أ.د. مصطفى رجب
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6274 Mostafaragab1999@yahoo.com
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يسعد موقع "بوابتي" إنضمام الأستاذ الدكتور مصطفى رجب للمساهمين بالنشر بالموقع، ومصطفى رجب هو نائب رئيس اتحاد كتاب مصر بجنوب الصعيد، والأستاذ بجامعة سوهاج.
محرر موقع "بوابتي"
--------------
المستقرئ لتاريخ منظمة الأمم المتحدة، منذ طفولتها حين وُلدت ولادة متعسرة عام 1945 وحتى بلوغها سنّ الإحالة إلى التقاعد (60 سنة) العام القادم، يُلاحظ أنها لم تكن أسعد عظاً من شقيقتها التي ماتت في مهدها (عُصبة الأمم) إلا في طول العُمُر فقط، أما من حيث الفاعلية، فإن الأمم المتحدة عانت أشدّ المُعاناة من [قِلّة القِيمَه] والإهمال والتجافي عنها، بل وربما عانت أحياناً شيئاً من (البهدلة) مثل ما حدث لها في العراق هذا العام.
وبداية إهمال المنظمة الدولية كانت على أيدي القطبين الكبيرين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية. فقد كان كل من القطبين ينظر إلى هذه المنظمة باعتبارها مجرّد أداة يُحقق من خلالها -وبها- مزيداً من النفوذ، بدءاً من المقعد الدائم في مجلس الأمن، ومروراً بالمناصب الكبرى في المنظمة الدولية، وانتهاءً باستصدار القرارات للمصلحة الخاصة بأحد القطبين.
ولكنّ القُطبين الكبيرين ظلاّ حريصين على تجنّب دخُول المنظمة الدولية، في بعض المُشكلات الدولية، أو فيما يطرأ بينهما من مشكلات. فعلى سبيل المثال حين ثار الخلاف بينهما بشأن أزمة كوبا، حرص الطرفان على تسوية الخلاف بينهما خارج أسوار الأمم المتحدة، وتم الاتفاق على اختيار "الصليب الأحمر الدولي" كطرف ثالث يُراقب السفن السوفيتية المتجهة إلى كوبا، وكذلك أبرم الطرفان معاهدة حظر التجارب الذرية في أغسطس 1963 خارج سلطان الأمم المتحدة..
وبذلك ظلّت المنظمة الدولية "خارج الخدمة" فيما يتصل بقضية أسلحة الدمار الشامل ردحاً طويلاً من الزمن، منذ إلقاء أول قنبلة ذرية على هيروشيما باليابان في 6 أغسطس 1945، وبعدها تفجير القنبلة الذرية السوفيتية في سبتمبر 1949، ثم تفجير الولايات المتحدة لأول قنبلة نووية في أول نوفمبر 1952، ولحقت بها الدولة السوفيتية في ذات المجال بقنبلة نووية مماثلة في أغسطُس 1953، مما دعا الرئيس الهندي "نهرو" إلى إلقاء خطبته التاريخية في 2 أبريل 1954 والتي نادى فيها بنزع السلاح.
وكانت هذه الخطبة بداية لدخول الأمم المتحدة -بشكل جادّ وملموس- إلى ميدان مكافحة التسلح – حين وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على إنشاء لجنة تُكلف دراسة الإشعاع الذري، وتقدم عنه تقارير دورية للمنظمة الدولية، وطلب الوفد الهندي –مع نموّ حركة عدم الانحياز- إلى لجنة نزع السلاح في المنظمة الدولية وقف جميع التجارب الذرية في 12 يوليو 1956، وانعقد مؤتمر جنيف بين أول يوليو و21 أغسطس 1958، ولكنه لم يصل إلى نتائج في هذا المضمار، واستمرت الجهود داخل وخارج المنظمة الدولية إلى أن فوجئ العالم بمعاهدة حظر التجارب الذرية في روسيا السوفيتية والولايات المتحدة وإنجلترا، والتي انضمت إليها بعد ذلك مجموعة دول عدم الانحياز.
غير أن هذه المعاهدة لم يكن في صياغتها ما يُلزم كل الدول بالتوقيع عليها، ولم تحاول الأمم المتحدة -طوال عمرها- إيجاد آلية تمكنها من الكيل بمكيال واحد إزاء الدول التي أنتجت -أو ما زالت تحاول إنتاج- أسلحة نووية. وبدأت دول العالم –مع التطور العلمي المدمر- تنتج أنواعاً جديدة من الأسلحة شديدة الفتك، فكانت الأسلحة الكيماوية ثم الجرثومية البيولوجية، وتسابقت دول العالم في إنتاجها.
وبقيت إسرائيل وحدها، هي الدولة المدلّلة، التي لا يُلتفت إليها أحد، حتى صارت مع مطلع القرن الحادي والعشرين سادس دولة في تصدير السلاح في العالم، وأصبحت تُصدر أنواعاً من الأسلحة إلى الولايات المتحدة نفسها، وإلى كثير من دول الشرق والغرب، ومع هذه الصدارة فهي ما تزال تُنكر أنها تمتلك سلاحاً نووياً، أو لا تريد أن تعترف بذلك، وفي الوقت نفسه نجد من أمثال "ديك تشيني، ورامسفيلد" من يدافعون عن حقّ إسرائيل في امتلاك هذا النوع من أسلحة الدمار الشامل. مع أن العالم كله بات يعلم يقينا قصة مفاعل ديمونة الذي أنشأته إسرائيل عام 1963 بمعونة من فرنسا التي كانت تربطها بها آنذاك علاقات تعاون وثيقة، وبتمويل من الولايات المتحدة ومساعدات متعددة من بينها نقل بعض اليورانيوم المخصب.
والمفاعل مكوَّن من تسعة مبانٍ بما فيها مبنى المفاعل وقد تخصص كل مبنى من تلك المباني التسع في إنتاج نوع معين من المواد التي تُستعمل في إنتاج الأسلحة النووية، فمواد البلوتونيوم والليثيوم والبريليوم التي تُستخدم في صناعة القنبلة النووية تنتج هناك، هذا بالإضافة لإنتاج اليورانيوم المشبع والتريتيوم.
ويعتبر هذا المفاعل أحد أكبر أسرار الحياة النووية في العالم، حيث ظلت إسرائيل منذ بداية إنشائها له رافضة تماماً عمليات التفتيش الدورية التي تخضع لها الدول الأخرى، تماماً كما ترفض الزيارات التي تقوم بها وكالة الطاقة النووية الدولية لمثل هذه المواقع في العالم، وهي حتى يومنا هذا ترفض التوقيع علي اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية والتي وقعتها الدول العربية.
ولقد حاولت الولايات المتحدة نفسها إرسال بعض المسئولين فيها عن البرنامج النووى للتفتيش علي مفاعل ديمونة بعيداً عن العاملين بوكالة الطاقة النووية الدولية، لكن إسرائيل رفضتهم كما رفضت ممثلى الوكالة الدولية، وهكذا فإن مفاعل ديمونة لم يدخله أحد من خارج إسرائيل منذ إنشائه.
وإلي عهد قريب لم يكن أحد يعرف شكل هذا المفاعل وهيئة أبنيته، لكن بعد عصر الأقمار الصناعية فقد التقط القمر الصناعى الأمريكى صوراً للمفاعل من الفضاء ونشرت هذه الصور لأول مرة عام 2000 علي الموقع الخاص بـ "اتحاد العلماء الأمريكيين " علي الإنترنت، ولم تمض بضعة أشهر حتي تنبهت إسرائيل إلي ذلك فاستخدمت نفوذها لسحب هذه الصور من الموقع، واليوم من يطلع علي موقع "اتحاد العلماء الأمريكيين يجد صوراً أخري لمفاعل ديمونة لا توضح التفاصيل التي كانت بالصور التي تم سحبها.
وكان قمر صناعى روسى قد تمكن من التقاط صور أخرى لمفاعل ديمونة عام ،1989 وطلبت وكالة الطاقة النووية الدولية نسخاً منها لملفاتها، وهذه الصور يمكن الاطلاع عليها اليوم في مقر الوكالة بالعاصمة النمساوية فيينا.
وطبقا لما يذكره إياد الفرا فقد أخفقت أكثر من 15 دولة عربية في تمرير قرار يخضع برنامج إسرائيل النووي للتفتيش الدولي بالمؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا 15-9-2003.. واضطرت لسحب مشروع القرار على وعد أن يطرح المشروع النووي الإسرائيلي للمناقشة في اجتماع العام المقبل.. هل نأمل بأن يفتح للنقاش قبل أن يصبح "ديمونا" الإسرائيلي تشرنوبل" الشرق الأوسط؟
فالدلائل تشير إلى أن مفاعل ديمونا -أهم منشأة نووية إسرائيلية- دخل في مرحلة الخطر الإستراتيجي؛ بسبب انتهاء عمره الافتراضي والذي يظهر واضحًا للعيان من خلال تصدعه وتحوله إلى مصدر محتمل لكارثة إنسانية تحصد أرواح مئات الآلاف من الضحايا إن لم يكن الملايين.
وحسب التقارير العلمية وصور الأقمار الصناعية لديمونا المنشورة بمجلة "جينز إنتلجنس ريفيو" المتخصصة في المسائل الدفاعية الصادرة في لندن عام 1999 والتي استندت في معلوماتها إلى صور التقطتها الأقمار الصناعية التجارية الفرنسية والروسية، فإن المفاعل النووي يعاني من أضرار جسيمة بسبب الإشعاع النيتروني. ويحدث هذا الإشعاع أضرارًا بمبنى المفاعل، فالنيترونات تنتج فقاعات غازية صغيرة داخل الدعامات الخرسانية للمبنى مما يجعله هشًّا وقابلاً للتصدع.
هذا إضافة إلى أن المفاعل أصبح قديمًا (40 عامًا) بحيث تآكلت جدرانه العازلة. كما أن أساساته قد تتشقق وتنهار بسبب قدمها محدثة كارثة نووية ضخمة. وعلى الرغم من استبدال بعض الأجزاء من المفاعل فإن هناك خلافًا جديًّا يدور حول ما إذا كان من الأفضل وقف العمل في المفاعل تمامًا قبل وقوع كارثة.
ويرى الخبراء أن إصابة الكثير من سكان المناطق المحيطة بالمفاعل الشائخ بالأمراض السرطانية والعاملين فيه أيضًا كان بسبب تسرّب بعض الإشعاعات من المفاعل. فقد كشف تقرير أعدته القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي أذيع بتاريخ 1-7-2003، أن العشرات من عمال المفاعل النووي ماتوا تأثرًا بالسرطان في وقتٍ ترفض فيه إدارة المفاعل والحكومة الإسرائيلية مجرد الربط بين إصابتهم -ومن ثَم موتهم- وبين إشعاعات متسربة.
وطبقًا لصحيفة القدس الفلسطينية العدد المنشور في 28-1-2003، فإن المحاكم الإسرائيلية تنظر الآن في أكثر من 45 دعوى قضائية تقدمت بها عائلات المهندسين والخبراء والفنيين العاملين في المفاعل النووي في ديمونا بصحراء النقب؛ بسبب تفشي الإصابة بالسرطان خلال السنوات الأخيرة بعد اختراق الإشعاعات النووية لأجسادهم. وقد طالبوا في الشكاوى المقدمة بسرعة صرف تعويضات عاجلة تقدر بنحو 50 مليون دولار نتيجة الأضرار التي لحقت بهم خلال سنوات عملهم.
وحين تحدث العالم الإسرائيلي (موردخاي فانونو) إلى صحيفة بريطانية وكشف ما تملكه إسرائيل من ترسانة نووية، وحجمها، وأماكن وجودها،ولاسيما في هذا المفاعل , والتجارب التي تمّت عليها في صحراء النقب، وما ترتب عليها من زلازل في القاهرة وغيرها، تم اعتقاله في إسرائيل، فقد كان "موردخاي فانونو" في إيطاليا، واستدرجته مخابرات إسرائيل (الموساد) حتى تم خطفه، وأرسل في تابوت مُغلق إلى إسرائيل، حيث حوكم وحسب السجلات فإن العالم فانونو قال للمحكمة : إنه أراد التأكيد على حقيقة كانت معروفة لدى الجميع، وهي امتلاك إسرائيل لأسلحة نووية، وأن هدفه كان الضغط على إسرائيل من أجل إخضاع برنامجها النووي للرقابة الدولية وخصصت جريدة يديعوت أحرونوت نصف صفحتها الأولى وتسع صفحات داخلية لمقتطفات من سجلات المحاكمة وقد انتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق شيمون بيريز، والذي يعتبر مهندس البرنامج النووي الإسرائيلي، قرار السماح بنشر مقتطفات المحاكمة، وقال إن كل دولة لها حق الاحتفاظ بأسرارها في بعض المجالات وقد قام موردخاي فانونو، الذي كان يعمل فنياً في مفاعل ديمونة النووي الإسرائيلي، بتسريب المعلومات لصحيفة الصانداي تايمز البريطانية، لكن المخابرات الإسرائيلية أغرته عن طريق عميلة لها بمغادرة بريطانيا إلى إيطاليا، حيث اختطفته من هناك إلى إسرائيل وحكم على فانونو في عام 86 بالسجن لمدة ثمانية عشر عاما وأعرب محامي فانونو، آفيجدور فيلدمان، عن سعادته بنشر هذه السجلات وإتاحة الفرصة لموكله للتعبير عن الدافع الذي جعله يكشف هذه المعلومات، ومن المُتوقع أن يتم الإفراج عنه في الشهور القادمة، ولكنه سيبقَى بعد إطلاق سراحه من السجن، رهن الإقامة الجبرية والمراقبة الشديدة وممنوعاً من الاتصال بوسائل الإعلام.
فهل يكون لجمعيات حقوق الإنسان الدولية موقف يذكر لمساندة هذا الرجل الشريف؟!، وهل تدافع عنه تلك المنظمات حتى يواصل كشف هذه الترسانة الإسرائيلية البشعة التي تتغافل عنها وكالة البرادعي الناعمة الملمس مع اليهود وشديدة الخشونة مع المسلمين؟!، أم أن منظمات حقوق الإنسان الدولية ستتغاضى هي الأخرى عن "موردخاي فانونو" وحقه في الحرية والتعبير، وتقف اهتماماتها عند حدود الدفاع عن حقوق الشواذ جنسياً فقط؟!!.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: