البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

خليفة حفتر أو دونكيشوت ليبيا

كاتب المقال طارق الكحلاوي - تونس   
 المشاهدات: 2144



انت ما عندكش سلطة وتجي تقول أنا نفوض"
عقيلة صالح، رئيس مجلس نواب طبرق، المفترض موالي لحفتر
(في تسجيل فيديو بحضور محيط اجتماعي قبلي تم تسريبه يوم الخميس 30 نياسن/ أبريل 2020)

الآن اتضح الأمر. المشير خليفة حفتر يريد أن يكون إمبراطور ليبيا، لكنه في الواقع هو "دونكيشوتها".

بعد الإعلان مرارا الهجوم على طرابلس والسيطرة عليها خلال أيام في حين أن قواته راوحت مكانها، يعلن خليفة حفتر من جانب واحد أنه الحاكم المفوض الأوحد لليبيا، بعد أن تكبد أكبر خسائرها منذ أكثر من عام. كلما خسر واقعيا وميدانيا، صعّد في رغباته وأحلامه. يخسر كل مدن الساحل الغربي، ويتعرض للحصار في معقله الشخصي والرمزي في ترهونة، فماذا يفعل؟ يعلن أنه أصبح حاكم كل ليبيا. لا يستطيع فعليا وواقعيا اقتحام طرابلس، فماذا يفعل؟ فيعلن اقتحامها وتنصيبه ملكا على البلاد بأسرها، وعاصمتها طرابلس. فماذا سيفعل إن خسر دعم الشرق وحوصر في الرجمة؟ ربما يعلن حينها ضم تونس ومصر إلى إمبراطوريته؟

دونكيشوت ليبيا في نهاية الأمر أعلن نفسه حاكما، وطلب هدنة، وكان من الطبيعي أن ترفضها حكومة طرابلس. ما يحصل مع المشير حفتر مثير للانتباه، إذ إن الطريقة التي يريد بها الرد على خسارة فعلية في الميدان هي إعلان وهمي عن السيطرة على الميدان. حالة اليأس تبرز خاصة في استخراج سيئ الصيت محمود الورفلي والذي حاول هباء إخفاءه بعيدا عن الأنظار، وإرساله إلى بني وليد لمحاولة التأثير بكل الوسائل من أجل إخضاع هذا المفصل الاستراتيجي جنوب ترهونة وإرجاعه إلى صف الولاء، إذ يبدو أن أعيان المدينة فهموا في الوقت المناسب أن الوضع تغير، وأن صفحة حفتر تجاوزها الزمن، وأن الرجل "ركب رأسه، وبدأ يحلق بعيدا.

المشير لا يمكن أيضا أن يكون له شركاء، ليس فقط في الغرب بل أيضا في الشرق ومجالات نفوذه الظاهر. فإعلانه "التفويض" بذلك الشكل الكاريكاتوري المتسرع كشف عن هشاشة العلاقة مع إطاره الداعم. فصمت عقيلة صالح، رئيس مجلس نواب طبرق، عن مبدأ التفويض، ومبادرته السياسية التي ركزت على إحداثيات ما قبل التفويض، كانت مقدمة ظهور الهشاشة. إعلان قبيلة عقيلة صالح (أي العبيدات)، وما تعنيه من نفوذ اجتماعي وسياسي في الشرق، أن المرجع الحصري للشرعية هو مجلس نواب طبرق، وبالتالي ليس "التفويض"، إنما هو مؤشر يؤكد ما تتناقله مواقع وتلفزات حول رفض عقيلة صالح ومحيطه الاجتماعي المؤثر قرار "التفويض" الأحادي، ويعزز ما يتم تناقله حول إرسال حفتر لمقربين منه من أجل إقناع عقيلة صالح بدعم "التفويض" ورفض الأخير ذلك. ثم أتى تسريب يوم الخميس (30 نيسان/ أبريل) لتأكيد أننا بصدد تباين واضح، والتسريب في ذاته هو رسالة من الشرق بأن حفتر لم يعد بالضرورة شريكا مقدسا.

طبعا لا يمكن أن ننسى في هذا الحلف الهش موقع "الخضر" وأنصار سيف الإسلام. ما حدث في سرت لا يمكن اعتباره حدثا هامشيا، فليس سرا أن سيف الإسلام وبعض الخضر حتى إن دعموا حفتر فذلك ليس لإيمانهم بزعامته. ولهذا فإن التفويض يستفزهم في العمق، وهو ما لم يضع له حفتر حسابا، منجرّا وراء غروره الفائق.

حفتر في كل الحالات ليس مجنونا، فهو يعاني من الاندحار ومستقبل غامض، يضاف إليه ضغط حلفائه الذين لا يتميزون بحسن الأخلاق والصبر، خاصة الإماراتيين. لكنه رغم ذلك ليس مجنونا، وبالتالي هو يحاول القيام ببعض اللعب السياسي، لكن طبعا بميراثه السياسي المحدود والسطحي. يعتقد أن السياسة هي الإعلانات الضخمة المدوية، وأن فقط تكرار الشعارات يمكن أن يغير الاتجاه. هي سياسة قديمة، سياسة الستينيات التي نشأ وتربى عليها تقريبا.

ورغم ذلك، أعتقد أن من أكبر أخطاء حكومة الوفاق أن تسعى إلى الحسم العسكري الدموي حصرا، عوض إسناد التقدم الميداني بكثير من السياسة، لكن ليست سياسة حفتر والشعارات.. سياسة تفرز عقدا سياسيا جديدا يسمح بالاستيعاب الممكن لقبائل الشرق وفزان.

دعونا نكون واقعيين، ليس هناك حسم عسكري في ليبيا، إلا إذا كان المغزى من ذلك تقسيم البلاد. وحفتر في كل الحالات يلعب على هذا الوتر، وليس من المصادفة إرسال قواته في بداية 2019 إلى فزان ومحاولته استمالة القيادات المحلية، حيث يفكر في كل الحالات في ليبيا ضمن الأضلاع الثلاثة التي تمثلها تاريخيا. وهو يعلم أيضا أن الأخوين الكاني ("الكانيات") ولواءهما في ترهونة تورطوا كثيرا في الدماء فلا يمكن لهم عقد تسوية سياسية. ويعلم كذلك أن التدافع بين الشرق والغرب، بين طرابلس وبنغازي، وصل مستويات مقلقة جدا تطرح حالة انقسام اجتماعي يتجاوز السياسي وبقاء حفتر من عدمه.

لكن قدر ليبيا والليبيين، وخاصة حكومة الوفاق، هو إيجاد ذلك المخرج الآخر، ربما بالتعاون مع أطراف إقليمية لم تتورط في تقسيم ليبيا وضرب مقدرات الشعب الليبي والتآمر عليه بالسلاح والمال. المبادرة التونسية لوقف إطلاق النار ربما تكون مدخلا، فهي تتم بالتنسيق مبدئيا مع الجزائر. وجارتا ليبيا من غربها لم تتلطخ أيديهما بالدم الليبي. نعم فرنسا في الصورة، لكن فقط تكتيكيا لأنها تتوهم بأن حفتر يحتاج فقط بعض الأنفاس للعودة، وأن الوضع لم يتغير جوهريا. هناك فرصة لإعادة ليبيا على السكة، بإبعاد المنطق الحفتري، لكن بتسوية سياسية شاملة، تجمع كل من يتفق على الحكم بشكل تشاركي وعلى أساس عملية انتخابية حرة.

رغم هذا التخبط الدونكيشوتي، فإن رهانات إنهاء سلمي للحرب مسألة حتمية وليست خيارا، والصراع لن يحسم عسكريا. هناك مفاصل هشة واضحة في المشروع الحفتري، وأكثر استعجالا في مستويات ترهونة والزنتان، خاصة ترهونة، حيث أن الإصرار على الحسم العسكري مباشرة ليس فقط صعبا، بل سيعطل تفكك التحالف الحفتري.


هنا تتموقع تونس والجزائر للعب دور الوسيط، وليس دولا بعيدة مهجة وموقعا مثل الأردن
هنا تتموقع تونس والجزائر للعب دور الوسيط، وليس دولا بعيدة مهجة وموقعا مثل الأردن، كما يرشح من بعض الأخبار. في الأفق القادم يمنح تردد الشرق، مثلما عبرت مواقف عقيلة صالح والعبيدات وخاصة بجعل ركن الزاوية في مجلس النواب وليس حفتر، إمكانية مبادرة أشمل، يمكن أن تؤدي إلى إعادة توحيد المجلس ونقله مؤقتا (نقل نوابه، وهنا يمكن التقاط رسالة وزارة الداخلية لحكومة الوفاق في بيانها الخميس 30 نيسان/ أبريل التي تتعهد بتأمين عودة النواب إلى طرابلس) إلى مجال تحت سلطة حكومة الوفاق وإيجاد تسوية شاملة كبرى مع ممثلي الشرق.

ودعونا نكون واضحين، لا يعني ذلك أن لا تواصل قوات حكومة الوفاق بمواصلة الضغط العسكري بدعم الطيران التركي (ليس فقط البيرقدار بل أيضا طائرات إف16) ودفاعاته الجوية، وتعديل موازين القوى. إذ إن ما يحصل الآن من تفتت (لحفتر) لا يمكن أن يتم بدون الضغط العسكري أصلا، لكن فقط مع الوعي الكامل بأفق أن النهاية ستحتاج السياسة وليس السلاح، أي المنطق المعاكس تماما للمنطق الحفتري.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

ليبيا، خليفة حفتر، صالح عثيلة، فائز السراج، التدخل الإماراتي في ليبيا،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 3-05-2020   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
صالح النعامي ، محمد العيادي، أحمد النعيمي، سعود السبعاني، بيلسان قيصر، سليمان أحمد أبو ستة، أبو سمية، د- هاني ابوالفتوح، عبد العزيز كحيل، سفيان عبد الكافي، د - عادل رضا، مصطفي زهران، محمود طرشوبي، كريم فارق، سيد السباعي، أحمد بوادي، د- محمود علي عريقات، سامر أبو رمان ، د - مصطفى فهمي، محمد علي العقربي، الناصر الرقيق، حسن الطرابلسي، د. عبد الآله المالكي، سلوى المغربي، د - المنجي الكعبي، رافد العزاوي، د - صالح المازقي، د - شاكر الحوكي ، خالد الجاف ، د- محمد رحال، أنس الشابي، حسني إبراهيم عبد العظيم، عمار غيلوفي، تونسي، إسراء أبو رمان، د.محمد فتحي عبد العال، د - محمد بن موسى الشريف ، فتحـي قاره بيبـان، د. ضرغام عبد الله الدباغ، رضا الدبّابي، د. أحمد بشير، د. صلاح عودة الله ، أشرف إبراهيم حجاج، إياد محمود حسين ، ياسين أحمد، المولدي اليوسفي، كريم السليتي، محرر "بوابتي"، إيمى الأشقر، د - محمد بنيعيش، طلال قسومي، أحمد ملحم، فتحي الزغل، منجي باكير، محمد شمام ، أ.د. مصطفى رجب، العادل السمعلي، المولدي الفرجاني، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د. طارق عبد الحليم، د. خالد الطراولي ، مجدى داود، صفاء العراقي، صلاح الحريري، علي الكاش، صباح الموسوي ، د. أحمد محمد سليمان، حسن عثمان، سامح لطف الله، الهيثم زعفان، حميدة الطيلوش، فتحي العابد، د- جابر قميحة، عمر غازي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، مصطفى منيغ، جاسم الرصيف، عواطف منصور، عبد الله زيدان، أحمد الحباسي، عبد الرزاق قيراط ، محمود سلطان، فوزي مسعود ، خبَّاب بن مروان الحمد، الهادي المثلوثي، د - الضاوي خوالدية، عراق المطيري، مراد قميزة، حاتم الصولي، رمضان حينوني، سلام الشماع، محمد عمر غرس الله، يحيي البوليني، فهمي شراب، ضحى عبد الرحمن، صفاء العربي، عبد الغني مزوز، عبد الله الفقير، محمد الطرابلسي، ماهر عدنان قنديل، محمد يحي، عزيز العرباوي، محمد اسعد بيوض التميمي، رحاب اسعد بيوض التميمي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، رشيد السيد أحمد، محمود فاروق سيد شعبان، يزيد بن الحسين، محمد أحمد عزوز، وائل بنجدو، د. عادل محمد عايش الأسطل، صلاح المختار، نادية سعد، طارق خفاجي، علي عبد العال، محمد الياسين، د. مصطفى يوسف اللداوي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، رافع القارصي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة