محمد عمر غرس الله - ليبيا / بريطانيا
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5224
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
نتيجة للتطور المأهول لتقنة الاتصال الحديثة عبر العالم، والتي جعلت العالم قرية كونية واحدة متواصلة 24 ساعة، حصل تغير ملاحظ في واقع المجتمعات ومسيرتها عبر تواصلها، وظهور قيم مشتركة ومتشابهة، وهذا واضح في البيئة العربية والتطورات التي تشهدها، فصار الفرد الانسان، والوحدة الاجتماعية الاسرة، ومن ورائها القبيلة، حالة متواصلة مع العالم، تتبادل معه الاراء والافكار والتطورات، رغما عن اي قيد، ذاتي او مكتسب سياسيا او اجتماعيا، فما هي القصة؟ و اين يمتد هذا التأثير؟ وما هي مظاهر ذلك؟
سنحاول أن نعرض جملة من هذه الاسئلة، تاركا للباحثين ومجال البحث التفصيل العميق عبر الابحاث المتخصصة والاكثر عمقا، وصدقية، وثبات.
تعد القبيلة وحدة اجتماعية قوية الترابط (عصبية)، وخاصة في المجتمع العربي، فهي ترابط شخصي واسري واجتماعي، يعد اقوى الحلقات تاربطا تأثيرا في مسيرة المجتمع العربي منذ القدم، حيث لا يوجد تأصيل قديم لمعنى الدولة ( Stat ) في المنطقة بمعناه المؤسساتي، رغم ان الجغرافية العربية شهدت تاريخيا دول عتيدة قبل الاسلام وبعده، الا إن القبيلة بقت حلقة قوية، ومتينة، ومؤثرة، وفاعلة حتى يومنا هذا في استقرار الدول، والنظام، وايضا عاملا مهما في سقوطه وتقويضه.
إن ما يثير هنا هو تعرض القبيلة للتواصل مع الاخر بطريقة غير مسبوقة؟ عبر ابنائها ذكورا وإناثا،والذي تطور حديثا بالمقارنة بما كان عليه التواصل في عصور سابقة، حيث يلاحظ عبر الشبكة العنكبوتية وخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي ظهور اطارين: الاول: إطار الفرد المستقل بذاته في التواصل مع الاخر، الثاني: إطار الفرد الاجتماعي عبر ارتباطه بمجموعات اخرى، عبر مجموعات متنوعة ومتخصصة.
بما يعني ظهور حالة قبلية ( قديمة) بالمعنى التلقليدي، ( جديدة ) بالمعنى الحديث لمجتمع جديد عبر الشبكة العنكبوتية، وهو ليس موضوعنا هنا بقدر ما يهمنا طرح سؤال تاثير الانترنت - كوسيلة تواصل مفتوحة مأهولة -على تلك الوحدة الاجتماعية ( القبيلة التقليدية) بمعناها وسماتها وتقاليدها، في عصر القرية الكونية الواحدة.
ان الاحصاءات الدورية تتحدث عن قفزة مأهولة في استخدام تقنية الاتصال الانترنت عبر المنطقة العربية، وازدادت بقوة مع مواقع التواصل الاجتماعي وهي في تصاعد ايضا مأهول وخاصة لدى الشباب الذي يشكل تقريبا اكثر من 65% من السكان، حيث تؤكد الدراسات مثلا إن مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في المنطقة العربية يصل إلى 45 مليون مستخدم حسبDigital Arab Media) )
وتفيد ( سلسلة (تقارير الإعلام الاجتماعي العربي). الذي يعده برنامج الحوكمة والابتكار في كلية دبي للإدارة الحكومية. أن عدد مستخدمي (فيسبوك) في المنطقة العربية ارتفع بواقع ثلاثة أضعاف منذ يونيو 2010. مشيرا إلى أن منصات الإعلام الاجتماعي (فيسبوك وتويتر ويوتيوب) تواصل دورها كوسائل تواصل رئيسية لأكثر من 12 بالمائة من السكان العرب. الذين يستخدمونها أساساً للتواصل ونشر المعلومات) هذا يشمل الاناث كفاعل متواصل عبر الشبكة العنكبوتية ( عضو او مستخدم له كل الحقوق بل واحيانا اكثر فعالية من الذكور)، عكس ما كان عليه كعنصر اجتماعي في اطار القبيلة التي كانت وفق عناصرها وسماتها القديمة المتوارثة تجعل الفعل الظاهر في المجتمع مرتبط بالذكور، وبالتراتبية الاجتماعية اكثر، وبسطوة القوة، او المال، او الجاه او السلطان...الخ
لقد كان كاستل ( Castells) قد تحدث في مجلداته الثلاثة عن عصر المعلوماتية، وايضا عن الهوية وتحدياتها مع تقنية الاتصال الحديثة عبر انتقال الانسان من عصر الصناعة الى عصر المعلومات، ولاحظ ما يسميه ازمة التخطيط ونوعية الحياة (Crisis planning، and the quality of life) )، حيث يقول ان التغيير الاجتماعي في مجتمع الشبكات اصبح احد السمات الجديدة وهو ما يعكس هيمنة ما يسميه الربط الشبكي عبر تبادل المعلومات.
اما برنار مييج (Bernard Miege)، احد اقطاب المدرسة الاعلامية الفرانكوفونية(GRESEC) ، يتحدث عن ما يسميه Mondes vecus))( World life ) في معرض دراسته ونقده لنظرية بورديو ( الفضاء الاجتماعي)
( L'espace social global )، والتي ربما ايضا تعني بتفسيرنا العربي اجتماعيا الفضاء الاجتماعي الجديد داخل القبيلة كوحدة اساسية داخل المجتمع، هذا الفضاء الذي اصبح اليوم يشكل عامل تساو بين الجنسين في التعامل والتعرض والابحار وبالتالي الفعل.
(Les technique de communication، donnent la possibilité d'activer les changments sociaux)
إن موضوع الانترنت والقبيلة عميق في المنطقة العربية اليوم ويطرح صورة جديدة لهذا (المكون الاجتماعي) في عصر الفضاء الاجتماعي،ويطرح سؤال التطور الاجتماعي تاريخيا منذ ابن خلدون ونظريته حول (العصبية وانحلالها) مرورا بهيجل الذي يرى ان الفكر هو سبب التغيير، وماركس الذي يرى ان المادة هي التي تغير،وتوينبي الذي يرى ان التغيير يحصل بالنشؤ والارتقاء وما بين فتراتهم من نظريات عديدة حاولت ان تعالج موضوع التغير الاجتماعي تارخيا وتقدم تفسيرات نظرية له، منها من رأى إن التغيير يحصل بالقوة والسطوة، واخرى رأت الدين والقدر هو من يغير الاوضاع، رغم إن الله تعالى يقول في محكم كتابه (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ))[الرعد:11.
إن سؤال الانترنت وتأثيره اليوم ربما يتم عبر الأثير على النفس البشرية بالتواصل مع الاخر، وهو يتم من خلال وجود افراد بشكل متساوي داخل هذا القضاء المأهول، هؤلاء الافراد هم الذكور والاناث، بالاظافة الى صورة القبيلة في عصر لا تعمل فيه العصبية بعناصرها القديمة بل تعرضت للتداخل والتعرض لعناصر جديدة تنزع نحو المدنية والتواصل مع الاخر عبر نظام اجتماعي افتراضي جديد سماته متعددة متوالدة يوميا بشكل مأهول عبر توسع حيث (الاسم الوهمي والافتراضي) وحيث التحدث بحرية وبدون قيود، حيث التعرض للاخر من افكار وصور وتحليلات وافكار وروابط هي في الاصل احد اهم مكونات الشخصية الفردية وبالتالي الاجتماعية، خاصة مع ارتفاع ملحوظ في ساعات استخدام الانترنت عبر العمل والدراسة وقضاء الاوقات، والتي تضع الفرد من القبيلة في جو مجتمع جديد اكثر حرية وتنقل وتفاعل ومعلوماتي واستفادة.
فهل يمكن لنا ان نتحدث عن تطور اجتماعي بفعل تقنية الاتصال الحديثة للواقع القبلي في المنطقة العربية، رغم ان هذا الواقع يوصف بانه غير مادي بقدر ما هو معنوي في العقلية العصبية، حيث كان قد حدد ابن خلدون في مقدمته الشهيرة تفصيلا عن فعل العصبية في المجتمع وقيام الدولة وتأثير العصبية القبلية فيها خاصة في معرض حديثه عن العمران في مقدمته الشهيرة، وهل نعرف تغير اجتماعي في سلوك الفرد وبالتالي المجتمع عبر وحدته الاساسية الاسرة والقبيلة وبالتالي المجتمع، في مساءل ومظاهر بقت عبر حقب طويلة فاعلة في الحياة اليومية، ام إن القبيلة ومظهريتها وسماتها القديمة الفعلية ستصمد وتتأقلم مع العصر العولمي الذي يبدو انه يجتاح تلك الزوايا المظلمة في حياة المجتمعات وسلوكيات الافراد وتفكيرهم عبر بث قيم جديدة، حيث كان كاستل ( Castells) في مجلده الثاني قد تحدث عما يسميه شبكات المقاومة الجتماعية (grassrooted networks of communal resistance ).
إن الحرية، والديمقراطية، والتعلم والتعرف على الاخر، والتواصل معه صارت عبر تقنية الاتصال الحديثة الانترنت مسائل شخصية للذكر والانثى، وبالتساوي، وصارت قيم العيب والعار بتفسيراته القبلية القديمة، مرفوضة ويمكن تجاوزها والقفز عليها من جيل الانترنت اليوم، وبالتالي تنشاء قيم جديدة بل ومتضادة مع القديمة، حيث صار العيب والعار والنقيصة هي ان تبقى خارج اطار التواصل مع الاخر، بل صار الانترنت اليوم احد اهم عناصر البيت بل ونحرص على وجودها، وهو احد ميزات الموجودة بالهاتف النقال الذي صار عند الجدات قبل الحفيدات، وصار احد وسائل التعليم الحديثة التي تعني الحياة بمعناها الكامل.
إن ظاهرة الانترنت والقبيلة مطروح بقوة في المجتمع العربي اليوم، خاصة وإن الدواخل العربية تدخل عصر التواصل تدريجيا عبر اتساع نطاق استخدام تقنية الاتصال الحديثة بالثورة الرقمية التي تتجه نحو السهولة والبساطة في متناول اليد في اي مكان، فهل هذا التطور الجديد يغير معنى المشيخة، ومعنى التراتبية الاجتماعية، ومعنى الوجاهة، والمعرفة واحتكارها، وبالتالي القيم العصبية، والمفاخرة التي لم تغادر السلوك القبلي عربيا منذ عصور سحيقة، ونرى بعض مظاهرها اليوم عبر الكثير من الصفحات، والسلوكيات، ام إن تمظهرا اجتماعيا قبليا يمتص الموجة ويركبها ويستمر بنفس خصائصه القديمة ولو بصور عصرية، ذلكم سيبقى سؤالا معلقا يلهم الباحثين في الاطار الانساني الاجتماعية وعلاقته بمحيطه وعصره واساليبه، ليثري به طلاب العلم مسيرة الانسان الذي خلقه الله تعالى في احسن تقويم.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: