د. علي عثمان منصور شحاته - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 2043
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
ما أعظم هذا التوجيه الرباني الكريم، حين تشتد الخصومة بسبب الخلافات التي تنشأ بين الناس، لاختلاف الطباع والعادات والأمزجة، أو لأي سبب آخر؛ فتتحول الأمور وتتأثر العلاقات بسبب هذه الاختلافات أو الخلافات.
وهذه الآية الكريمة نزلت في حادثة هي طلاق المرأة قبل الدخول بها، أي بعد تمام العقد وقبل الدخول، ولا شك أن الأمر هنا مظنة التناحر والاختلاف والتخاصم؛ هنا يأتي التوجيه الكريم في قول الله تعالى:﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ سورة البقرة: 237.
يقول الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية؛ أي: إذا طلقتم النساء قبل المسيس، وبعد فرض المهر، فللمطلقات من المهر المفروض نصفه، ولكم نصفه. هذا هو الواجب ما لم يدخله عفو ومسامحة . . ثم رغب الله في العفو، وأن من عفا، كان أقرب لتقواه، لكونه إحسانا موجبا لشرح الصدر، ولأن معاملة الناس فيما بينهم على درجتين: إما عدل وإنصاف واجب، وهو: أخذ الواجب، وإعطاء الواجب. وإما فضل وإحسان، وهو إعطاء ما ليس بواجب والتسامح في الحقوق، والغض مما في النفس، فلا ينبغي للإنسان أن ينسى هذه الدرجة، ولو في بعض الأوقات، وخصوصا لمن بينك وبينه معاملة، أو مخالطة، فإن الله مجاز المحسنين بالفضل والكرم، ولهذا قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾. تيسير الكريم الرحمن باختصار.
ومما ذكر في معنى الفضل ما روي عن الضحاك: في قوله تعالى: "ولا تنسوا الفضل بينكم"، قال: المعروف .. وقيل أي: لا تنسوا الإحسان.
إذن فالسياق هنا هو الخصومة بسبب الطلاق قبل الدخول وما يترتب عليه من مهر وخلافه، هذا هو السبب الذي نزلت الآيات في سياقه، وقد نص الأصوليون والفقهاء على قاعدة هامة، وهي أن "العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب".
فيمكن أن يشير إلى الأخذ بالفضل، والإعطاء بإحسان، والتعامل بالمعروف، في كل فرقة بين الزوجين قبل الدخول أو بعده؛ حيث إن الناس عند نية الزواج والمصاهرة تتوطد العلاقات وتزداد الألفة والمحبة، فإذا حدث انفصال لأي سبب، انقلبت المودة والعلاقات الطيبة إلى عداوات شديدة، وكأن لم تكن بينهم إلا هذه العلاقة!!! والحقيقة أن الناس تربطهم كثير من الروابط، فإذا انقطع أحدها، فلنبق على بقيتها، فهناك علاقات الدين، والأخوة الإنسانية، والرحم العامة، والجوار والصداقة وغيرها، بل قد توجد روابط قرابة ورحم.
ومن الممكن أن نجعل هذه الآية شعارا لتعاملاتنا، ومنهجا في حياتنا؛ عند أي خصومة، أو اختلاف بيننا، فنتعامل بالإحسان والمعروف، وألا نَفْجُر في الخصومة، وعلينا ألا ننس الفضل بيننا، ونتمسك بقيم الإسلام ومبادئه حتى في خصوماتنا، حيث إن الفُجر في الخصومة من صفات المنافقين؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَرْبَعُ خِلالٍ مَن كُنَّ فيه كانَ مُنافِقًا خالِصًا: مَن إذا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذا وعَدَ أخْلَفَ، وإذا عاهَدَ غَدَرَ، وإذا خاصَمَ فَجَرَ، ومَن كانَتْ فيه خَصْلَةٌ منهنَّ كانَتْ فيه خَصْلَةٌ مِنَ النِّفاقِ حتّى يَدَعَها" متفق عليه.
وعليه فالتزام هذا التوجيه القرآني الكريم فيه من المنافع ما لا يحصى؛ فهو يؤدي إلى: ترابط المجتمع وسلامه الاجتماعي، وسلامة وصلاح الأنباء والذرية، ويرد كيد شياطين الإنس والجن، وفوق كل ذلك يحقق رضا الله تعالى الذي يبشر بالفلاح والفوز في الدنيا والآخرة.
فعلينا أن نتذكر الخير دائما، وأن نحافظ على المودة والرحمة في تعاملاتكم؛ فالدنيا سريعة الزوال، وهي متاع الغرور، ولن يبق للإنسان منها إلا ما قدم من خير وإنصاف وعدل، وتخفف فيها من أثقال الظلم والعدوان والبغي. ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ سورة ق 37.
نسأل الله تعالى الهداية والتوفيق
-------------
أ. د. علي عثمان منصور شحاته
القاهرة – جمهورية مصر العربية
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: