سيد السباعي - دبي
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6118
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
جماعة الاخوان المسلمين في سورية هي من المجموعات الاسلامية العريقة والتي تأسست في عام 1945، حيث كان الشيخ الدكتور / مصطفى السباعي رحمة الله عليه أول مراقب عام لها في سورية ولبنان، والذي شهد لـه أعداؤه قبل أصدقاءه بأنه كان عبقريّة فــذّة - خطيباً مفـوّهـاً - عالماً جليلاً - سياسيّاً مُحنّكاً، وداعية من نوعٍ فريد. ولم يعرف عنه ميوعة المواقف أو المهادنة أو المواربة، بل كان يدعو بقوة لبناء سورية كدولة مدنية ديموقراطية.
خلفه بعض القيادات في الجماعة انتهجوا نهجاً يعتمد على السرية والكتمان من مبدأ ( واستعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان )، حيث كان لهذا النهج ضروراته الأمنية والسياسية بسبب وضع أعضاء الجماعة المطاردين في سورية وخارجها، والذي وصل لحـد أصدر فيه حافظ الأسد القانون رقم 49 الشهير والقاضي باعدام كل منتسب لجماعة الاخوان المسلمين.
ويبدو أن القيادات الحالية للجماعة لم تستوعب بعد ماهية ثورة 15 آذار 2011، وأنها أم الثورات جميعاً، والتي لن تغير وجه سورية فحسب، ولا وجه المنطقة، بل ستغير وجـه وسياسات الكثير من دول العالم. كما يبدو انه لازالت تحيط بهم أفكار السنوات الماضية.. المتراكمة، من خوف ووجل زرعته سنوات المطاردة والتخفي، فلازالوا ينتهجون السرية في اعمالهم. وربما يكون سبب ذلك أنها اضحت السياسة والنهج العام، او ربما أنها أصبحت عادة وجزءً من الكينونة، وغدت أسلوب حياة ومعيشة لايستطيعون تغييرها.
خرج عن هذه السياسة أو (العادة) القيادي في الجماعة ملهم الدروبي في تصريحاته لجريدة الشرق الاوسط عن «تشكيل الإخوان ومنذ نحو 3 أشهر لكتائب مسلحة في الداخل السوري مهمتها الدفاع عن النفس وتأمين الحماية للمظلومين» مشدداً على أن «هذا حق مشروع وواجب شرعي يشرّف الجميع»، وبالرغم من تأكيده أن «هذه الكتائب تابعة للجيش الحر وتتعاون وتنسق معه»، إلا أن هذه التصريحات قوبلت بالاستنكار من القيادات العليا للجماعة، ووصلت لحد نفي صحتها واعتبارها تصريحات شخصية ولاتمثل الجماعة...!!!
قد نستطيع تفهم نفي الجماعة سابقا ً لأي عمل او خبر بالرغم من صحته، وذلك لغايات سياسية أو بسبب الخوف من العواقب المحتملة، أما أن تنفي الجماعة عملا ً ثورياً واجباً على الجميع فعله بدعم الجيش الحر، وتعاملها مع الموضوع باستحياء وكأنها جريمة أو معيبة، فهذا الذي لايمكن تفهمه، وصل للحد الذي جعل الدروبي يؤكد انه يعلن ما يرى في اعلانه مصلحة للثورة و لا يتوقف عند المصلحة الحزبية الضيقة...
ولا أجد مبررات لهذا النفي إلا أن يكون لاخفاء أعمال الخير، وحتى لاتعلم يسارك ما انفقت يمينك...!!! أو ان السبب في ذلك يعود للسياسة الضيقة التي فهمتها القيادة بشكل خاطئ ولم تستوعب بعد دروس ثورتنا المباركة. فقد تعلمنا في صغرنا أن الاثم هو: ماحاك في نفسك وخفت ان يطلع عليه الناس.. ولا أرى شرفـًاً يعادل الذود عن النفس والارض والعرض، فلا يكون الذنب بدعم الجيش الحر..!! فمن جهز غازياً فقد غزا، وانما الخطيئة والذنب الذي لا يغتفر يكون في حال دعم وتشكيل كتائب خاصة لأغراض تأتي لاحقـًاً للثورة.
دأبت قيادات الجماعة على التنصل من أي فعل او قول صدر عنها او عن احد أعضائها أو المقربين منها في حال واجه ذلك احتجاجًاً من الاخرين، وذلك بالقول أن الفاعل ليس منا... للخروج من الاحراج الذي تسبب فيه.
تسعفني ذاكرتي بما كان يحدث معنا في الصغر حين كنا نحضر الدروس الدينية لدى شيوخنا في السعودية وكنت أستغرب حينما يُطلب منا بعد نهاية الدرس أن نخرج على دفعات درءًاً لاثارة الشبهات...!!! ولم أستطع للآن تفهم هذه السياسة...!!!
فنحن لانفعل الخطأ بل على العكس فاننا نتدارس ديننا الحنيف وعلى أرض الحرمين الشريفين التي تنشر العلوم الدينية وتشجعها... فلم نستحي ونخاف من أن يعلم الآخرون بذلك...!!!
كذلك أستغرب التصريحات المهينة بحق الشعب السوري باعتبار أراضي لواء اسكندرون المحتلة أرضًاً ليست سورية وليس من حقنا المطالبة فيها...!!!
فما هكذا تكون السياسة ياسادة... وماهكذا تورد الابل، فقد نقبل القول بأن هذه القضية تالية ً مع الكثير من القضايا المؤجلة لحين اسقاط النظام، وان التركيز الان على تحرير البلد من عصابة الاسد..، أما نفيها بالكلية فنعجب منه.
ولازلت أذكر ذلك الشيخ الجليل المقرب من قيادات الجماعة والذي جلس يحدثني عن سياسات الاخوان في السنوات العشرون الأخيرة، وكيف ذرفت عيونه الدمع من ألم يعتصر قلبه رغم صلابة الرجل قائلاً عنهم: بأنهم فوتوا فرصًاً عظيمة لاستقطاب الجماهير للدين والالتزام ولنشر الحركة الاسلامية... بشكل أكبر وأوسع... بل كان من الافعال ما نفــّر الكثيرين.
إن على قيادات جماعة الاخوان المسلمين في سورية إعادة النظر في سياساتهم، والتعلم من شباب الثورة، فالانسان يبقى يتعلم طوال حياته - حتى من الطفل الصغير - والى ان يتوفاه الله. العالم من حولنـا تطور وتغير، وأضحى الحصول على المعلومة سهل المنال، فبضغطة زر يستطيع الانسان العادي ( غير المثـقف ) أن يلج عبر شاشة صغيرة الى أرجاء المعمورة ليعرف كل مايجري حوله. وإن كانت الجماعة تبني بيد فلا ينبغي أن تهدم مابنته باليد الأخرى، وينبغي أن نعلم أن الشفافية والمصداقية هي أساس السياسة لسورية المستقبل، وشرط أساسي للحصول على تأييد الشعب السوري.
لقــد خسرت الجماعة الكثير من مؤيديها في السنوات الماضية في الوقت الذي يفترض أن تكتسب شعبية أكبر، ومن الخطأ الاعتقاد أن ماتقدمه الجماعة من معونات للاجئين والمحتاجين هو ما سيجلب الشعبية والدعم والتأييد، لأن الغالبية العظمى من شعبنا تعلم أن من يجمع الأموال ما هو إلا مؤتمن عليها يجمعها من دافعيها لتسليمها لمستحقيها... بل ربما يجلب الحنق على نفسه من الشعب إن كان يصرفها على مجموعات دون أخرى.