محمد عمر غرس الله - ليبيا / بريطانيا
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4910
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
ليس جديدا في عالم الأطماع والنهب أن تخطط الدول الكبرى لتنهب الشعوب الصغيرة، فقد رأينا إحتلال العراق من طرف الولايات المتحدة وبريطانيا جهاراً نهاراً والعالم يصرخ، ولم يبال ذلك التحالف بالإنسانية والقيم، وكذلك الذي حصل لليبيا ولكن بشكل وطريقة أخرى، وبتخطيط دولي مبكر، نهب وينهب فيها {البلد الصغير الغني جدا}، مستخدماً }ظروف الإختناقات المحلية} شماعة لتدخله، ومستخدماً دول عربية ـ للأسف ـ مساندة، غطت وتغطي ما يحدث في ليبيا اليوم، إنها لعبة الأوطان التي على النظام السياسي في أي بلد أن يحسن لعبها، بعدم الإنزلاق خارج الحدود مما يعرض الوطن للخطر والأطماع، وليعبر الأزمات، عبر توازي في تحصين الداخل أمنياً، وتنموياً، وموسساتياً، ، لأن الأخر ـ المتربص في عالم اللعبة الدولية ـ لا يرحم وطنك حينما تسنح له الفرصة.
إن ما حدث في ليبيا بالنسبة للعبة الدولية، لم يكن فقط مجرد هبة مفاجئة حصلت عام 2011 كما يعتقد البعض، بل كان عملاً محكم الإعداد تم مبكراً عبر خطوط متوازية في دائرة متكاملة كمنظومة عمل، نُسجت حول ليبيا، كانت أحداها ـ وهي موضوعنا هنا ـ تعمل عبر {خمسة زعماء دوليين} إستهدفوا ليبيا والقذافي شخصياً في عملية {تنويم في العسل}، فمالذي حصل؟ ومن عمل ومهد في ذلك من الزعماء، ومالذي أحدث الفرق بين {النمودج السوري والنموذج الليبي}، وأين نجحوا هنا ولم ينجحوا هناك؟، دعونا نرى ذلك بشيء من التفاصيل
لا يمكن لأحد أن ينكر إن القذافي عاش معظم حياته السياسية مخاصماً للغرب يثأر من الإستعمار في كل خطوة خطاها، {حتى وهو في أحسن علاقاته معهم} لكن رغم ذلك، ومع نهاية الألفية الجديدة وتصفية قضية لوكربي، بدأ وكأنه قد تخلص من عبئ تلك الخصومات وأتجه نحو علاقات إنفتاح مع إيطاليا، ثم بريطانيا وإميركا، وهكذا بقية الدول {ذلك يحتاج مساحة خاصة أخرى للشرح والتفصيل}، المهم إن الزعماء الغربيين تقاطروا جميعا نحو خيمة القذافي مع بدء الألفية الجديدة، ونسجت علاقات قوية معهم، بل إن القذافي زار أهم العواصم الأوروبية، ووصل حتى نيويورك إلى مبنى الأمم المتحدة، وقال هناك ما يريد مدافعاً عن المضلومين في العالم.
ومع تصاعد التنافس الغربي الإقتصادي والدولي ولعبة النفوذ مع الصين وروسيا والسباق على الموارد والنفط تحديداً، بالتوازي مع وصول {صديقي ساركزوي كما يسميه القذافي} للإليزيه وإستيقاظ الإمبريالية الفرنسية على خسارتها لجزء من {الكعكة العراقية}، وإتجاه ساركزوي هذا إلى واشنطن وعقد صفقة المستقبل إنشئت على إثرها ما عرف {باللجنة البريطانية الفرنسية} التي عملت على {الموضوع الليبي} ولربما الإقليم كله {سايكس بيكو جديد} بالتوازي مع التغيرات الجيوإستراتيجية في المنطقة، لكن ما يهمنا هنا بشكل خاص ومركز كيف تم {تنويم القذافي في العسل؟} حيث نسجت حوله حلقة سياسية من شخصيات عربية ودولية منسقة لم تتركه 24 ساعة بدون تواصل، كانت تعمل لتغطية التمهيد وتفخيخ الأرض للضربة القاسمة لليبيا عام 2011، وهكذا شكلت حلقة من مجموعة من السياسيين الدولين بعمل منسق حول تكونت من:
1: توني بلير: لا يخفى على الليبيين زيارات بلير المتكررة لطرابلس والتي كانت أكثر حميمة في شكل صداقة وود ظاهر بين القذافي وبلير هذا الأمر وصل إلى أن صرح سيف الإسلام القذافي {إن بلير هذا مستشاراً للعائلة}، الأمر المستغرب كيف يمكن أن يكون رئيس وزراء بريطانيا العظمى {الذي دمر العراق} الذي نعرف، مستشارة لعائلة القذافي {المخاصم للغرب إستراتيجياً}، بل إن معلومات متواترة تقول إن "صفقة إستراتيجية عقد بين الرجيلين تتعلق بالكثير من القضايا المهمة ومنها ما يتعلق بليبيا ومستقبلها {مشروع ليبيا الغد}" ، ولم يكن ذلك إلا احد خطوات التمهيد، وأحد أهم خطوط اللجنة البريطانية الفرنسية التي عملت ولازالت تعمل على الملف الليبي والربيع العربي برمته، وكان بلير هذا أخطر ممن عمل على الملف الليبي.
2: حمد بن خليفة ال ثاني: يعرف الليبيون جيداً مدى علاقة الود بين القذافي وحمد بن خليفة، حيث لم تخلو نشرة أخبار يومية بدون خبر إتصال {قطري ليبي} أو زيارة و محادثات و لقاءات، ووصل حبل الود هذا الى المشاركة التامة في قضايا إقليمية وإفريقية، بل إن القذافي غض النظر عن توظيف أغلب نشطا المعارضة الليبية في {الديوان الليبي القطري}، وإيضاً مجموعات معتبرة من {الإعلاميين الليبيين الشباب} صاروا يتقاطرون على الدوحة للدورات الإعلامية،بل إن الذين أطلق سراحهم من الجماعة الليبية المقاتلة {عبد الحكيم بالحاج مثلاً} ذهبوا للإقامة في الدوحة، كما إن {علي الصلابي} مستشار سيف الإسلام القذافي وعراب {ليبيا الغد} نفسه يقيم بشكل دائم في الدوحة أيضاً، وهولاء جميعا كان لهم الدور الكبير في الأحداث عام 2011 كذراع قطري، وهكذا صارت الجزيرة أكثر وداً مع السياسة الليبية بل وعملت حتى كمنبرا لها وللقاءات القذافي نفسه أينما حدثت، وهكذا أصبح حمد بن خليفة الذي {إنقلب حتى على أبيه} مصدر ثقة وتنسيق وثيق، بل وأيضا يوظف المعارضة الليبية في ديوانه الأميري بما له من معنى؟، ويعرف الليبيون اليوم جيداً تفاصيل الدور القطري في ليبيا.
3: خوان كارلوس ملك إسبانيا: كان بهدؤه المعهود دائم التواصل هاتفياً مع القذافي بل إنه بدا وكانه يستشير أو يشير في الكثير من القضايا المشتركة، وكان هدف ذلك هو إيهام القذافي بتنسيق الغرب معه في قضايا الإقليم والقارة الإفريقية تحديداً، وهو يوحي كخط إطمئنان كان يعمل في نفس المنظومة، من خلال ذلك بطريقة ما إلى الدور المحوري للقذافي المعترف به غربياً ، هذا وكان الإسبان مثلاً هم من قدم أهم المعلومات على الدفاعات الجوية الليبية وتفاصيلها التي إستفاد منها الناتو في حملته الشهيرة على ليبيا عام 2011.
4: بيرلسكوني: كانت العلاقات الليبية الإيطاية مهمة لدرجة كبيرة خاصة بالنظر للخطوة التاريخية الغير مسبوقة المتمثلة في الإعتذار الإيطالي لليبيا عن مرحلة الإستعمار، وزيارة القذافي لروما وطريقتها وما حصل فيها من {رمزية كان القذافي حريصا على كل تفاصيلها} بل إن رئيس وزراء إيطالية هذا، {قبل على الملاء يد القدافي} والتي أُعتبرت في ليبيا والمنطقة العربية {قمة الإخضاع والرمزية التاريخية} وهو في {جانبه الوطني إنجاز تاريخي}، أعطى من جهة اخرى إطمئنان تام ووهم بحلحلة الوضع مع أُوروبا، والذي إتضح لاحقاً إنه لم يكن سوى عملاً مبرمجاً ومقصوداً {أنظر تكليف الحكومة الإيطالية لجامعة بودوفا بإعادة دراسة الوضع الإجتماعي في ليبيا 1996} حيث كانت إيطاليا من أوئل الدول التي نزلت على الشواطئ الليبية وتواصلت مع المجلس الإنتقالي عام 2011 ، ويعرف المطلعين إن الملف الليبي الذي تديره اللجنة البريطانية الفرنسية مودع في الخزانة الإيطالية.
5 رجب طيب اردوغان: كانت العلاقات الليبية التركية {تركيا الرئيس الدوري لحلف الناتو عام 2011} في أحسن أحولها، بل إن أردوغان هذا الذي كان يبدوا صاغراً أمام شخصية القذافي ـ القوية ـ كان يضمن للشركات التركية حصة كبرى من المشاريع الليبية، وصل الأمر إلى إن الشركات التركية كانت تقوم بخدمات {المناولة والخدمات} في أغلب المؤتمرات التي تعقد في ليبيا، ووصل الود مع أردوغان أن منح القذافي أردوغان ـ هذا ـ جائزة القذافي للتنمية في شهر اكتوبر 2010، كل ذلك كان عملاً منسقاً بالتوازي مع اخرين، حيث كان لتركيا الدور المبكر جداً والأكبر والاسبق في دعم العمليات في ليبيا.
كانت هذه الدائرة من خمس سياسيين دوليين قد شكلت {طوق دولي} توهم القذافي إنه لب ومركز العملية السياسية الإقليمية، مستندة على الدور الإقليمي الذي يلعبه بجدارة في أفريقيا تحديداً، والذاتية المميزة في {سمة القذافي الشخصية}، والتي يبدو إن الغرب بمؤسساته البحثية القوية قد بنى عليها لعبته في عملية {تطمين ليبيا} بينما اللعبة على الأرض تتم بقوة تمهد للحظة الحاسمة التي كان من الواضح إن القذافي نفسه لم يشعر بها رغم ما تم من استعدادت وأضحة جلية تمثلت في إجتماعات اللجنة البريطانية الفرنسية المتكررة، وأيضاً المناورة القتالية التي نفذتها قوة اليوروفورس في البحر المتوسط منتصف عام 2010 وهي التي نفذت في ليبيا مارس 2011 ، وتهريب المسماري ـ المهم معلوماتياً ـ كأخر خطوة قبل إشتعال الأحداث، ومحطة التصنت الكبرى جنوب تونس العاصمة والتي كانت متخصصة في تتبع إتصالات القيادة الليبية حسب المصادر الفرنسية، وكذلك زيارة ضباط المخابرات الفرنسية لبنغازي في شكل رؤساء شركات فرنسية، وما يؤكد ذلك هو التصرف الليبي منذ بدء الأحداث في تونس حيث يلخص الحالة الليبية السياسية وإطمئنانها التام ـ للغرب وحلفاءه العرب ـ الجملة الشهيرة للقذافي يوم 21 فبراير 2011 في تساؤله الموجه للقطريين{ لماذا يا خوتنا في قطر؟}، وأيضاً يؤكدها إتصال سيف الإسلام القذافي بمدير قناة الجزيرة {وضاح خنفر} متسائلاً هل قناة الجزيرة تعد نفسها لحملة ضد ليبيا {كان قمة في السذاجة السياسية وعدم فهم غابة اللعبة}، وكذلك في مخاطبة القذافي نفسه لساركوزي وبرلسكوني بوصفه لهم { ياصديقي البائس ......} لقد كان الأمر مفاجاً تماماً للقذافي ـ الذي كان مطمئناً للغاية رغم انه يعرف بفطنته وذكائه ـ ومفاجأً لليبيا، التي إستيقظت على عمل شامل وضخم إعلاميا وسياسياً وعربيا ودولياً، إعتمد على الحراك المحلي واحتقاناته الحقيقية.
هذا أيضا ما حصل تحديداً لبشار الأسد وسوريا ولكن بصورة أخرى وهدف أخر، كانت أيضا محاولة تامة {لتنويمه في العسل والإغراء} وحلحة الحلف الإستراتيجي مع إيران وحزب الله، والعلاقة مع روسيا، الذي تشكل فيه سوريا العمود الفقري، حيث لعب أردوغان أيضا دوراً كبيراً في ذلك ووصل الأمر إلى علاقات عائلية بين عائلة الأسد وأردوغان وزيارات حميمة كان أخرها في ديسمبر 2009 كانت بعد شهرين من زيارة {الرئيس عبد الله غول} لدمشق، كما تم إغراء الإسد بمبلغ { 30 مليار دولار} عرضها عليه عبد الله بن زايد ال نهيان وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة بشرط فك الإرتباط مع حزب الله، كما إن الملك عبد الله بن عبد العزيز نفسه جاء لدمشق بطائرته في اكتوبر 2009 وظهر التسويق لعلاقة استراتيجية، لكن رد فعل الأسد حيال كل ذلك كان تمتين علاقاته بروسيا وإيران وحزب الله بل إنه ذهب أبعد من ذلك باللقاء الشهير والتاريخي في بداية عام 2010 والذي جمع الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله والأسد والرئيس الإيراني احمدي نجاد، وقال الأسد بالحرف الواحد في حفل العشاء "وصلتنا رسالة تطلب منا الإبتعاد عن حلفاءنا حزب الله وإيران ويبدو إننا فهمنا الرسالة خطاء فها نحن نلتقي هنا"، ولاحقاً لم تقم بالأتصال بالجزيرة لتفادي حملة إعلامية كما فعل سيف الإسلام القذافي، بل وزعت الحكومة السورية سريعا وبكثافة هوائيات التقاط بث التلفزيون السوري على التردد الإرضي، وهكذا بما هي عليه من سياسة وتماسك نظام كانت سوريا أكثر يقضة وبهدؤ تام فاجأت الغرب ومخططاته واستراتيجياته ولاعبيه، بصمود نظام، وجيش، وشعب.
تلكم كانت أحد اهم الأعمال التي تمت لنهب الكعكة الليبية {ولسوريا} أيضاً في عالم لا يعرف الصداقات ولا الأبعاد الأخلاقية في الحصول على الموارد والإماكانيات، وأيضا لا يسمح للأمم الصغير بالنهوض إلا في مجال إستراتيجياته، لقد كانت أضخم {عملية تنويم في العسل} يتعرض لها زعيم سياسي وتتعرض لها بلد صغير، غير إن ثمة شيئ صنع الفرق بين {ليبيا وسوريا} {لابد من ملاحظته} تمثل في طبيعة النظام السياسي،ووجود مؤسسة عسكرية متماسكة، ووجود موسسات تقدر الأخطار الإستراتيجية وتحسبها، والقدرة والنجاح في نسج علاقة إستراتيجية مع دول أخرى {روسيا ـ الصين ـ إيران}، وأيضا بشكل موضوعي ثمة فروق أخرى تتعلق بالثأر من القذافي، وأخرى لا يتسع المجال هنا لتفصيلها تتعلق بالجغرافيا والديموغرافيا والنفط إيضاً.
----------------
محمد عمر غرس الله
كاتب ليبي مقيم في بريطانيا
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: