مرة أخرى، فرنسا احتلتنا ولم تستعمرنا
ردا على ضحايا الاقتلاع ممن رفض هذا التفريق
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 282 محور: المفكر التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
نشر الأستاذ عبد اللطيف العلوي Abdellatif Aloui، مقطعا من كتابي "الربط اللامادي للتونسيين، بفرنسا"، باعتباره ناشر الكتاب، ومما كتبه كان مقالا لي يقول بالكف عن وصف التواجد الفرنسي بتونس أنه استعمار وأننا يجب أن نصفه بحقيقته أنه احتلال وليس استعمارا
ورأيت بعدها ردودا تستغرب هذا الرأي، وكانت تدور حول التالي:
- أن الاستعمار أخطر من الاحتلال
- أن الاستعمار هو مايجب أن نصف به التواجد الفرنسي
- أن هذا المصطلح أي الاستعمار وقع الإتفاق عليه وأن المصطلحات لا تخطىء وأن هذا التفريق "فهلوة لغوية" لا فائدة منها
-----
ردي هو التالي:
1 - مصطلح استعمار أنتجه الفرنسي ولم ننتجه نحن وإنما نحن تقبلناه مما لقّن لنا عن طريق أدوات التشكيل الذهني (تعليم، تثقيف، إعلام) التي صممتها فرنسا وأورثتها منتسبيها بورقيبة وصحبه ممن حكمنا طيلة عقود، ثم توارث ذلك المصطلح بعض عن بعض حتى وصل لهؤلاء الذين تبنوا وجهة النظر الفرنسية وأصبحوا يدافعون عنها بجد وحميّة، فهو مصطلح ايجابي من زاوية نظر الاجنبي صاحب التواجد العسكري ببلدنا
بالتالي مصطلح استعمار لايمكن أن يكون ذا دلالة سيئة ضد الفرنسي مادام ارتضاه لنفسه، وأننا إن استعملناه وارتضيناه فعلينا أن ندرك أنه لا يمكنه أن يكون ذا حمولة سلبية إزاء الأجنبي الفرنسي
2 - مصطلح استعمار يدور حول معاني الإعمار بصيغة صرفية تدور حول الطلب والتحوّل أي الإعمار الممتد زمنيا والسعي لإحداث تغيير مكاني من خلال الإعمار، وهو تصور مشتق من العلوية الغربية التي يزعم الرجل الابيض الغربي أنه يمثلها، لذلك هو يعتبر استيلاءه على البلدان الأخرى مهمة حضارية بغرض الإعمار
وأن نوافق على مصطلح استعمار فذلك معناه أننا نوافق أولا على جدارة المركزية الغربية في أن تسيطر على الغير، وثانيا نوافقها على السيطرة على بلداننا
3 - الاستعمار مصطلح بَعْدي، أي أنه يصف مابعد التواجد المباشر الاجنبي، فأن ننتقل لوصف مهمة الأجنبي بالإعمار، ذاك يعني أننا قبلنا وسلمنا بالمرحلة الأولى قبل ذلك الاعمار وهي التواجد العسكري
أي أن الاجنبي حينما يصف تواجده أنه مهمة حضارية، فهو لكي يبعد النظر عن تواجده العسكري ببلدنا، لكن نحن ليس علينا أن نوافقه، وإنما علينا أن ننظر في أصل تواجده وطبيعته، وهو احتلال
لذلك وصف ذلك التواجد بالاحتلال هو تحرر من زاوية النظر الأجنبية وسرديته، وإرجاعها لأصلها وهي أنه تواجد في أصله قسري إحلالي، قبل النظر في مهمته الحضارية الاعمارية المزعومة من عدمها
بقي القول أن هذه الردود الرافضة حتى لمجرد إعادة النظر في مصطلح ورثناه من دون أن نساهم في ايجاده، مصطلح واضح الفساد كالاستعمار، يقدم مؤشرا على مدى عمق درجات الاقتلاع الذهني والفكري التي تعرض لها التونسيون خريجو منظومة تعليم تدور في أفق المركزية الغربية ومسلماتها، والتي تمثل هذه الردود بعض عيناتها