صدق النية لايكفي في تقييم الفعل: المولعون بمصطلح "المثقف العضوي"
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 265 محور: المفكر التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
أصحاب النيّات الطيبة ممن نُؤْتى من قِبَلِهم، هؤلاء جماعة منا لكنهم يسيئون لنا من حيث أرادوا فعلا حسنا
لايكفي تقييم صوابية الفعل بنية صاحبه وإنما علينا تقييم الفعل من خارجه لننظر في أي اتجاه يمضي وفي أي أفق يدور
فالفواعل المفكرة (النّخب، الكتاب...) ذوو الهوى الإسلامي أو ما يقربه، ممن يتنادون لاعتماد تصورات تقول بمصطلح "المثقف العضوي"، إنما يسيئون لنا ولمن ينوون الدفاع عنهم ويجرحون مايقصدون حمايته، فتكون نيتهم الطيبة مَسْربا يقودوننا من خلاله لحيث يريد المغالب العقدي
سبب ذلك أن مصطلح "المثقف العضوي" تفصيل فكري من تصور يتخذ التفسير المادي للوجود أداة منهحية يفهم من خلالها الواقع أنه تدافعات مادية وهو عموم ماتقوله الماركسية وتفريعاتها ومنها تصور المفكر منتج مصطلح "المثقف العضوي" الذي اتخذه التّبّع اليساريون التونسيون نموذجا، ثم وافقهم في ذلك الفواعل ذوو الهوى الإسلامي
وهو كله فهم يتخذ المركزية الغربية مرجعا ويعتقد بقيم كونية موحدة، مما يجعل اعتماد هذا المصطلح قبولا ضمنيا بالمركزية الغربية في بعض مساحاتها
فأنت إذن بهذه الاستعارة الاصطلاحية تدفع وترفض بعضا من المركزية الغربية باعتماد بعضها الآخر، ولكنك أبقيتنا تبّعا للغير في نهاية المطاف
وهكذا يتحول ضيق الأفق الفكري لهؤلاء الفواعل المفكرة رغم حسن نيتهم لمجهود إلحاقي بالمغالب العقدي وهو المركزية الغربية
والذين يقولون بالقيم الكونية ووحدانيتها، إنما هم يروجون لمقولات المركزية الغربية وادعاءاتها، بينما الحقيقة أنه لاتوجد قيم كونية مشتركة إلا في الدلالة اللفظية، أي يوجد اشتراك في المفهوم وليس في معنى المفهوم الذي هو بالضرورة خاضع لمجال مفاهيمي مشتق من مركزية عقدية ما
ولما كانت الأفعال البشرية ترتكز على المعنى وليس على المفهوم، فإن الاشتراك المحتمل يجب أن يكون حول معنى المفهوم، ولما كان ذلك لايمكن إلا في مساحة دلالية متفق على معاني المفاهيم داخلها، كان نتيجة ذلك استحالة وجود قيم كونية مشتركة لتعدد المرجعيات العقدية الفكرية المولدة لمعاني المفاهيم (*)
فتكون من أثر هذا أن التصورات القائلة بوحدانية القيم عالميا مجرد كلام فاسد يعكس تشوشا ذهنيا وأن دفاع هؤلاء عنها يحولهم لعناصر مروجة للإلحاق بالآخر المغالب
الحقيقة أن هؤلاء الكتاب عينات لفعل الاقتلاع الذهني الذي مضي ويمضي منذ عقود مستعملا أدوات التشكيل الذهني وخاصة في مستوى الجامعات، مما نتج عنه تفريخ أمثال هؤلاء، فيكون أقصى أفقهم المفهومي ما يرددونه كما نرى، فإن هم رفضوا الغرب فإنهم يرفضونه باستعمال أدوات وبمسطرة بعض الغرب الآخر
أي أنهم حُبسوا في مساحة لاتخرج من التصور الغربي ومرجعيته
لكل هذا فإنه يجب إعادة النظر في التأسيسات الأولى التي أوجدت تونس، وإعادة بنائها لإنهاء مجهود تفريخ الفواعل المنهزمة ممن ينتمي إلينا ظاهرا لكنه ممثل للغير المغالب حقيقة
--------
(*) ينظر لعشرات المقالات حول الفرق بين المفهوم والمعنى، وفساد تصور وحدانية القيم الكونية، بموقع "بوابتي"، تحديدا محوري:
"مقالات في المعنى"، "المفكر التابع"
https://www.myportail.com/articles_myportail_facebook.php