أساليب مسكوت عنها لتكريس التبعية لفرنسا: "علاقاتنا تاريخية ومتميزة"
فوزي مسعود - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 2628
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لشدة سلبيتنا إزاء فرنسا وغياب مواقف ناقدة لعلاقتنا معها كقوة احتلال، تم إنتاج مصطلحات تعكس عقلية الهوان، وهي تمثل نتيجة للتسليم بواقع الغلبة والهزيمة، ثم إنها مصطلحات تعمل بالتوازي على تكريس ذلك الوضع غير السوي.
من ضمن المصطلحات الخطيرة التي على الأرجح أنتجها الفرنسيون وقبلها التونسيون المنكسرون باطمئنان من دون النظر فيها: "العلاقات التونسية الفرنسية علاقات تاريخية"، و "العلاقة التونسية الفرنسية علاقة متميزة".
تستعمل هذه المصطلحات في سياق دعائي، وقد تمت صياغتها لتكون من ضمن أدوات التوجيه الذهني التي تعمل على بناء المستوى اللامادي لمنظومة تبعية التونسيين لفرنسا.
تستعمل هذه المصطلحات في مستوى التمهيد النفسي لكسر أي محاولة محتملة للاعتراض من طرف التونسيين على حيف علاقاتنا مع فرنسا، أي أن التذكير بهذه "العلاقات التاريخية والمتميزة"، هو بمثابة مبرر فوق موضوعي (مبرر لا يناقش موضوعيا من خلال الأرقام والجدوى المادية التي يمكن تقليبها والنظر فيها) للإقناع والدفع نحو القبول بواقع التبعية لفرنسا، بزعم أن ما يمكن أن تعترض عليه أمر تاريخي وموجود من قبل، فتصبح العلاقات التاريخية، لكأنها سابقة عرفية تمثل ثقلا ضدك كتونسي، وجب عليك القبول بها مادام التونسيون من قبلك رضوا بها ولم يعترضوا، فيتحول الزمن المتطاول منذ دخلت فرنسا تونس، عامل متفاقم في الأهمية لصالح فرنسا، أي أن مصطلح "علاقاتنا التاريخية" حينما يقع الاستناد اليه الآن يمثل ثقلا للإقناع أكبر مما كان حين وقع استخدامها كمبرر مثلا قبل عقد، وسيكون الأمر اكثر إقناعية بعد عقد من الآن مثلا، لأن هذا المبرر بمثابة دالة رياضية مرتبطة بالزمن على صيغة (a*t) بحيث كلما مر ولم يقع الاعتراض على فرنسا إلا وقوي واقع تسلطهاا علينا حتى ليكاد أن يصبح عرفا وجب علينا القبول به.
لأسباب عديدة، تم تصوير فرنسا للتونسيين بطريقة دعائية مضيئة وعمل على تغييب الأبعاد التي يهمنا كتونسيين معرفتها، منها وجوب فهم فرنسا باعتبارها قوة احتلال وأنها دولة لها عداء خاص من دون كل الدول الاروبية مع لغتنا العربية وديننا الإسلام، وأن فرنسا تمثل نموذجا على قمة السوء ضمن طيف قوى الاحتلال، ثم إنه نتيجة لعمليات التوجيه الذهني التي خضع لها التونسيون طيلة عقود، نشأت الطبقة المفكرة (التي تسمى نخبة) المتحكمة في أدوات تشكيل الأذهان بمستوياتها: التعليم والإعلام والثقافة ثم السياسة (كمستوى تفريعي)، بنوع من القصور في التناول المفاهيمي، من ذلك قبول العديد من المصطلحات منها هذين الذين نحن بصددهما، لأنه أساسا لم تقم هذه الطبقة المفكرة بإعادة النظر في المسلمات الإصطلاحية / المفاهيمية التي بنيت عليها علاقتنا مع فرنسا.
نتج عن القبول بالمسلمات الدعائية التي قدمت للتونسيين نسبة لفرنسا، أنك تجد أحزابا وشخصيات يفترض انها تتحرك في مجال مفاهيمي يدافع عن الهوية وفي مغالبة مفترضة مع فرنسا، ينطلق أحدهم في محاججته بقبول مسلمة أن علاقتنا مع فرنسا تاريخية بمدلولاتها المثقلة سلبيا كما سنبين، قبل أن يمر على اعتراضاته على بعض الجوانب التقنية المادية مع فرنسا كموضوع الثروات، أما غير ذلك من المستوى اللامادي (إستبعاد اللغة العربية وتسلط اللغة الفرنسية، خطر البرامج الفرنسية التي تدرس للتونسيين في المدارس الخاصة التونسية، منظومة فرنسا لتشكيل الأذهان المتغلغلة في التعليم والثقافة والتعليم) فلا إلتفات إليه.
لكي نعطي عينات عن خضوع الطبقة المفكرة للتأثير الدعائي المنتشر منذ البدايات من غير مراجعته، لن نعطي أمثلة عن الذين يسلمون بتبنيهم للنموذح الفكري/ العقدي الفرنسي فذلك تحصيل حاصل وهم عموم من أسميهم بقايا فرنسا، ولكن سنأخذ من يقول بالخلفية الاسلامية (حركة النهضة) أو المحافظة الثورية (حزب الكرامة) وهو من هو في مغالبته فرنسا على الأقل حسبما يعلن كلاما.
كلا الحزبين "النهضة" و "الكرامة"، قال في العديد من المرات في معرض تناوله للعلاقة مع فرنسا، مامعناه: علاقتنا مع فرنسا تاريخية وهي علاقة متميزة، وهي مسلمة تقول ضمنيا بحق فرنسا في تونس بما ليس لغيرها من الدول، وهذا موقف خطير لأنه عين تكريس التبعية لفرنسا والتسليم بها والقبول بقهرها لنا.
إذن فعموم منظومة إنتاج الرأي في تونس، خاضعة لتوجيهات الربط اللامادي مع فرنسا مهما تنوعت الخلفية الفكرية لها، أي انها أشربت في قلوبها مفاهيم وتوجيهات ذهنية، بحيث انتهى بها الحال أن تبنت مواقف ترمي للتأثير في الواقع من زاوية وبكيفية أرادتها فرنسا وأنتجتها فرنسا.
إبطال مزاعم العلاقات التاريخية والمتميزة مع فرنسا
1- أولا الرد نسبة للبناء النظري للمفهوم، نحن إزاء تقييم للواقع من خلال بعض ذلك الواقع وهذا لا يجوز عقليا، وبيانه أنه لا يصح أن تحاكم وتقيم مفهوما بما هو تفصيل لاحق عنه، لأن ذلك محال وهو من نوع الدور / الدوران حيث تعتمد محاكمة موجود اعتمادا على ما بعده ومشتق منه، لكن مقياس الحكم هذا البعدي لا يمكنه الوجود الا بما هو قبله، إذن فهذا حكم محال، أي هو حكم على مجهول من خلال مجهول. بمعنى أن الاحكام الصحيحة عقليا لا تتم إلا بما هو من خارج الموجود موضوع التقييم.
رجوعا للعلاقة التاريخية مع فرنسا، فموضوع التقييم هو العلاقة، وتقييمها تم من خلال وصفها بالتاريخي، هنا زمن العلاقة هو تفصيل من وجود العلاقة، فهو أمر لاحق ومشتق من وجود العلاقة، ولو لم توجد العلاقة لما كانت تاريخية، فلا يصح تقييم العلاقة بما هو أساسا محتاج للعلاقة في وجوده، أي لو أخذنا نقطة زمنية في أول دخول العلاقة الوجود، فهي لا يمكنها أن تكون تاريخية لأنها ليست موجودة، وحينما تصبح تاريخية فإن العلاقة تكون ساعتها موجودة ولاحاجة للوصف في إيجادها، ويصبح الوصف نوعا من الحشو اللغوي لا قيمة له أي لا يحمل قيمة مضافة للموجود أي العلاقة في حالتنا أي بمعنى التقييم، لان القيمة التي نقصدها هي الخاصية التي تضيف، لكن الاضافة لا تتم إلا من الخارج أي من خارج المفهوم، لأن التفاصيل المشتقة من المفهوم تأخذ من الموجود وفي أقصى الحالات تكتمل باكتماله ولن تضيف له.
نفس الملاحظة حول تميز العلاقة من عدمها، لأن تميز العلاقة التاريخية، أمر تفصيلي مضاف للعلاقة، ولن يزيد للعلاقة في قيمتها بمعنى القيمة من خارج المفهوم، وإنما ينقص منها، وفي أقصى الحالات حينما تكون العلاقة كاملة الخاصيات فإنها تكون علاقة تامة، وهو الأمر المفترض ابتداء، فكونها إذن علاقة متميزة فهذا لن يضيف أي شيء ولا يعطي أي معنى للعلاقة أكثر مما هي عليه، فهو كلام عبارة عن حشو لغوي.
فثبت أن هذين المصطلحين (بدقة، نقصد الإضافتين للعلاقة) لا يحملان أي قيمة في ذاتهما، وإنما هما من نوع الثرثرة الزائدة المستعملة للتضليل في سياق دعائي.
2- الرد نسبة للواقع، فإن القول بكون العلاقة مع فرنسا علاقة تاريخية، يقصد بها تحديدا كونها ترجع لفترة دخول فرنسا تونس كقوة احتلال، لأن علاقات فرنسا معنا بعد استقلالنا يشاركنا فيها كل دول العالم، فبقي ما يميزنا وهو الزمن الذي وجت فيه فرنسا بتونس كمحتل وقاهر ومذل للتونسيين.
إذن علاقتنا التاريخية مع فرنسا علاقة تغلب وقهر للتونسيين، وهي منطقة زمنية سوداء بالنسبة لنا، ولا يعرف أين الجانب المضيء فيها لكي نفتخر بها، وإن كان مفهوما أن تعتبر فرنسا تلك الفترة تاريخية بحكم أنها فترة استفادت فيها، فإنه لا يفهم كيف لنا أن نفتخر بما هو ذكرى سيئة، إذن فعلاقاتنا التاريخية مع فرنسا لا يمكن إلا أن تكون ذكرى نكبة ونهب وتقتيل وانتهاكات.
ولما كانت هذه الفترة التاريخية تشترك فيها جهتان على طرفي نقيض غالب ومغلوب، فإنه لا يمكن أن يكون الحكم على تلك الفترة متفقا عليه بينهما أي بين فرنسا وتونس، ولما كانت تلك الفترة تاريخيا ايجابية لفرنسا، فإنه يستحيل في الوضع السوي أن تكون تلك الفترة التاريخية جيدة ومما يفتخر به لدى التونسيين.
3- أما القول بكون العلاقة متميزة، فهذا كلام ناقص، لأن التميز مفهوم يتطلب إضافة وليس مفهوما مطلقا ليكتفي بذاته (مثل مفهوم الموت)، أي أن هناك تميزا سلبيا وتميزا إيجابيا، ويجب أن يوضح لنا أي تميز يقصد في حديثهم عن العلاقات المتميزة بين تونس وفرنسا.
لاشك أن تميز العلاقة سيكون إيجابيا بالنسبة لفرنسا باعتبارها كانت ولازالت تستغلنا من دون منع منا، ولما كانت العلاقة مع فرنسا علاقة بين طرفين متجاذبي المصالح، فإن ما يؤخذ من طرف يعطى للآخر، ومن أخذ منه ليس كمن أخذ، والمأخوذ في لحظة ما، مكسب إيجابي للآخذ وسلبي للآخر، فثبت أولا أن العلاقة لن تكون بنفس التوصيف للطرفين، ثانيا لما كانت إيجابية لفرنسا فإنها حتما ستكون علاقة سلبية لتونس.
اذن لا يصح الإتفاق مع فرنسا على استعمال نفس التوصيفات للحكم على علاقاتنا، وان حدث وتم استعمال نفس التوصيفات، فذلك دليل أننا نخضع لتأثيرات الربط اللامادي المتحكم في التوجيهات الذهنية لدينا، الذي أغرقتنا فيه فرنسا منذ عقود.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: