البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

تونس بعد كورونا: اليسار يواصل حروبه ضد الإسلاميين

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 2223



نتحدث عن الفرج القريب وعن عودة الحياة إلى سالف زخمها، ونستعد للاحتفال بالعيد داخل أسرنا ونحمد الله. مؤشرات انقشاع الوباء تترادف. قد تكون الخسائر المادية أقل من المتوقع. خسر أولادنا عاما دراسيا، وسيكون في تكوينهم فراغ كبير، ولكن قد يمكن التعويض بشيء من الجهد في مقبل السنوات. غير أن حديث التفاؤل هذا لا يتسع ليشمل توقعات السياسة التونسية بعد كورونا. مؤشرات أخرى كثيرة تترادف لتكشف أن النخبة السياسية لا تزال ترابط في مواقعها ما قبل الوباء، وأنها تشحذ سكاكينها لتعود بعد الهدنة إلى سالف حربها المنحطة.

تحقير المنجز الصحي

أول مؤشرات الحرب المنحطة هي تحقير المنجز الصحي الذي قاده وزير الصحة عبد اللطيف المكي. لقد حققت السياسة المتبعة مكسبا مهما هو الذي يعطينا الآن مؤشرات التفاؤل المذكورة، لكن قيادة هذا النجاح خاضت من أجله حربين؛ حربا ضد الفيروس بوسائل العلم وحربا ضد فيروسات السياسة التي لم تدخر جهدها في تحطيم المنجز لتحطيم قائده.

لقد حُقر المنجز في قلب المعركة، وروج كثيرون ومنهم خاصة أطباء وعلماء؛ إشاعات كثيرة كانت تنتهي كلها بالحط من سمعتهم العلمية. فالمنجز يقوده فريق من الأساتذة الكبار في اختصاصهم، لا وزير فرد. لقد كان التخذيل موجها لشخص الوزير لأسباب سياسية بحتة، فهو وزير إسلامي ويوشك أن يتحول نجاحه إلى زعامة سياسية تؤهله لأداور أكبر في المستقبل. تجاوز الوزير مثبطيه، لكن المعركة أعطتنا علامة على ما سيكون بعد الوباء.

التخذيل يصدر من نفس الجهات وبخلفيات الصراع القديم الذي لم يهذبه الوباء أو يخفف منه. حرب الإقصاء السياسي الموجهة ضد الإسلاميين قد انفجرت حلقة أخرى منها قبل نهاية الحجر الصحي، بالإعلان عن تعيين وزيرين مستشارين لرئيس الحكومة، فعادت اتهامات استيلاء حزب النهضة على السلطة. ورغم أنه تبين أن التعيين يأتي ضمن سياق كامل تم فيه تعيين وزراء مستشارين سابقين (أكثر من عشرة من خارج النهضة)، وأن وزيري النهضة هما آخر الواصلين، وأن كل ذلك كان ضمن اتفاق مكتوب زمن تشكيل الحكومة قبل الوباء، إلا أن حرب الدعاية ضد حزب النهضة لم تخفت وأقيمت لها البلاتوهات الإعلامية، فعدنا كأن لم يمر بنا وباء ماحق للبشر إلى نفس الحرب وإلى نفس الجبهات من أجل نفس الأهداف: إقصاء الإسلاميين من الحكم. غير أننا هذه المرة نتوقع معنى أبعد من مجرد إقصاء طرف سياسي، فنرى مشروعا أوسع يتجاوز حرب اليسار (عصا المنظومة البائدة) ضد الإسلاميين، لنتوقع اتجاهات السياسة في تونس بعد كورونا.

حكومة الإصلاحات قد تبدأ عملها

نقول قد تبدأ إصلاحاتها لأننا لا نفلح في توقع مقدار التعطيل التي قد تضعه المنظومة التي ستخسر كلما تقدم الإصلاح. نتذكرها قد زرعت الإرهاب في الطريق منذ الثورة، وقادت المسيرات وخربت بكل الوسائل، وتسربت إلى البرلمان وعطلت أعماله. لذلك نميل إلى الاعتقاد بأن الحرب ضد حزب النهضة هذه المرة ليس لأنه إسلامي، بل لأن دوره الحقيقي ومشروعه قد تبين لهم بوضوح ولم يعد قابلا للتمويه. إنه العامود المركزي الذي يسند هذه الحكومة ويقيم صلبها ويدفعها إلى الإصلاح، ويجر معه الأحزاب التي كانت جزءا من المنظومة فيورطها في الإصلاح، فيجتنب أذاها ويحولها إلى صفه دون أن ينشغل بتلك المصالحات الأخوية غير المجدية، والتي لم تعد ذات جدوى ولن تكون إذا تورط خصوم الحزب في إدارة الدولة معه، وهو ما يجري الآن وتقرأه المنظومة تهديدا فعالا (يوجد هنا موقف يرى كل إسلامي فاسد بالقوة، وهو موقف لا آخذه بعين الاعتبار عند التحليل لأنه موقف يتلقى أوامره من السفير الفرنسي مباشرة).

لقد كان حزب النهضة يسعى إلى توريط شركائه الجدد، ولذلك تنازل عن كثير حتى أوقعهم في الشراكة، وهم الآن حيث أراد لهم: شركاء في حكومة تعلن برنامجا إصلاحيا، وكل خطوة مشتركة في اتجاه الإصلاح تقطع عليهم طريق العودة إلى ممارسة الإقصاء، ولو أن خطاب بعضهم لا يزال يقدم التحية العسكرية لحفتر وبشار، لكنه خطاب تعزية ذاتية أكثر منه موقف سياسي فعلي.

هذا الاتجاه نحو الإصلاح وإن لم يكن شاملا وسريعا وفعالا منذ البداية، إلا أنه اتجاه يكشف بدء تاريخ جديد. هنا تخسر المنظومة وتتقدم حكومة حازت رضا شعبيا في معركة كورونا، وقد تبني عليه فعلا سياساتها في الأيام والأشهر القادمة.

خسارات جذرية.. وبدايات

الخسارة الأكبر لمنظومة الفساد والاستبداد أن أدواتها السياسية الصغيرة تفككت واستحوذ عدوها الإسلامي على جزء كبير منها، أو على الأقل حيّدها في معركة الاستئصال، فهي تجلس معه في مجلس الوزراء وتخطط معه السياسات..

الخسارة التالية والجذرية هي أنه لم يعد لهؤلاء الشركاء من خطة غير الإصلاح لأنه صار مرادفا للشرعية، فلن يحكم أحد بعد حكومة 2019 إلا إذا تقدم على طريق الإصلاح. إننا إزاء تغيير في أسس الحكم: إما أن تصلح أو أن تندثر. والإصلاح يمر حتما بمحاربة الفساد المالي وأصحابه، أي عماد المنظومة القديمة التي أسسها نظام بن علي وقوّاها واستقوى بها.

لن نحقق هنا في صدق خطابهم، ولكن نقول لقد ورط السياسيون بعضهم البعض في هذا الأمر، فقد بنوا خططهم على محاربة الفساد، وورطهم الناخب في ما أطلقوا من وعود وهم الآن بين التنفيذ، وبالتالي إصلاح حال البلد أو انكشاف كذبهم على الناخب، والتراجع ومهادنة المنظومة والموت السياسي في أول انتخابات قد تسبق موعدها. وأول المتورطين رئيس الحكومة نفسه، فهو يسعى إلى البقاء ولن يبقى بمهادنة المنظومة بل بتصفيتها.

لقد منحت معركة الوباء مهلة للجميع، والآن، الوضع يتجه للانفراج وعودة الحياة السياسية والاقتصادية، سنتابع فصولا سخيفة من معركة الاستئصال القديمة. فليس لليسار التونسي ما يفعله غير ذلك، ولكن سنتابع الاختيار الحقيقي لمن زعم مقاومة الفساد (بما في ذلك حزب النهضة الذي أقام برنامجه على شعار العدل أساس العمران)، وها هو العمران خرب ينادي العدل. يمكن للحزب أن يسجل في الطريق مكاسب خاصة بتحييد بعض خصومه القدامى، لكن المكسب الأكبر هو إسناد الحكومة في معركتها ضد الفساد.

هذه الحكومة قائمة بحزب النهضة وهي رهينة له، وإن تكبّر شركاؤها ونفخوا صدورهم في بلاتوهات التلفزة، لأنهم يعرفون وزنهم الحقيقي بدون النهضة، ويعرفون مصيرهم لو تخلوا عن هذه الشراكة (يمكنهم امتداح حفتر وبشار لكنهم لن يحكموا دون النهضة)، ولكن نجاح الحكومة يتجاوز وزن الأحزاب إلى تنفيذ البرنامج المشترك المعلن عند التشكيل.

تنفيذ هذا البرنامج بعد انقشاع الوباء سيكون بداية أخرى لتونس؛ لا يفرض عليها الفاسدون شروطهم ولا يفرض فيها الاستئصاليون معاركهم الأيديولوجية المفوتة، إذ لن يكون هناك فساد يمول اليسار ليخوض الحروب فيما هو يراكم المال الفاسد ويتحدث عن التقدمية.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

كورونا، تونس، اليسار، حركة النهضة، عبد اللطيف المكي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 29-04-2020   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
حسن عثمان، ماهر عدنان قنديل، أحمد بن عبد المحسن العساف ، منجي باكير، عمار غيلوفي، د. طارق عبد الحليم، رافع القارصي، يحيي البوليني، فهمي شراب، محمد أحمد عزوز، رافد العزاوي، د- محمد رحال، عبد الغني مزوز، أبو سمية، فتحـي قاره بيبـان، محمد يحي، تونسي، د. عادل محمد عايش الأسطل، كريم السليتي، أحمد النعيمي، د - عادل رضا، جاسم الرصيف، حاتم الصولي، أ.د. مصطفى رجب، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، ضحى عبد الرحمن، د. أحمد محمد سليمان، مصطفى منيغ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، نادية سعد، المولدي اليوسفي، الهادي المثلوثي، سامح لطف الله، خبَّاب بن مروان الحمد، أحمد الحباسي، د - مصطفى فهمي، عواطف منصور، صلاح المختار، بيلسان قيصر، محمود فاروق سيد شعبان، د- هاني ابوالفتوح، عراق المطيري، صفاء العربي، صلاح الحريري، سعود السبعاني، محمد الياسين، عبد الله زيدان، د. خالد الطراولي ، د- محمود علي عريقات، أحمد ملحم، حسن الطرابلسي، سليمان أحمد أبو ستة، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د- جابر قميحة، د - المنجي الكعبي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، عبد العزيز كحيل، العادل السمعلي، خالد الجاف ، عبد الرزاق قيراط ، أنس الشابي، د.محمد فتحي عبد العال، حميدة الطيلوش، سامر أبو رمان ، صباح الموسوي ، فتحي العابد، د. عبد الآله المالكي، طارق خفاجي، علي عبد العال، عزيز العرباوي، حسني إبراهيم عبد العظيم، فوزي مسعود ، المولدي الفرجاني، محرر "بوابتي"، وائل بنجدو، فتحي الزغل، صالح النعامي ، يزيد بن الحسين، محمود سلطان، محمد اسعد بيوض التميمي، سلام الشماع، د. أحمد بشير، صفاء العراقي، سلوى المغربي، د - صالح المازقي، د - محمد بنيعيش، محمد شمام ، عمر غازي، أحمد بوادي، علي الكاش، مصطفي زهران، محمد الطرابلسي، سفيان عبد الكافي، د - الضاوي خوالدية، د. مصطفى يوسف اللداوي، عبد الله الفقير، د - محمد بن موسى الشريف ، د. صلاح عودة الله ، إيمى الأشقر، محمد عمر غرس الله، مجدى داود، سيد السباعي، مراد قميزة، الناصر الرقيق، محمد العيادي، رحاب اسعد بيوض التميمي، أشرف إبراهيم حجاج، طلال قسومي، رمضان حينوني، رضا الدبّابي، كريم فارق، ياسين أحمد، رشيد السيد أحمد، د - شاكر الحوكي ، إسراء أبو رمان، محمد علي العقربي، الهيثم زعفان، إياد محمود حسين ، محمود طرشوبي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة