البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

قراءة في الاستقطاب الثقافي السياسي في تونس

كاتب المقال د - المولدي اليوسفي - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 9624


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


نعلم أن العصيان الذي واجه به الشارع التونسي السلطة، لم يكن عند انطلاقه مؤطرا من فاعل سياسي، و إنما كان شعبيا عبر بعفوية عن أن الشعب لم يعد قادرا على تحمل فساد السلطة.

سارعت القيادات الوسطى في الاتحاد العام التونسي للشغل لمساندته و هذا تقليد نقابي تونسي. ثم برز المحامون ليلعبوا دورا مهما. و بدأت بعض العناصر المعروفة في الأطياف السياسية تنزل للشارع.
أما السلطة فقد كان الاضطراب مسيطرا عليها خاصة بعد أن اشتد الشك و التخوين بين أركانها وكل منهم يعلم أن "صديقه" أخون منه و يجمع بينهم تصورهم للشعب على انه يركّع بأقل جهد قمعي مطمئنين لتعوده الرضوخ، و هو ما يعني ان لم يكن في دوائرها من يحظى بأدنى قدر من الثقة لدى الشارع.
كما فقد هذا الأخير الثقة بالنخبة خاصة بعد أن أنهت السلطة، في العشريتين الأخيرتين، دور النخبة كقوة ناقدة للنظام على يد ابرز أبنائها الذين مجدوا "حاكم البلاد" و برروا الجلد و مدحوا الرضوخ.
قد يقال أنهم فعلوا ذلك لما أغدقه عليهم "الحاكم" و هو أمر لا يخلو من منطق التزام الخادم بمصلحة مولاه، إلا أن هذا لا ينفي قراءة أخرى يكشفها التأمل في تاريخ المشهد السياسي منذ نهاية القرن التاسع عشر، إذ نكتشف فريقين رئيسيين الفرق بينهما المرجعية الفكرية- الوجدانية. قسم كان فكره و وجدانه متصلان بالداخل بما فيه مع الوعي بضرورة التطوير مستنيرة بفكر ما سمي عندها بالنهضة التي عرفها العالم العربي الإسلامي. أما القسم الثاني فقد بهر بالغرب و جرى خلف الحداثة بتواصله مع الخارج في علاقة ينظمها منطق المغلوب المولع بتقليد الغالب.

و مع مرور الأيام زاد كل منهما تطرفا و لم يتفطن الاثنان، إلى كونهما خارج الواقع الاجتماعي. فأصحاب التوجه الأول يعيشون على وقع خطاب عمر ابن الخطاب غافلين عن قانون تبدل الأحوال، و أصحاب التوجه الثاني ينظرون من خلال شوارع أوروبا غافلين عن العوارض الذاتية و طبائع العمران كخصائص اجتماعية ظنا منهم أن الحداثة تعني القطع مع الهوية. لهذا لم تنجح، في ثقافتنا العربية إلى الآن، الدولة الوطنية في بلورة الهوية الوطنية و عجز ت عن إنجاز مشروع سياسي يهيمن على الوعي الجماعي فيشغله عن مشروع الماضي و يدمجه في مشروع حداثة.

لقد ظلت هناك قطيعة بين مجالين " مجال النخب " [ بشقيه] و مجال المجتمع بمختلف مكوناته. لم يتمكن المجال الأول من إنتاج مشروع سياسي تلتف حوله جل مكونات المجال الثاني. كما لم تحسم مسألة العلاقة بالماضي و لم يتمكن أي من التيارين من الهيمنة و فرض اختياراته ليجبر الآخر على الانطواء و لو إلى حين.

قطعت التجربة البورقيبية في تونس شوطا في هذا الاتجاه لكن العقلية السياسية لم تكن بالنضج الكافي كما أن حملة المشروع سرعان ما ذهبت جهودهم لما دونه كالتناحر حول خلافة "الزعيم" و على المناصب و المآثر ثم صار الزعيم هو المشروع فصار رئيسا مدى الحياة و ظلل على المشروع لأن المشروع المجتمعي يستدعي الحوار و إقناع الناس بأطروحاته لا إقناعهم بوجوب بقاء الزعيم مدى الحياة و هي السبب الرئيسي في انقسام النخبة السياسية إلى موالية همها ما تقطف، و معارضة لو وصلت إلى السلطة لمارست ما تعيبه على ماسكي السلطة، و هو ما تأكد مع فترة وريث بورقيبة عندما رأينا جامعيين كانوا من معارضي الرئيس الأول يتفانون في مدح وريثه و برروا ذلك بدفع السلطة إلى سحق خصمهم اللدود ( الإسلاميون) و صار ذلك همهم إلى درجة معاداة الهوية ( تجفيف المنابع) لعلاقتها بالإسلاميين، في حين كانت أخلاق العمل السياسي تستدعي القبول بهذا التيار و تطوير أطروحات فكرية للرد عليه و لكن عجزهم عن ذلك جعلهم يفضلون الحل الأمني فشجعوا السلطة على ذلك.

بعد تدحرج صنم الفساد نجد جناحي النخبة من جديد على الساحة القطرية في تونس، و قد برز في الجناح الأول أغلبية طورت أطروحاتها الفكرية للتماشى و الحالة العمرانية التي نعيشها مع بروز شق آخر يعارضها بشدة، و نجد الجناح الثاني و قد طور جزء منه أطروحاته للتأقلم مع الحالة العمرانية في حين تحصنت أغلبيته ببقايا السلطة و الانخراط في منظومة الغرب، و هو بذلك يقطع مع مساحة الهوية و يتفنن في المواراة و افتعال القضايا لإرباك خصمه إذ لم يعد أمامه السلطة التي يتعامل معها لسحق مخالفه. فراحوا "يستغبون" الشعب و يخوفونه من الجيش و من النهضة و كأنهم يريدون من الجيش أن يكون رمزيا في مكان التجمع الذي مثل في انتخابات 1989 القوة التي وقفت في وجه النهضة و هذا طرح خاطئ منهجا و مضمونا و نتيجة.
أما من حيث المنهج فالجيش لا يوازي أي حزب و هذا أول ما يؤمن به المدافعون عن المجتمع المدني و قيمته و قيمه. أما مضمونا فإن النهضة حزب سياسي قد نختلف و قد نتفق معه و في الحالتين لا يجوز إلا أن نعارضه أو نسانده، أما التخويف منه فهذا لا يتوافق مع الدعوة للديمقراطية و ممارستها، كما أن الجيش التونسي لا يمكن أن يتمسك بالسلطة و هذا أمر يعلمه كل المهتمين بالشأن السياسي التونسي، و هم يعلمون أن من الغباء مقارنة الجيش التونسي بالجيش الجزائري أو التركي أو الباكستاني ( و هذه الجيوش الثلاثة مختلف كل منهم عن الآخر).

و بالنتيجة فإن هذا الطرح يستغبي الشعب التونسي، و لكن لنعلم أن هذا الشعب صار له من الوعي ما يحصنه من الانسياق وراء من لا يحترم ذكاءه، و بالمقابل اطمأنت النهضة لحجم اتباعها سنة 1989 و التعويل على منطق التظلم و استثمار معاناتها في العشريتين الماضيتين و هذا حساب غير مأمون العاقبة خاصة و أن النهضة كمعاديها سخرت جهدها للتحاصص مع بقية الأحزاب و اقتسام الشعب كمجموعة أصوات عوض أن تتمترس مع الشعب للدفاع عن مطالبه.

-----------
المولدي اليوسفي
دكتور علم اجتماع
أستاذ مساعد بالجامعة التونسية


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة التونسية، النخب الفكرية، النخب المثقة، تغريب، تبعية، حركة النهضة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 2-08-2011  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د. عبد الآله المالكي، د - الضاوي خوالدية، د.محمد فتحي عبد العال، عبد الله الفقير، سلوى المغربي، سفيان عبد الكافي، محمد الطرابلسي، ماهر عدنان قنديل، رمضان حينوني، د. ضرغام عبد الله الدباغ، عواطف منصور، إيمى الأشقر، د- محمد رحال، طارق خفاجي، محمد أحمد عزوز، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، عبد الله زيدان، صلاح المختار، خالد الجاف ، يزيد بن الحسين، محمد اسعد بيوض التميمي، رشيد السيد أحمد، فوزي مسعود ، إياد محمود حسين ، صلاح الحريري، محمد شمام ، حسن عثمان، فهمي شراب، خبَّاب بن مروان الحمد، د- محمود علي عريقات، أشرف إبراهيم حجاج، أحمد النعيمي، حسن الطرابلسي، صالح النعامي ، فتحي الزغل، د - عادل رضا، سعود السبعاني، د. مصطفى يوسف اللداوي، عبد الغني مزوز، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، حميدة الطيلوش، منجي باكير، د. كاظم عبد الحسين عباس ، أحمد ملحم، ضحى عبد الرحمن، محرر "بوابتي"، حاتم الصولي، د - شاكر الحوكي ، د - محمد بن موسى الشريف ، جاسم الرصيف، صفاء العراقي، سيد السباعي، محمد عمر غرس الله، رافع القارصي، مراد قميزة، د - صالح المازقي، نادية سعد، مصطفى منيغ، عمار غيلوفي، أحمد بوادي، علي عبد العال، د - مصطفى فهمي، عبد الرزاق قيراط ، عبد العزيز كحيل، رضا الدبّابي، أنس الشابي، رحاب اسعد بيوض التميمي، أ.د. مصطفى رجب، إسراء أبو رمان، محمود فاروق سيد شعبان، محمود طرشوبي، د. خالد الطراولي ، بيلسان قيصر، المولدي اليوسفي، كريم فارق، فتحـي قاره بيبـان، العادل السمعلي، د. أحمد بشير، د - محمد بنيعيش، سامر أبو رمان ، تونسي، عمر غازي، محمود سلطان، محمد علي العقربي، مجدى داود، سليمان أحمد أبو ستة، المولدي الفرجاني، طلال قسومي، عراق المطيري، عزيز العرباوي، د. صلاح عودة الله ، صباح الموسوي ، الهادي المثلوثي، ياسين أحمد، محمد الياسين، أحمد بن عبد المحسن العساف ، علي الكاش، وائل بنجدو، حسني إبراهيم عبد العظيم، د- هاني ابوالفتوح، يحيي البوليني، محمد العيادي، د. عادل محمد عايش الأسطل، فتحي العابد، د. أحمد محمد سليمان، صفاء العربي، رافد العزاوي، سلام الشماع، الهيثم زعفان، مصطفي زهران، الناصر الرقيق، د. طارق عبد الحليم، أحمد الحباسي، أبو سمية، كريم السليتي، محمد يحي، سامح لطف الله، د - المنجي الكعبي، د- جابر قميحة،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة

سياسة الخصوصية
سياسة استعمال الكعكات / كوكيز