أحمد بوادي
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 17022
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
مخطئ من ظن أن إقامة الشرع تخرج من رحم الثورات التي تنادي بالحريات، ومخطئ من ظن أنها البديل لسبيل المؤمنين أو أنها الطريق إلى المنهج السليم، فراية الحق عندما يحمل لواءها من ليس أهلا لها ستغدو رايات عمياء تصبغ بألوان الهوى والشهوات.
من قال أن الحق ينصره الباطل وهو المجادل لدحضه، ومن زعم أن راية الحق ترفعها عصابات الباطل وهي من تخاصمه.
فإن كان ولا بد من المناداة لهذه الثورات فلا بد وأن تكون راياتها من أجل دين الله ليتحقق أمنهم وإيمانهم، وشرع الله كفيل بضمان معيشتهم الطيبة وحياتهم الآمنة
وظلم الشخص في نفسه، وقهره في ماله، وذله في أهله، وهدر كرامته لا يعطيه الحق أن يكون وصيا على غيره إن انتصر على من ظلمه ، فيضع لهم أنظمة ودساتير تتلائم مع شهواته وهواه ، بل من شكر الله أن يستجيب لأمر ربه بعد أن خلصه من الظلم فيحكم شرعه.
قد تدال دول بهؤلاء بعد نصر الله لهم ، لكن لا سبيل إلى وصولهم للمنهج الرباني وهم يرفعون الرايات الحزبية، والمناداة بالديمقراطية، والمطالبة بالحرية.
فدولة الإسلام لن يقيمها ثورة رغيف خبز إن لم تكن من أجل دين الله وشرعه، ولا يظن أحد أن الثورة في سبيل البطالة هي من سيغلق الخمارات والسهر بالليالي الحمراء، وليست هي من ستمنع النساء على أن لا يخرجن متبرجات سافرات، ولن تقف حائلا لعريهن في المسابح وعلى الشواطئ، ولن تغلق بسببها قنوات الغناء والرقص والعهر والمجون، هذا إن لم تكن تلكم الثورات الحافز والمشجع الرئيس لتلك الموبقات
عندما تصبح الحرية والديمقراطية دين الشعب ودستوره لتكون بديلا عن الجهاد.
وعندما تسقط الشعوب الثائرة الأنظمة المستبدة، من أجل البطالة ورغيف الخبز، والقائمون عليها خليط من الناس مشاربهم شتى يتراضون غير حكم الله، فسنعود من حيث بدأنا . ولو قامت على أيد هؤلاء فلا بد حينئذ وأن تكون دولة على غرار بني بويه ولا بد لهم حينئذ من سلاجقة جدد .
و مما ينبغي علينا فهمه ومعرفته مما حصل في مصر وتونس إنما هو من وعد الله لعباده المظلومين
والمقهورين لنصرهم على من ظلمهم وربنا الرحمن ينصر الكافر على من ظلمه، وإن كان مسلما فما بالكم إن كان المظلوم هو المسلم، وهو درس وعظة وعبرة للظالمين ليعودوا عن ظلمهم وبغيهم، وهو نصر للمظلوم ليشكر الله على فضله.
وهذا ما يجب علينا فهمه لا أن نجعل من هذا النصر طريق التمكين بالأرض ونحن ندعوها دستورية نتنة على غير هدى وشرع من دين الله وتقاعس عن نصرة دينه وأوليائه.
فليست هذه الثورات وأهلها من يعيد لنا فلسطين وليست هي من يحل مقام الجهاد والمجاهدين ويطرد المحتلين والمتآمرين في أفغانستان والعراق والصومال ، …..،
وراياتها لقمة العيش والقضاء على البطالة، وهم غارقون بالشهوات واتباع الأهواء والبعد عن الجهاد في سبيل الله.
وليس المنتحر الذي توعده الله بالنار من يرفع راية التوحيد وهو يحرق نفسه من أجل لقمة العيش ليكون عند السذج والهمج الرعاع شهيدا عوضا عن المجاهد الذي يقاتل في سبيل الله من أجل عزة الدين ورفع راية التوحيد وقد وعده الله بالجنة، وهم يعدونه إرهابيا.
فدين الله شأنه عظيم ولن يرفع رايته إلا الصادقون ممن أحبوا في الله وأبغضوا فيه بكتاب يهدي وسيف ينصر: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}
وقال صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم : "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين .
ولا تزال عصابة من المسلمين يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم ، إلى يوم القيامة "
ثورة تونس ومصر فجرت بانتحار شخص أثر تراكمات قهرية، وكم انتحر بعده وكم انتحر قبله
وكم من ظلم واضطهاد وقهر وقع على البلاد والعباد، لم يحصل شيء.
فالأحداث التي تغير من وجه التاريخ وتكون نقاط تغير وتحول تكرارها نادر وما حصل في تونس ومصر أو ما قد سيحصل في غيرها خارج عن المألوف ونصر من الله اختص به هذه البلاد والشعوب في هذا الزمان، ولولا لطف الله بهم لقتل عشرات الآلاف بل ولأبيد نصف الشعب ولم يتزحزح الحاكم عن ملكه. وانظروا إن شئتم لغيرهم من البلاد الإسلامية وما حصل فيها من قمع وكم فيها من ظلم وتسلط وجبروت،
وهو أشبه ما يكون بالأحداث التاريخية الكبيرة والعظيمة التي لا تتكرر إلا بعد مضي من الزمن، أو قد لا تتكرر أصلا حتى الأحداث الخارجة عن قدرة الشعوب.
انظروا كم من الزلازل حدثت ولم يكن عندنا إلا تسونامي واحد بعد مضي زمن بعيد، وانظروا كم من التفجيرات حصلت فلم يكن عندنا إلا سبتمبر واحدة.
معركة بدر غيرت وجه التاريخ وكانت نقطة تحول بين الحق والباطل، وغيرت الموازين طاشت بسببها قوى الباطل والجبروت، لكن هل توقفت الأمور عندها وهل حسمت المعارك وانتهت الأمور، أم أنها عملت على تغير الآراء والأفكار والمعتقدات بعدما أجفلت القلوب المتكبرة، ونصرت أصحاب القلوب المنكسرة حتى كانت الشرارة التي أوقدت النار على أهل الباطل، والشمعة التي تنير الظلام لأهل الحق ليسيروا بخطى ثابتة ومتيقنة من نصر الله
فالذي اسقط جحافل الكفر في بدر قادر على أن يسقط الأضعف منهم، والذي اسقط أبراج أمريكا سقوط صغار مبانيها أهون لديه، والذي خلع شين العابدين بظلمه وحسني بجبروته لن يعجزه خلع من هو أقل ظلما أوأعظم جبروتا.
لكن الله أسقط هيبتهم ليصغر شأنهم في أعين الناس، وليعرف الخلق عظمة الحق سبحانه وتعالى
وليرفعوا عنهم غبار الذل والهوان ويعملوا على نصرة دينه وأوليائه، بعد أن ذل أهل الباطل وعزّ أهل الحق ولتستغل هذه الأحداث لمصلحة أنفسهم.
فأحداث كهذه لا يجوز لنا أن نقف عندها أو ننتظر شبيها لها بل يجب استغلال أحداثها وتداعياتها
بالوجه الصحيح والسليم لاستثمار الفرص وتحقيق نتائج مرضية بالطرق السليمة والصحيحة.
وعلى العلماء والدعاة استغلال الحدث ونصح الأمة لتوظيف الأمر بما يخدم الإسلام والمسلمين، ولتنبيههم على وجوب رفع راية الإسلام في هذه الثورات ولا يكن هم دعاتنا مجرد التوقف عن بيان الحكم الشرعي وانشغالهم في الخلاف لأن هذه الثورات وليدة تراكمات عديدة وظلم واضطهاد، لا تنتظر الشعوب حكما شرعيا فيه لأنها تكون تلقائية لا إرادية بسبب الظلم والقهر الواقع عليهم من أصحاب التسلط والجوع فينشأ الجهل والضعف و التخلف.
يقول صاحب التاريخ الإسلامي محمود شاكر الدمشقي وهو يتحدث عن الوضع المتأزم أبان الحكم المستبد في تسلط الأمراء والجنود والقادة على البلاد والعباد في الدولة العباسية الثانية وممن جاء بعدهم:
" ويكمن الخطر والسوء في الحكم العسكري في العلاقات القائمة بين الناس فعندما يكون الجند طرفا ويقع خلاف بين الجانبين يكون فرق بين خصمين يحمل أحدهما السلاح ويسكت العقل مرغما فتنعدم الحرية ويقع الجور ويتم كبت الفكر ويحدث للناس الذل : فيكرهون المتسلطين وتكون المفاصلة بين المسؤولين والرعية، ولكن لا يمكن للسكان أن يظهروا ذلك وإنما يكون سرا، وتتأخر البلاد اجتماعيا، كما تتأخر اقتصاديا إذ يحرص الطغاة على الإفادة من وضعهم فيجمعون ما يمكنه جمعه، ناهيك عن أعمال السلب والنهب والتعديات التي يقوم بها العسكريون وأتباعهم سواء كان طريقهم مباشرة أم عن طريق جندهم والذين يقلدونهم أيضا، ويقل الإنتاج لأن السكان يهملون ذلك كي لا يتعرضوا للنهب أو الدفع أو الطغيان، وتضعف المعنويات فلا يمكن للناس أن يقاتلوا، فباسم من يقاتلون ؟ ولمن يحاربون ؟ ولمن يحاربون ؟ ولماذا يسيرون " التاريخ الإسلامي 6 / 15
وعليه فالواجب على الدعاة والعلماء قبل مناقشة الحكم الشرعي في أمر قد انقضى، أن يعملوا على تصحيح الأخطاء وتسييرها بالوجه الذي يتماشى مع الشرع ويخدم مصلحته، ولا يتركوا الأمر للباطل وأهله يكيدون للإسلام مستغلين هذه الثورات وسرقتها لتوظيفها لمخططاتهم وأغراضهم. لا بد لهم من كلمة حق ترفع فيها راية التوحيد والسنة ولتسمعوا أصواتكم للناس حتى لا يكون رغيف الخبز عندهم أعظم من دين الله وتحكيم شرع ربهم وحتى لا يقبلوابديلا عنه.
فلا بد من تحويل مسار هذه الثورات إلى هذا الطريق، لا بد من استثمار الوقت وبذل الجهد والرد على الدعوات التي تؤيد وتناصر اختيار الشعب مهما كان لترده خائبا خاسرا .
فمتى يتكلم دعاتنا وعلماء المسلمين لنصرة قضايا أمتهم ودين ربهم لا يداهنون ولا يحابون ولا يرقعون أو يتزلفون.
متى يكونوا سراة الأمة وسراجها وحصنها المتين لتصلح بهم أحوالها، ولا يكن مواقفهم كقول الشاعر :
وما أنا إلا من غزية إن غوت … غويت ، وإن ترشد غزية أرشد
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:
5-03-2011 / 10:21:04 تونسي