علي الكاش - العراق / النرويج
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 3406
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لا يخفى على أي فرد له إلمام بالقانون الدولي والعلاقات الدولية ان يدرك بوضوح ان مكانة الدولة وهيبتها في المجتمع الدولي تنعكس بشكل مباشر أو غير مباشر على العلاقات الدبلوماسية للدولة مع بقية الدول والمنظمات الدولية. الدول القوية والمتطورة لها علاقات دبلوماسية تتناسب طرديا مع مقدار قوتها وتطورها، والعكس صحيح، وأحد المؤشرات الدولية على قوة ومكانه الدولة هو قوة صوتها في الأمم المتحدة وتأثيرها الدولي الإقليمي، وقوة وتوسع تحالفاتها الدولية، ومستوى تطورها التقني والعلمي والثقافي والعسكري وحتى الرياضي، علاوة على قوة إقتصادها وتنوعه، وقوة عملتها وفاعلية جواز سفرها ومؤشرات أخرى تفتقر اليها جميعا حكومة دولة القانون.
بعد الإحتلال الأمريكي الغاشم للعراق وتسليم العراق من قبل دولة الإستكبار العالمي الى ملالي إيران على طبق يطفو على دماء العراقيين، عمل القيادات الجديدة بجد لا مثل له على سلخ العراق من محيطه العربي ودفعه بتجاه نظام الملالي الحاكم في إيران، وصار العراق واقعا عاصمة للفرس رغم أنف الجميع رضوا او رفضوا بهذه الحقيقة الواضحة كالشمس في رابعة النهار. العراق إبتدءا من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة وغيرهم، الجميع يشيدون بدور إيران في إستقرار العراق وأمنه المزعوم، ولا يخجلوا ـ ومن أي لمن باع شرفه الخجل ـ من التصريح علانية بمناسبة أو بدون مناسبة والإشادة بالدور الإيراني في العراق، ولا أحد يجهل ان هذا الدور الشرير الذي لا يزيد على تفقيس الميليشيات يوميا وإستحداث الجديد منها، وولائها جميعا لولي الفقيه. شيعة السلطة وجحوش أهل السنة وجحوش الأكراد في السلطات الثلاث جميعا خواتم في أصابع الملالي يديرونهم متى وكيفما شاءوا.
هادي العامري زعيم فيلق بدر، ربيب الحرس الثوري الإيراني الذي إدعى كذبا بأنه حلٌ الجناح العسكري وتحول الفيلق الى منظمة مدنية وانضم على أساس هذا الزعم الى مجلس النواب، تبين انه خلال الفترات الماضية كان مستمرا في تدريب أعضاء منظمته على السلاح في معسكرات إيرانية، ويكدس السلاح والذخيرة في معظم أحياء العراق المكتظة بالسكان لهدف خطير سيتوضح لاحقا. لذا لم يكن غريبا ان يصرح بكل وقاحة بأن فيلقه صار أقوى من القوات المسلحة العراقية! بالطبع لا أحد من الحكومة يجرأ بالرد عليه، لأنه رجل الجنرال سليماني في العراق مع توأمه في العمالة ابو مهدي المهندس. هذه هي الحكومة الملائكية التي يتبجح بها وزير الخارجية العراقي الحملة دار إبراهيم الجعفري، ويتفاخر بدولته المعوقة على المنابر العربية والدولية مع إبتسامات ساخرة من قبل الوفود على إدعاءاته الرعناء.
عندما تجتاح المنطقة أزمة ما، فأن وزير الخارجية العراقي لا يستطيع أن يطلق أي تصريح دون مشاورة السفير الإيراني في العراق وتسلم التوجيهات منه، وفي حال عدم وجود السفير يتسلم الجعفري الأوامر من الشخص الثاني في السفارة الإيرانية، وهذا ما يجب أن يعرفة وزراء الخارجية العرب والسفراء العرب والأجانب المعتمدون في العراق. على السفراء المعتمدين في دولة القانون ممن يواجهون صعوبه ما في عملهم في العراق ان يخاطبوا أو يتوسطوا السفير الإيراني في العراق دون الحاجة الى مفاتحة وزارة الجعفري إختصارا في الوقت والجهد، لأن الجعفري بدوره سيأخذ التوجيهات من السفير الإيراني، فلماذا اللف والدوران وكتابنا وكتابكم والمصب واحد أن أزمة السفير السعودي السبهان لم تخرج عن هذا الإطار، فموقف العراق من الجارة الشقيقة هو نفس موقف إيران من السعودية تماما، ونسأل أي كان ممن يعارض هذا الرأي، ان يقدم لنا موقفا واحدا خالف فيه العراق توجهات نظام الملالي تجاه السعودية أو غيرها من القضايا ذات العلاقة، وهذا يعني ان مصدر التوجيهات واحد.
لم يَدلِ السبهان أي تصريحات تخالف واقع الحال في العراق، وان كانت تصريحاته ضد المالكي شديدة فإنها هي ردة فعل طبيعية عندما اتهم المالكي السعودية بالإرهاب، مطالبا بالوصاية الدولية على المملكة، ومن حق السفير بإعتباره يمثل جلالة الملك ان يدرأ التهمة ويدافع عن بلده ضد الهجمات الفارسية الطعم والرائحة، سيما ان السعودية تعرضت مرارا وتكرارا الى عمليات الإرهابية وقدمت ضحايا في الأشخاص والممتلكات بسبب الإرهاب، في حين لم تتعرض ايران الى اية عملية إرهابية منذ إحتلال العراق ولغاية الآن! الذي يحارب الإرهاب ويموله لا يمكن ان يكون ضحيته، بل هو بمنأى عن الإرهاب، هكذا يقول المنطق، واللبيب يفهم الإشارة.
في موقف مثير للسخرية والتهكم أعلن ما يسمى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي خلال مؤتمر صحافي في بغداد بعد اختتام اجتماع مجلس الحكومة’ انه لم يكن له علم بطلب وزارة الخارجية العراقية استبدال السفير السعودي في بغداد ولم تبلغه بذلك وانما سمع به من الاعلام’!
الحقيقة ان رئيس الوزراء ـ على عماه ـ أكد بما لا يقبل الشك أن وزارة الخارجية العراقية لا تأخذ برأيه في موضوع يدخل في صلب واجباته، لأن السفير يمثل رئيس الدولة، ويفترض أن يكون مصدر قرار إبعاده كشخص غير مرغوب به هو رئيس الوزراء وليس وزير الخارجية، وزارة الخارجة جهة تنفيذية تنفذ القرار ولا تصدره، من حق الوزارة أن تقترح على الحكومة ولكن ليس من حقها أن تتخذ أي قرار بمنأى عن موافقة رئيس الحكومة، لكن المصيبة ثنائية! لا رئيس الوزراء يعرف صلاحياته، ولا وزير الخارجية يعرف صلاحيته.
من المؤكد أن العبادي لا يعرف بأن الجعفري أصدر جوازات سفر دبلوماسية لقيادات في الحرس الثوري تحت غطاْ إداء مراسم الحج، علاوة على إصدار وزارة الداخلية (ترأسها منظمة بدر) مئات الجوازات العراقية لأعضاء المخابرات الإيرانية كحجاج! هل هذا الفعل أو الجريمة بقوة تصريحات السبهان؟
ربٌ سائل: على أي أساس إتخذ الجعفري هذا القرار دون علم رئيس الوزراء؟
الجواب: أن الجعفري رجع الى رئيسه الحقيقي السفير الإيراني في العراق وليس غلى رئيسه في الظل العبادي، بل أن الجعفري بإعتباره زعيم حزب الدعوة، والعبادي مجرد نفر في الحزب، يرى الجعفري نفسه أكبر من أن يسأل النفر العبادي عن أي قرار يتخذه. ربما مارد القمقم أهم بكثير من العبادي عند وزير الشفافية. لذلك لا غرابة في أن يهبط الإداء الدبلوماسي الى الحضيض في العهدين الزيباري والجعفري، ولا قيمة للعراق كدولة على الصعيد العربي والدولي، بل ان سفراء العراق في الخارج صاروا إضحوكة كوزيرهم الجعفري في الدول المعتمدين بها.
يشكوا بعض السفراء من عدم إحترام وزارة الخارجية لهم، والتعامل معهم بفوقية على العكس من السفراء العرب والأفارقة. حدثني سفير في أحد الدول الأوربية بأنه يشعر يالأسى على طريقة تعامل وزارة الخارجية معه، وذكر بأن وزارة خارجية الدولة المعتمد فيها قلما تجيب على مخاطباته بل حتى طلباته باللقاء مع مسؤول الدائرة التي يقع العراق ضمن تخصصه. وما يزيد من أسفه هو تعامل الوزارة بشكل مميز مع بقية السفراء العرب. يقول السفير بصراحة’ انهم لا يتعاملون معي كسفير ولا يتعاملون مع العراق كدولة’ قلنا له طالما أنت تمثل فؤاد معصوم في تلك الدولة فلا عتب عليهم في أن يعاملوك بهذ الطريقة المهينة أعطيناه مثلا على قوة الدبلوماسية العراقية. كان سفير العراق في رومانيا خلال العهد الوطني السابق السيد سعد الدوري، ونظرا لإنضواء رومانيا تحت جناح الولايات المتحدة وإثبات جدارتها بالإنضمام الى الإتحاد الأوربي، إستدعى وكيل وزارة الخارجية الرومانية السفير العراقي، وبعد مناقشات ودية طلب منه الوكيل التعاون مع المخابرات الأمريكية سيما ان القرار الأمريكي بشأن الحرب على العراق صار أمر مفروغا منه، مقابل الحصول على كل ما يرغب به السفير هو وعائلته من إمتيازات، مع إقامة وسكن ورصيد مالي وتأمين إحتياجاته مع أسرته، فرد عليه السفير بغضب ردا قاسيا وأهانه إهانة كبيره، وقال له الموت أسهل بكثير من خيانة بلدي! وغادر مكتب الوكيل بدون كلمة وداع، وصفق الباب ورائه بقوة تعبيرا عن إشمئزازه.
حدثنا السفير بأنه أرسل برقية جفرية الى مركز الوزارة أعلمهم فيها بما جرى في اللقاء مع وكيل الوزارة الروماني، فكتب له وزير الخارجية: أحسنت ولكن فاتك أن تبصق في وجهه! صدق من قال’ عرب وين طنبورة وين’
لكن هذا هو حال وزارة يتزعمها حملدار. قال أحدهم:
يا مدحت المحمود حكم هالقضيه ** بلوة ابتلينه اليوم بشرور البليه
يصير حمــــلة دار يحكم وزارة ** ومارد القمـــم يدردم بالفارسيه
يكول طيحنه حظ الخارجيـــــه ** ألف هلهولة لحكومتنا الملائكية
----------
علي الكاش
مفكر وكاتب عراقي
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: