أ.د. علي عثمان شحاته - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 1967
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
الشجرة الطيبة في عرف البشر هي التي يطول عمرها وتتعمق في الأرض جذورها فيكثر ثمرها ويمتد ظلها ويجمل شكلها، وهي مقاييس يتفق عليها كثير من الناس؛ ويكون الاختلاف في شكل أغصانها أو لون أزهارها، أو رائحة أجوائها، ولكنها في كل الحالات، تحظى بإعجاب من ينظر إليها من الزاوية التي يميل إليها ويهواها.
وحين أراد الله تعالى أن يقرب عظم الكلمة الطيبة ضرب لها مثلا بالشجرة الطيبة، ثم أخذ المثل بتعميق الصلة بين الاثنين في النفس؛ بأن بين سبحانه معالم هذه العلاقة بين الكلمة الطيبة والشجرة فقال تعالى: " أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ" سورة إبراهيم: 24، 25.
فمن المفسرين من قال: إنها شجرة الإيمان، أصلها ثابت في قلب المؤمن، علما واعتقادا، وفرعها من الكلم الطيب والعمل الصالح والأخلاق المرضية، والآداب الحسنة، في السماء دائما.
ومنهم من قال: إن الكلمة الطيبة هي شجرة لها من الثمار ما ينفع الناس وتظل بظلها الحنون سامعها، ولها أصلٌ ضارب الجذور في الأرض، ولها فروع تعلو إلى اتجاه السماء، وتعطي الثمار في كل زمن بإرادة خالقها.
وقيل: إن الكلمة الطيبة هي لا إله إلا الله، وهي كلمة التوحيد ودعوة الإسلام والقرآن، والشجرة الطيبة هي النخلة، ثابِتٌ في الأرض بالعروق وَفَرْعُها فِي السَّماءِ، أي أعلاها في جهة العلو، تُؤْتِي (تعطي) أُكُلَها (ثمرها) كُلَّ حِينٍ: كل وقت أقّته الله تعالى لإثمارها، أي أن كلمة الإيمان ثابتة في قلب المؤمن، وعمله يصعد إلى السماء، ويناله ثوابه كل وقت.
إن الكلمة الطيبة هداية من الله للعبد الذي أراد الله به الخير؛ كما قال تعالى: "وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ" سورة الحج: 24.
وهي صدقة يقدمها صاحبها للناس؛ فتعطيهم رسائل الود والمحبة، والأمان والسلام، وهي رسائل لها مكانتها وثوابها عند الله، ولها أيضا محبة في قلوب الناس، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "الكلمة الطيبة صدقة ..." صحيح ابن حبان
الكلمة الطيبة تحتاج إلى عمل صالح يرفعها:
فكما أن الشجرة الطيبة تظل الناس بظلها، وتمدهم بثمرها، وتعمهم بنفعها، كذلك الكلمة الطيبة، حين يتحرك بها صاحبها بين الناس؛ فيطيب خاطرهم، ويعين ضعيفهم، ويجبر كسرهم، ويعطي فقيرهم، ويصلح ذات بينهم، حينئذ تكون الكلمة طيبة قولا وفعلا، ويجد صاحبها الثمرة بين الناس في الدنيا، وعند الله أجرا عظيما يوم القيامة؛ قال تعالى: "إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ" سورة فاطر: 10.
والصعود هنا يشير إلى معنى القبول والرضا والرفعة. قال الحسن وقتادة: "الكلم الطيب ذكر الله، والعمل الصالح أداء فرائضه".
ولذلك أنشدوا :
لا ترض من رجل حلاوة قوله ** حتى يزين ما يقول فعال
فإذا وزنت فعاله بمقاله ** فتوازنا فإخاء ذاك جمال
إننا في حياتنا ندرك القيمة الكبيرة والعظيمة للكلمة الطيبة؛ فكم قربت مسافات، وكم حلت مشكلات، وكم أذابت عداوات، إنها رحمة الله حين تجري على لسان عباده المؤمنين الموفقين.
تتضح كذلك قيمة الكلمة الطيبة، حين تقارن بالكلمة الخبيثة؛ فإن ضررها كبير، وفسادها عظيم، قال تعالى: "وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ" سورة إبراهيم: 26.
إنها كلمة الكفر وفروعها: إنها خبيثة المأكل والمطعم وهي: شجرة الحنظل ونحوها، {اجْتُثَّتْ} هذه الشجرة {مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ} أي: من ثبوت فلا عروق تمسكها، ولا ثمرة صالحة، تنتجها، بل إن وجد فيها ثمرة، فهي ثمرة خبيثة، كذلك كلمة الكفر والمعاصي.
إن ضرب المثل بالكلمتين والشجرتين، صورة معبرة؛ تزين الطيب من القول إلى أبعد مدى، وتدفع إليه دفعا، وتشين الخبيث من القول وتنفر منه. فانظر بجوار أي الشجرتين تريد أن يكون مقامك، وأي المنظرين يسعدك فيهما؟
إن فضل الكلمة الطيبة ونفعها، مهما قال فيه الشعراء، وسطر فيه البلغاء والفصحاء، لن يصوروا نفعها وعظمتها وامتداد خيرها كما صورها القرآن الكريم.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم الإخلاص قولا وعملا وأن ينفعنا بما علمنا وأن يزيدنا علما
وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
---------------
أ.د. علي عثمان شحاته
القاهرة - مصر
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: