُلبّي حاجة الطرفين لالتهام كل الخلافات بمستوياتها الحاصلة بين حركتيهما دفعةً واحدة، وبسبب أنها غير مستساغة. وإن كانت ضرورية يتوجّب تجرّعها كدواء.
قد يلجأ البعض إلى الاعتقاد بأن من الجائز حصول حكومة الوحدة، أو شيء من هذا القبيل، نظراً للحاجة الشديدة للانتقال إلى المرحلة التالية، التي من شأنها أن تدفع بالطرفين إلى تكوينها وبسرعةٍ أكبر. حيث أن حاجة حركة حماس، تكمن في حالة الارتباك التي انتابتها منذ الخمسة أشهر الماضية، وتحديداً عندما قام الجيش المصري بإجراءاته ضد حكم الإخوان في مصر، باعتبارهم الداعم الرئيسي للحركة منذ قيامها في العام 1987. فبالإضافة إلى تبدّل العلاقة مع الحكم الجديد من تعاونيّة إلى صراعيّة، من خلال السعي إلى قطع شريان حياتها من ناحية وتهديد وجودها من ناحيةٍ أخرى، فقد كان الإخوان سبباً رئيساً في أن تفقد حماس معظم أصدقائها والمتعاطفين معها، وخاصةً فقداتها أو فتور علاقاتها إلى أدنى درجة مع دولة إيران، التي كانت داعماً مهمّاً ماديّاً ومعنوياً لها، وفي مقاومتها للاحتلال الصهيوني بشكلٍ رئيسي أيضاً، وكذا الحال بالنسبة إلى سوريا حيث كان الرئيس السوري "بشار الأسد" يضيّف مكاتب الحركة لديه ويعينها بجدّية، بصفة أن بلاده تقف على خط الممانعة على الأقل.
كما أن حركة فتح وبالتحديد "أبومازن" في حاجة إلى أن يظهر أمام المجتمع الدولي وإسرائيل بالذات، بأنه هو الذي يقود الشعب الفلسطيني كلّه وليس نصفه، كما هو شائع وكما هو الحال أيضاً، ومن جهةٍ أخرى لسحب البساط من تحت الأقدام الإسرائيلية، التي تداوم على التذرّع، بأن "أبومازن" منقسم على ذاته، وهو غير قادر على تنفيذ أي شيء في صالح اتفاقية سلام مع الجانب الإسرائيلي، وذلك بالاستناد إلى إصرار حماس أمام الجميع، على أن كل صفقة سيتم التوقيع عليها بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل لن تلزم الشعب الفلسطيني، بسبب أن الذين يفاوضون لا شرعية لهم ولا يمثلون الشعب الفلسطيني.
كما أن هناك الحاجة أيضاً، إلى الإثبات أمام المجتمع الغربي (الاتحاد الأوروبي- الولايات المتحدة) أن حركة فتح لا تزال تقود منظمة التحرير الفلسطينية وهي قادرة على قيادة الشعب الفلسطيني على طريق السلام، وقادرة أيضاً على المساهمة في استقرار المنطقة بشكلٍ عام. بالإضافة إلى أن هناك حاجة تشترك فيها الحركتين الاثنتين معاً، وهي الخطوات التكتيكية التي من المفترض أن تكون حاضرة لديهما وضمن مبادئهما وخطوطهما العريضة في مواجهة الاحتلال الصهيوني على نحوٍ خاص.
صحيح، ما تم نقله من أن المحادثة بين الرجلين كانت حميمية ودافئة، لكن الفلسطينيين خلال تلك المحادثة كانوا وبشدة يرتجفون، ليس بسبب إليسكا، ولكن بسبب أن أصابهم اليأس في هذا السبيل. وإذا كان هناك من يعتقد أن هناك اتفاقاً بدأ بالتشكل بينهما، يرمي إلى إنهاء الصراع الفلسطيني- الفلسطيني، فهم مخطئون، لأن الخلاف سيستمر حتى لو أصبح الاتفاق منتهياً وموقعاً عليه بالأحرف الأخيرة وبأحبار المسك والزعفران. وستستمر الحركتان في استخراج ألوان المناكفة من تغليط وتعنيف وإلقاء المسؤولية على بعضهما البعض، وسيواصلان عدم الانسجام، وستظلان تفتقدان للصبغة التضامنية، التي تعتبر من أهم أركان الوحدة، لا سيما في ضوء أن الكل يواجه احتلالاً قاسياً.
في أعقاب فوز حركة حماس بأغلبية مقاعد التشريعي في الانتخابات التي جرت في يناير/كانون الثاني 2006، تم الاتفاق بعد تجاذبات سياسية وكيدية غير محتملة، على تشكيل حكومة وحدة، لكن تلك الحكومة كانت غير متصلة، بسبب أن تواجدت عوازل إيديولوجية وشخصية شديدة، حالت دون الوصول إلى أي درجة من درجات التواصل لأجل إدارة المرحلة أمام إسرائيل، و لاحترام قرار الشعب الفلسطيني من جهةٍ أخرى، ولو إلى درجة الصفر المئوي على سلّم ميزان الدفء.
أيضاً فقد شهدت السنوات الثلاث الفائتة، توقيع الكثير من التفاهمات والاتفاقات هنا وفي الخارج لكنها أيضاً كانت غير قابلة للتطبيق، بسبب أن لكل تفاهم أو اتفاق يتم التوصل إليه معنيين وفهمين مختلفين لكلٍ منهما.
أحياناً تكون هناك اتصالات ولقاءات بين قادة في الحركتين لا يتم الكشف عنها فوراً، كالتي حصلت مؤخراً في العاصمة الدوحة بدولة قطر، بين رئيس مكتب الحركة "مشعل" والقيادي في حركة فتح "عزام الأحمد" فللوهلة الأولى تنطبع في أذهان الكثيرين من الفلسطينيين أن هناك مساعٍ جدّية لتسوية الأمور وإنهاء حالة الانقسام، وأنه يمكن إذا خلُصت نوايا الطرفين وفي الاستعداد لاتخاذ قرارات صعبة. أيضاً ما يتعلق بالتصريحات الليّنة المتبادلة التي تؤكّد استعدادهما لتنظيم حكومة الوحدة، لكن على ما يبدو، فإن إحراز شيء من تلك اللقاءات أو تلك الاستعدادات في هذه الاتجاه، بغض النظر عن مداومة الطرفين بأقصى ما لديهما من التلاسنات المختلفة من تخطيئ سلوك وتقبيح أفعال، لا يمكن تحقيقه بسهولة، أو في الوقت المنظور.
لكن، وعلى الرغم من درجة القنوط واليأس العالية من حصول نزهة لشخصين من فتح وحماس ولا يختلفان من أول لحظة، وإن كانا ينتميان لأسرةٍ واحدة، فإنني لا أرغب عن التخلّي عن فكرة حصول معجزةٍ ما، تأتي من السماء أو تنتفض من الأرض، بالرغم من أن الاعتقاد الراسخ، بأن عصر المعجزات قد انتهى منذ أزمان طويلة، لا سيما وأن هناك من لا يزالون يرغبون في التأكيد على قرب انهيار الكون وقيام الساعة.
وعلى أيّة حال، فإنه وحتى في حصول قوّة ضغط فصائلي وشعبي فلسطيني باتجاه الحركتين لإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة - مع ملاحظة فشل كل الضغوطات- فإنه لن يتبين أكثر من أن يُفضى ذلك الضغط، إلى إحراز تفاهمات حول كيف تدار الضفة الغربية؟ وكيف يُدار القطاع؟ وكيف تُدار العلاقة فيما بينهما، وستظل الأمور على أحمالها وإلى أجلٍ غير مسمّى. أمّا كيف تُدار فلسطين أرضاً وشعباً ومقدسات؟ فهذه الأمور متروكة فقط للمجهول. أرجو أن أكون مخطئاً.
-------
خانيونس/فلسطين
19/12/2013
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: