البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
 
 
 
 
تصفح باقي إدراجات محرر بوابتي
مقالات فوزي مسعود على الفايسبوك

التحكم في التعريفات كأداة لضبط المعاني وصناعة الفرد التابع: نموذج تعريف الفن

كاتب المقال فوزي مسعود - تونس   
 المشاهدات: 1047
 محور:  مقالات في المعنى

 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


منظومة التوجيه الذهني تتحرك في مستوى اللاماديات للتأثير على تصورات الأفراد وتصييرهم تبعا إمعات، وهي تستعمل آليات عديدة أهمها التحكم في معاني المفاهيم كما رأينا من قبل (1)، لكنها تستعمل آلية أخرى وهي التحكم في تعريف الموجودات مما يتيح بعدها ملىء المفاهيم بأي معاني تخدم سادة الواقع، في حين أنه لا يصح أساسا تعريف الموجودات اللامادية وكل ما يقع في هذا المستوى إنما هي أعمال تحكمية، وهذا موضوع البحث الحالي

-----------------------------
تعريف الفن كمدخل للتحكم في المعاني من خلال إنشائها

بغرض فهم الإشكالية المطروحة، لننظر للحفلات الترفيهية بالمهرجانات التي تثير كل مرة لغطا حول ما يأتيه من يوصف بأنهم فنانون، حيث يرى البعض تلك الأعمال فنا بينما يراها آخرون انحطاطا وترويجا للانحرافات والإلحاق بالغير الثقافي والعقدي

طيب، لماذا لم يقع اتفاق في الحكم على محتوى تلك الحفلات، لماذا هذا الاختلاف الكبير والحال أن تلك الأنشطة لو عرضناها على ظاهر المقياس المتفق عليه وهو الإسلام لكانت أنشطة انحرافية ستصنف كعملية إشاعة للفاحشة، لماذا لم يحصل هذا الاتفاق

التفسير انه وقع إدخال مفهوم وسيط وهو الفن يمكن من خلاله تجاوز ما تمنعه العقيدة الإسلامية، فالفن بهذا المعنى مفهوم أنتج معاني تغالب معاني أخرى ويتاح من خلاله السماح بأنشطة معينة لم تكن متاحة، لأن الفن في هذا السياق مفهوم يأخذ معانيه من مجال مفاهيمي موازي للمجال الذي تنتجه العقيدة الضابطة التي في حالنا الإسلام ولا يأخذ مفاهيمه من داخلها، نحن في وضع إنشاء مجال موازي للمفاهيم والمعاني لما هو متفق عليه لدى الناس

إذن الفن أداة وظيفية للتأثير في الواقع، والفن بهذه الزاوية مفهوم ذو معاني غير متفق عليها ابتداء انتجها المختفي وراء مصطلح الفن حينما أستعمله لمواجهة رافضي نشاطه (تذكروا حفلات الافتتاحات بمهرجانات قرطاج المتنوعة وعروض التعري والدعوات للشذوذ الجنسي)

إذن نحن في حالة تكوين لمجال مفاهيمي جديد موازي تم من خلال إيجاد تعريف طرف ما لمفهوم الفن حسب معاني يراها هو فقط لا يشاطره غيره فيها، فهو حينما يواجه رافضيه يستند لتلك المعاني التي قدّت من عنده ويعتمد عليها كمبرر لتجاوزاته التي يراها معارضوه غير أخلاقية مثلا

وهذا الذي يأتي من عنده بتعريفات للفن ويحشوه بمعاني غير متفق عليها، إنما يفعل ذلك ويمضي فيه باطمئنان لأنه لا يخرق مفهوما متفقا عليه و إنما يتحرك فيما هو مفتوح من حيث المعنى، إنه يتحرك في مجال مفاهيمي يتحكم فيه هو ذاته ابتداء، وهو يتحكم في المفهوم من خلال ضخ وتصفيف معانيه، فهو عمل تحكمي ذاتي وليس بتحكم غيره في معاني مفهوم الفن بأولى من تحكمه هو، إذ معاني المفهوم مطلقا تتساوى في الترجيحات وليس يوجد في التعريف الأولي للمفهوم ضوابط ترجح معاني عن غيرها، فالذي يقول ذلك النشاط إشاعة للفاحشة ليس بأولى من الذي يقول إنه نشاط يرتقي بالذوق، لأن كل منهما يعتمد على مفهوم للفن ارتضاه ضابطا وسار عليه

بحيث أن كل من الرافض والمرحب بتلك "الأنشطة الفنية" يستند لمرجحات تقوي تبريراته، و لا يوجد مرجح عقلي يجعل الطرف الآخر مرجوحا، ولن يحل الإشكال أبدا مادام بهذا التناول المفاهيمي، طيب، لماذا ؟

--------------------------------------
التعريف التحكمي للفن سبب الخلافات

أصل الإشكال يوجد في مستوى تعريف الفن، الفن كمفهوم الكل تقريبا يقبله (لنقل على الأقل الطرفين المتعارضين في حالتنا) لكن معاني ذلك المفهوم ماهي تحديداً ؟

هنا يقع تحديد معاني مفهوم الفن ليس كما رأينا في البحوث السابقة من خلال منتجي المفاهيم أي بتحريف المعاني التي يقوم بها الإعلام والمتحدثون بالإسلام، وإنما من خلال إيجاد مفهوم جديد له، فيأتي أحدهم ويقوا لك أن الانحرافات الأخلاقية حينما تكون فيها شرط كذا وكذا فهي فن ويجب أن لا تقيمها بالمقياس الأخلاقي، تقول له لماذا، لا يستطيع أن يرد عليك بما يقنع ويكتفي بالقول أن الفن لا يقبل بالأخلاق وأحكامها، أو ما شابهه من التقريرات الذاتية التي تأخذ معناها إلا في مجال و خيال قائلها.

جيد، ماذا يعني هذا ؟
هذا يعني أننا إزاء إنشاء تعريف لمفهوم الفن، نحن في حالة إيحاد التعريف الذي لا يقصد به فقط إنشاء معاني المفهوم بل ضبط حدود المفهوم

و لما كانت معاني الموجودات تمثل محتويات أوعيتها أي مفاهيمها، ولما كانت المفاهيم تفاصيل ولواحق عن حدودها التي تضبطها، فإن التعريفات التي تكون معانيها وحدودها غير ثابتة، تعتبر تعريفات غير قياسية و محرد عمل تحكمي قام به منتج التعريف و لا يلزمه إلا هو

---------------------------------------
تعريف اللاماديات عمل مستحيل، وهو إن وقع فهو مدخل للتحكم في المعاني

لكن ما هو السبب الذي يجعل التصرف في التعريفات ممكنا وعملا سائبا، لماذا لا يوجد اتفاق في تعريف الموجودات بالضرورة العقلية ؟

الحقيقة أن الأفكار التي قلناها سابقا تنطبق فقط على نوع واحد من الموجودات وهي الموجودات اللامادية، و مايلي التفسير

التعريفات أما تتعلق بالموجودات المادية أو الموجودات اللامادية،. الموجودات يمكن أن تكون موجودات موضوعية واقعية أو موجودات ذهنية فقط

بالنسبة للموجودات المادية فإن تعريفها يصح عقلا و لا يطرح إشكالا منطقيا، فتعريف الموجود المادي، أمر لاحق عن ذلك الموجود، ثم إن المفهوم الذي سيقع صياغته سيأخذ معانيه من موجود مادي متاح أمام منشئ المفهوم و لا إشكال في ذلك هنا، ليكن ذلك الموجود كتابا، فمن سيضع تعريفه سينطلق من موجود أمامه وسيكون إنشاء التعريف مضبوط الحدود ومضبوط المعنى و لايمكن الانحراف في هذه المهمة

لذلك فان وضع تعريف الموجودات المادية لا يطرح أي مشكلة و لاخطر من ورائه ولايمكن التلاعب بالتعريف و لا بالمعنى

بالنسبة للموجودات اللامادية، توجد مشكلة منطقية وهي انه أساسا لا يصح عقلا وضع التعريفات للموجودات اللامادية، و إن وضعت فهي ليست تعريفات قياسية و إنما عملية تحكمية نسبية ذاتية، وهذا كان وسيكون دائما مصدر الاختلاف والخلافات
لماذا وكيف يقع هذا ؟

تعريف الموجود أمر لاحق عن ذلك الموجود، فمن سيعرف الفن يلزم أن يكون عارفا بالفن، لكن نحن ننظر في التعريف لنفهم الفن ومادام الفن غير مفهوم ولا يتم ذلك الا بالنظر في التعريف، فهذا يصير مستحيلا لأنه تعريف مجهول بمجهول أي أنه يؤدي للدور كما يقول الفلاسفة

ستقول لي لماذا كان التعريف في حالة الكتاب ممكنا، الجواب أن الذي سيقوم بتعريف الكتاب له أمامه نموذج موجود مادي يمثل الحقيقة الموضوعية للمفهوم وسيكتفي بوضع التعريف، بينما في اللاماديات فإنه لا توجد حقيقة موضوعية يستطيع نقلها مباشرة، ما يحصل من تعريفات في حالة اللاماديات هو تحكم في المعنى، فالذي ينشئ مفهوما لموجود لامادي يأخذ مرجعا مفهوميا من عنده وينطلق منه بإنشاء مفهوم وضخ معانيه

إذن فتعريف الموجودات اللامادية عملية فاسدة لا تصح عقلا، وأما ما وجد من تعريفات للاماديات فهي تحكمات ستكون مصدرا للخلافات وكل يضع حدود التعريف ومحتوى معانيه حسبما تمليه عليه خلفيته العقدية وظروف واقعه

يجب القول أن تعريف اللاماديات تعد من أهم مصادر تكريس واقعنا البائس، فهي تعريفات وظيفية تيسر عمل أدوات التحكم في الأفراد وتحويلهم لتبع إمعات، من خلال ضخ المعاني المستحدثة التي تسرع في إخضاع الناس عن طريق إنشاء تعريفات جديدة للفن وللدين وللكرامة وللوطنية ولغيرها من المفاهيم اللامادية، ولا يمكن منع ذلك واقصى ما يمكن فعله الدخول في جدل عبثي لا يغير الواقع وإنما يكرسه لأن نقاشك الرافض يتحرك في مستوى الكلام وهو غير مستوى الفعل الذي يتحرك فيه ممارسو تلك الأنشطة بالواقع

إضافة للفن كنموذج للتعريفات اللامادية الوظيفية، يمكن ذكر أن اللاماديات تستعمل بكثرة كمدخل لزرع الفوضى الذهنية، منها مصطلحات الأيديولوجيا، التي تتوزع تعريفاتها من طرف لضده وهذا أحد مداخل الفوضى الفكرية التي تديم تبعيتنا للمركزية الغربية، والحال أنه كان يمكن إلغاء استعمال هذا المصطلح أصلا والاتفاق (مسار تحكمي لإنشاء تعريف لأنه لن يكون إلا كذلك) على مصطلح عربي كالعقيدة الممارسة أو الفكرة المنزّلة واقعا

-------
(1) ينظر للمقالات:
الفرد الإمعي التابع والبحث عن المعنى
https://myportail.com/articles_myportail_facebook.php?id=10279

طبقات المعنى والمفهوم والأداة: التحكم الذهني في الفرد التابع
https://myportail.com/articles_myportail_facebook.php?id=10283

فقر المعنى لدى الفرد التابع سبب عمليات التحكم بالواقع
https://myportail.com/articles_myportail_facebook.php?id=10285



 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

فايسبوك،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 30-08-2022  


تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك
شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
مقالات فوزي مسعود على الفايسبوك حسب المحاور
اضغط على اسم المحور للإطلاع على مقالاته

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء