البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

تونس.. عملية سياسية بلا أفق واضح

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 2008



لا نأتي بجديد إذا كتبنا أن المزاج العام في تونس ليس سعيدًا ولا متفائلًا بالحكومة الجديدة، ولا نعلم بعد مزاج المكلفين الجدد والاستقبال الشعبي لهم يوشك أن يكون بالحجارة والعصي. تنتج هذه الخيبة العاطفية حالة من الارتداد على الذات والبحث عن تحميل المسؤوليات لمن كان وراء الوضع الحاليّ، ومحاولة إعادة تركيب سلسلة الأخطاء تنتج وضعًا نفسيًا بائسًا، يزداد بؤسًا كلما حاول المرء بناء توقعات لما قد تفعله حكومة بلا سند شعبي أو سياسي، خاصة أن الأحزاب السياسية والكتل البرلمانية لم تعرب عن مواقف نهائية وواضحة بخصوص المصادقة على الحكومة، بما يترك جمهور المهتمين بالشأن العام في حالة أقرب إلى الذهول.

هل هذه هي النخبة التونسية؟
في عملية إعادة تركيب سلسلة الأخطاء نصل إلى حقيقة فاجعة، النخبة التونسية ليست في مستوى المرحلة وتكشف عجزها المزمن عن بناء الديمقراطية. سيبدو هذا حكمًا مزاجيًا غير مسنود بمعطيات موضوعية مما يحب علماء الاجتماع، لكن كيف وصلنا إلى هذا الوضع؟ متى بدأت علامات العجز تظهر؟ ولماذا لم يتم تلافيها ليكون هناك حد أدنى من العمل السياسي المؤمن بالتعايش، التعايش الضامن للديمقراطية ولو سارت بخطى السلحفاة؟

كنا نميل إلى القول بأن النخب التي عاشت دومًا في معارضة النظام القديم كانت محرومة من التدرب السياسي وتخريج الكفاءات القيادية، فالنظام قمع كل محاولة لبناء نخبة معارضة قادرة على استلام السلطة، لكن يبدو أننا كنا نمارس الشفقة المتعاطفة مع هذه النخب، فعشر سنوات من الثورة كشفت أنها نخب لا تتعلم ولا تتطور بل ترتد عن طموحات الشعب الواضحة والبسيطة في آن واحد، فلم يكن مطلوبًا منها إعادة تعريف السياسة بل إعادة اكتشاف مطالب الشعب ثم العمل على تحقيقها بتدرج بحسب الإمكانات المتاحة في البلد.. لم يحصل ذلك.

انصرفت المكونات الحزبية ذات العناوين السياسية إلى عمل واحد أتقنته سابقًا وهو الصراع فيما بينها على مسائل ليست في جدول مطالب الثورة والناس التي أنجزتها، فوجدت ملهاتها القديمة فاستسهلت البقاء فيها، تتمتع بانتصارات يحصل أغلبها في فيسبوك التونسي وليس في الواقع.

تلك الصراعات القديمة المتجددة منعت كل الأحزاب من الانصراف إلى الأساسي المطلوب شعبيًا الذي كان سينقذها من نفسها أولًا ويمكنها من الحكم الدائم بحسب أحجامها التي يحددها الصندوق ويمكن أن يوسعها في كل انتخابات، فإذا المنظومة القديمة تعيد تنظيم صفوفها وتجد الثغرات لتعود وتتحكم في المشهد وتقدم لنا الآن حكومة من الصفوف الخلفية للتجمع المقبور، ونحن نشاهد النخبة تتباكى على ما ضيعت، لقد انتبهت بعد فوات الأوان، ولات ساعة مندم.

الرئيس تسرب من أخطاء الأحزاب
صراع الأحزاب على خلفيات أيديولوجية اتخذه الرئيس حجة عليها وبالقليل من الكلام وكثير من الاحتقار الصامت ألب عليها قطاعًا واسعًا من الشعب الذي انتظر الإنجازات وخاب، فجعل سبب خيبته في الأحزاب وبرر تجاوزها عمليًا بتقديم حكومة من خارجها.

يصبح السؤال الآن كيف تكون حياة سياسية بلا أحزاب؟ فيكون رد الرئيس وفريقه السياسي غير المتشكل حزبيًا كيف تكون حياة سياسية بمثل هذه الأحزاب؟ وهكذا ندخل حلقة مفرغة، فتجد أحزاب البرلمان نفسها ملزمة بالتصديق على حكومة ليست منها ولا لها وإلا فإنها تتحمل عبء ما قد يصيب البلد من انهيار في غياب حكومة، ويقطف الرئيس النتيجة، وعندما يصل التحليل إلى هذه النقطة نضطر إلى السؤال القديم لماذا رضيت الأحزاب بالقانون الانتخابي الحاليّ الذي لم يمكن حزبًا من تحمل مسؤولية الحكم أمام الشعب؟

هل هذه بداية سلسلة الأخطاء؟ نعم من هناك بدأت عملية تفتيت العملية السياسية حتى وصلنا إلى الوضع الحاليّ، حيث الأحزاب تتفرج على نهايتها باكية، فلماذا لم يتهم الرئيس القانون الانتخابي السابق؟ لقد فعل لكن ليس في اتجاه إعادة تأسيس عملية سياسية حزبية بل تكلم بما يشبه إلغاء مسار العمل الحزبي بديمقراطية مباشرة أو مجالسية (طبعًا لم يتقدم بأي مبادرة تشريعية في الغرض وهو مخول بذلك) بل تسرب من الفشل ليوجه الحكم نحو نظام لم تتبين ملامحه لغيره أو لفريقه السري.

هل خالف الرئيس الدستور؟ سيكون هذا سؤال الأشهر والسنوات القادمة، لقد خول لنفسه حق تأويله في غياب محكمة دستورية، والأحزاب ليست في وضع الاعتراض على تأويله إلا في السوشيال ميديا أما مواقفها الرسمية فمتوجسة وخائفة أو تؤجل اتخاذ مواقف ضمن صراعها القديم، حتى لا ينصر الرئيس بعضها على بعض.

هل هي نهاية مرحلة الديمقراطية التمثيلية؟
حتى الآن البرلمان متعدد طبقًا لنتائج انتخابات 2019، فهل سيذهب الرئيس إلى حله طبقًا لقراءته الدستورية الخاصة، وهل ستستفيق الأحزاب من صفعات الرئيس وتعيد ترتيب مواقفها على أساس الحفاظ على عملية سياسية عادية؟

اختبار حقيقي للنخبة التي فشلت حتى الآن في العمل السياسي الديمقراطي المشترك، ونميل إلى سوء الظن بقدرتها ونتوقع لها مصيرًا حزينًا بحسب أحجامها، وسيكون من عارها أن شخصًا واحدًا مفردًا تسرب إلى السلطة دون أن تدرك نواياه وأنه فعل بها ويفعل ما يريد وهو الفرد الذي لم يتحزب.

لقد كشفت عجزها وجهلها وقلة حيلتها وسيزداد ذلك وضوحًا وهي تصادق مكرهة على حكومة تعاديها وترذلها، سنراها في خطاب المزايدة الثوري الديمقراطي يوم المصادقة ولكن آخر الجلسة ستخرج حكومة التكنوقراط منتصرة على السياسيين الذين سيصير وجودهم البرلماني عبئًا على الشعب ويكمل الإعلام المعادي ترذيلهم أفرادًا وجماعات وكتلًا، فهل سينتفضون على الرئيس وحكومته؟ ستكون تلك معجزة نتمنى حصولها لكن مدى علمنا بالنخبة وطرق عملها وخلفيات مواقفها يسمح لنا بالسير على أرض الخيبات الكبيرة والخديعة الكبرى.

هل يمكن أن يكون هناك سير في غير اتجاه؟ تونس تفقد اتجاهها، فهي تدور على محور ثابت كبغل المعصرة.



 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الإمارات، عبير موسي، قيس سعيد، الثورة المضادة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 31-08-2020   المصدر: نون بوست

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د. أحمد بشير، رشيد السيد أحمد، مصطفي زهران، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، ماهر عدنان قنديل، د. صلاح عودة الله ، منجي باكير، د. كاظم عبد الحسين عباس ، سليمان أحمد أبو ستة، تونسي، صباح الموسوي ، عبد الله زيدان، د. عبد الآله المالكي، إياد محمود حسين ، مجدى داود، صفاء العراقي، يحيي البوليني، جاسم الرصيف، إيمى الأشقر، سفيان عبد الكافي، محمد الياسين، د - مصطفى فهمي، محمد شمام ، د. أحمد محمد سليمان، عبد العزيز كحيل، علي عبد العال، حسني إبراهيم عبد العظيم، فتحي الزغل، عراق المطيري، د - عادل رضا، سعود السبعاني، د.محمد فتحي عبد العال، محمد الطرابلسي، حميدة الطيلوش، د- هاني ابوالفتوح، المولدي اليوسفي، د. طارق عبد الحليم، رحاب اسعد بيوض التميمي، أحمد بوادي، ضحى عبد الرحمن، إسراء أبو رمان، صفاء العربي، مصطفى منيغ، عبد الله الفقير، أحمد ملحم، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، أشرف إبراهيم حجاج، محمد اسعد بيوض التميمي، أبو سمية، سامح لطف الله، صالح النعامي ، بيلسان قيصر، عزيز العرباوي، طارق خفاجي، د - المنجي الكعبي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، محمود سلطان، د - محمد بنيعيش، رمضان حينوني، د. خالد الطراولي ، محمد أحمد عزوز، محمد العيادي، أ.د. مصطفى رجب، أحمد النعيمي، علي الكاش، رافع القارصي، كريم فارق، سامر أبو رمان ، محمد عمر غرس الله، طلال قسومي، أنس الشابي، د- محمد رحال، عبد الغني مزوز، حاتم الصولي، د. مصطفى يوسف اللداوي، د - محمد بن موسى الشريف ، محرر "بوابتي"، عبد الرزاق قيراط ، محمود طرشوبي، خبَّاب بن مروان الحمد، د. عادل محمد عايش الأسطل، د - الضاوي خوالدية، د- محمود علي عريقات، خالد الجاف ، حسن الطرابلسي، سلوى المغربي، رضا الدبّابي، محمد يحي، أحمد الحباسي، محمود فاروق سيد شعبان، مراد قميزة، وائل بنجدو، الناصر الرقيق، الهيثم زعفان، يزيد بن الحسين، د - صالح المازقي، نادية سعد، المولدي الفرجاني، د - شاكر الحوكي ، عمار غيلوفي، صلاح الحريري، سلام الشماع، صلاح المختار، العادل السمعلي، حسن عثمان، رافد العزاوي، ياسين أحمد، فتحـي قاره بيبـان، د- جابر قميحة، سيد السباعي، فتحي العابد، عمر غازي، فهمي شراب، كريم السليتي، فوزي مسعود ، محمد علي العقربي، الهادي المثلوثي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، عواطف منصور،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة