نموذج للفرق بين محورية الفكرة ومحورية الشخص: الكتّاب و"فلاسفتنا العظام"
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 192 محور: المفكر التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
كتبت ومازلت أكتب في مسألة أراها هامة في سياق مشروع إعادة النظر الجذري في واقعنا، وهي وجوب الخروج من التناول بمحورية الفرد نحو التناول بمحورية الفكرة ومحورية المنظومات
الآن سأقدم نموذجا معبرا عن هذه الفروق، وهم "كتاب الفكر"
هناك من هؤلاء من يكتب وغرضه إيصال الفكرة، ولأن الفكرة محوره فإنه لايلتفت لذاته وما يمكن أن يقال عنه ويوصف به، فيركز بدل ذاك على المعنى المراد إيصاله
فتكون كتابة سهلة من دون إلتواءات ولا استعارات لألفاظ ومصطلحات طنانة مما يمكن الاستغناء عنه
بالمقابل هناك من يسعى لإغراق مايكتب بالتواءات في المعاني مع وَلَع بحشر الألفاظ والمصطلحات الغربية ذات الإيقاعات الموحية بسعة الاطلاع المعرفي
مثلا لكي يقول الجملة التالية: "أكل الولدُ الخبزَ"
فإنه سيقول كلاما من نوع:
الخبز لاعتباره علة الأكل مما يمكن تناوله من زاوية الفهم الأرسطي للمعنى الذي وافقه فيه ابن سينا وعارضه في ذلك ابن تيمية ببعض الاستثناءات، هو ما تمكن الولد من فعله كسبب بمفهوم للسببية التي يجب فهمها على معنى ليبنز و الفينيمولوجية
وقد يكتب فيلسوف آخر:
الاكل بالمعنى الماركسي مابعد الديكولونيالي الذي يفهمه بعض فلاسفة مابعد الحرب العالمية الثانية أنه فكر مابعد حداثي، فهو فعل يساهم في تفكيك قواعد الانتاج عكس الماركسية الكلاسيكية التي تعتبره عاملا في سلسلة الانتاج العكسي
ملاحظة: بالطبع ما كتبته من حيث المعنى لايصح وإنما اردت تقديم فكرة عن الصياغة والاسلوب
--------
كلما قرأت مثل هذه الكتابات أجدها موغلة في التصنع وفيها تكلف في التعقيد المقصود لذاته مما يجاوز القدر اللازم ابتداء لتبليغ الفكرة
أرجح بدرجة كبيرة أن هؤلاء حينما يستعملون هذه الصيغ في الكتابة لم يكن المعنى والفكرة هما محورهما، وإنما هناك تحرك بمحورية الفرد متمثلة في ذواتهم، وهذا تفسير تبريري أقدمه للدفاع عن هؤلاء وإلا فإن مثل تلك الكتابات حشو لاقيمة له مادام يمكن تبليغ المعنى بصيغ عديدة أفضل وأبسط
أي هناك سعي وهمّ لإنتاج انطباع بسعة الإطلاع وانتاج المعنى غير المفهوم وغير المقدور عليه
لذلك فإن عموم هؤلاء المفكرين رغم كتبهم العديدة، فإنهم لا ينتجون معنى مؤثرا في الواقع، لأنهم يكتبون كلاما يقرب للطلاسم والألغاز ولايمكن بالتالي الاستفادة منه في تغيير الواقع