البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

هل تصمد حكومة الفخفاخ طويلا؟

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 2213



نستبشر ونجمع مؤشرات التفاؤل وننفخ في صورة الأمل بعد قيام حكومة السيد إلياس الفخفاخ في تونس، لكننا نحتفظ بكثير من الواقعية. فقد أعدم صراع النخب في تونس ذلك الفرح الطفولي الذي يشعر به الناس في المناسبات السعيدة، لذلك نحاول استشراف عمر حكومة الفخفاخ عوض السؤال عن نجاحاتها العملية. فهناك في تركيبة الحكومة وفي برنامجها عناصر غير مطمئنة، خاصة أمام إعلام معاد يشعر بالخسران من كل نجاح.

الميراث الثقيل

تواجه حكومة تونس ميراثا ثقيلا، فهي تستلم البلد والمؤشرات الاقتصادية سيئة، والوضع الاجتماعي متفجر وزاده الجفاف بؤسا، فالسنة الفلاحية تنذر بكارثة بعد انحباس الغيث على كامل البلد طيلة الشتاء الماطر عادة. هذه التركة الثقيلة متراكمة منذ ما قبل الثورة، وكل الحكومات بعد الثورة قدمت علاجات ظرفية مؤجلة كل حل جذري بحجج مختلفة.

خُيّل إلى كثيرين أن النقابة قد شاركت في تأليف الحكومة، وأنها بالنظر إلى هذا الدور السياسي الاعتباري ستمنح الحكومة هدنة اجتماعية طالب بها السياسيون النقابة منذ الثورة، لكن إضرابات متوحشة في قطاع التعليم انطلقت منذ الساعات الأولى لعمل الحكومة منذرة إياها ببقاء الوضع على ما هو عليه، وهو ما كشف أن ليس للنقابة رأسا واحدة، وأن القرار بالتحرك الاحتجاجي في أي قطاع لا يعود إلى المركزية النقابية بل للخلفية السياسية الخاصة بكل قطاع. فالأذرع النقابية للأحزاب الباقية خارج الحكومة ستتحرك طبقا لأجنداتها الحزبية بقطع النظر عن محاولات المركزية التهدئة، وسيزداد الأمر سوءا عند الاقتراب من حلحلة معضلة الفوسفات، وليس للحكومة قدرة على تقديم ترضيات سياسية قبل التفاوض على أي مشكل اجتماع واقتصادي معلق، أي أن الهدنة الاجتماعية المرغوبة لن تحصل.

هل ستخوض حكومة الفخفاخ المعركة اللازمة ضد النقابة لتلزمها بحدود معقولة؟ نرجح أنها ستميل إلى مهادنة النقابات وتأجيل التصادم، خاصة أن النقابة هي من اختارت وزيرها للشؤون الاجتماعية وهو أقرب في مواقفه إلى النقابة منه إلى الحكومة، وكل مهادنة تجعل النقابات تمد ساقها في المشهد الاجتماعي وتبتز المرحلة رغم علمها بالصعوبات الماثلة أمام الجميع. وفوق ذلك تستعد النقابة لعقد مؤتمرها في 2020، وقد دأب النقابيون على المزايدة بالتصعيد في الشارع لحيازة مواقع داخل النقابة.

حكومة فسيفساء

توجد في الحكومة خمس مجموعات سياسية متنافرة فضلا عن المستقلين، وتواجه معارضة من أكثر من الثلث المعطل. ورغم أننا نلاحظ بدايات هدوء في الخطاب بين هذه المكونات بعد حروب كلامية جارحة في مرحلة التشكيل، إلا أننا نتوقع وميض نار تحت رماد خفيف. لقد أمضى الجميع على وثيقة سياسية ملزمة تجبرهم على العمل معا لتنفيذ محتوى الوثيقة، ولكن الأثمان السياسية لتنفيذ الوثيقة ستكون مكلفة في المدى المتوسط. ونعرف أن جميع المكونات ترنو إلى انتخابات 2024 وطموحاتها المستقبلية أكبر من أحجامها الحالية، وقد دخلت حكومة الفخفاخ كوسيلة لإثبات وجودها في المستقبل أكثر من رغبتها في إنجاح الحكومة الحالية.

تنفيذ وثيقة الحكم سيمر بالخضوع إلى شروط المقرضين الدوليين، حيث ستخوض الحكومة تفاوضا مذلا حول برنامج الأليكا (العلاقة مع الاتحاد الأوروبي). ولهذا ثمن سياسي في الراهن وفي المستقبل، ونرجح أن أي مناورة للقبول ستكلف أحزاب الخطاب الثوري (حركة الشعب بالذات) الكثير من رصيدها. فمسؤولية تبرير تقليص التشغيل في الوظيفة العمومية تقع على وزيرها في وزارة التشغيل، بينما يجد وزيرها على التجارة نفسه مجبرا على قيادة التفاوض وإمضاء التنازلات التي بنى الحزب نفسه على رفضها.

وإلى ذلك نراقب الشحن الإعلامي المعادي للحكومة، والذي بدأ يحرّض بعض مكوناتها ضد بعض محاولا دق الأسافين بين الأحزاب. ويبدو أن هناك استجابات لهذا الشحن، ودليلنا أن ظهور حالة أولى من وباء الكورونا لم ينتج موقفا موحدا من مكونات الحكومة المتنافرة رغم مرور أكثر من خمسين ساعة عليه، بل حمّل الإعلام مسؤولية ظهور الوباء لوزير الصحة (من حزب النهضة) كأنه جلب الوباء في حقيبته، ولم يعلن رئس الحكومة موقفا وطنيا موحدا في التصدي للوباء حتى الساعة.

العلاقة الإشكالية مع رئس الدولة

يستشعر التونسيون ضغينة تكبر تحت غطاء المجاملات الرسمية بين رئيس الدولة ورئيس البرلمان (رغم أن حزبه منح تصويته للرئيس في الدور الثاني). ونرجح أن تظهر الخلافات للعلن إذا أصر رئيس البرلمان على دفع التعديل في القانون الانتخابي الثلاثاء (3 آذار/ مارس) أو ما اصطلح عليه بقانون العتبة (5 في المئة)، حيث تبين أن حزام الحكومة (130 صوتا) ليس متفقا على التعديل، فحركة الشعب ترفض ذلك وتميل إلى موقف الرئيس الذي يعتزم تعديل النظام السياسي بتعديل جذري على القانون الانتخابي.

هذا اختبار أول لتماسك الموقف السياسي داخل الحكومة ولشكل العلاقة مع الرئيس نفسه الذي يتمدد على حساب الحكومة، محاولا في ذات الوقت إلزام رئيس البرلمان بدوره التشريعي دون لعب أي دور سياسي خاصة في المجال الدبلوماسي.

لا يوجد إلزام أخلاقي أو سياسي لمكونات الحكومة في أن تكون على موقف موحد في جميع الملفات السياسية خارجها، لكن كل خلاف خارج الحكومة سيكون له أثر على عمل مكوناتها في التنفيذي، وهذا سبب إضافي لاضطراب عملها، وفي غياب الأجندة السياسية الموحدة لمكونات الحكومة سيشتغل كمعيق لكل اتفاقاتها في التنفيذي، وهذه حقيقة مخيفة.

فضلا عن ذلك، فإن أي خلاف حول تحقيق رغبات الرئيس وأجندته السياسية الخاصة سيشتت موقف الحكومة وينتج عزلة بين رأسي التنفيذي تباعد بين الأحزاب، وسيكون التصويت على قانون العتبة مؤشرا على مستقبل العلاقة مع الرئيس، حيث من المنتظر أن يصوت حزب قلب تونس مع النهضة، بما يوسع الفجوة بين الغنوشي وسعيد؛ المعادي للقروي والراغب في حرمانه من أي دور سياسي مستقبلي.

المشهد برمته يتقدم في الهشاشة ويسير على حد السكين، وكل عناصره تتصيد أخطاء بعضها البعض لمراكمة مكاسب على المستقبل (2024) عوض الدخول في مرحلة تعاون جدي، وهي أجواء غير ملائمة لمواجهة جذرية مع الميراث الكارثي الذي وجدته الحكومة. ونرى الفخفاخ في مهمة ربان في عاصفة بأشرعة حريرية.

سنطيل بالنا فترة أطول مع هذا الوضع الهش، وندعو للحكومة والدعاء ليس عنصرا من التحليل.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، حكومة الفخفاخ، مجلس نواب الشعب،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 4-03-2020   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
حاتم الصولي، د. أحمد بشير، سلام الشماع، ماهر عدنان قنديل، د - صالح المازقي، سليمان أحمد أبو ستة، د - مصطفى فهمي، د. طارق عبد الحليم، د - المنجي الكعبي، د. مصطفى يوسف اللداوي، عراق المطيري، يزيد بن الحسين، علي الكاش، د. ضرغام عبد الله الدباغ، يحيي البوليني، الهيثم زعفان، د. كاظم عبد الحسين عباس ، إسراء أبو رمان، المولدي اليوسفي، رمضان حينوني، أحمد النعيمي، وائل بنجدو، سامح لطف الله، حسن الطرابلسي، أبو سمية، فوزي مسعود ، رشيد السيد أحمد، د- محمود علي عريقات، محمد شمام ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، تونسي، عزيز العرباوي، د. عادل محمد عايش الأسطل، نادية سعد، محرر "بوابتي"، فتحـي قاره بيبـان، عبد الرزاق قيراط ، محمد العيادي، أنس الشابي، محمود سلطان، د - شاكر الحوكي ، صباح الموسوي ، كريم فارق، عبد الله الفقير، حسن عثمان، أ.د. مصطفى رجب، الناصر الرقيق، طلال قسومي، محمد علي العقربي، د - عادل رضا، فهمي شراب، صفاء العراقي، صالح النعامي ، سعود السبعاني، د - الضاوي خوالدية، رافع القارصي، د.محمد فتحي عبد العال، رحاب اسعد بيوض التميمي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، سفيان عبد الكافي، محمد أحمد عزوز، صلاح المختار، كريم السليتي، صفاء العربي، علي عبد العال، فتحي الزغل، العادل السمعلي، أشرف إبراهيم حجاج، حميدة الطيلوش، فتحي العابد، د- جابر قميحة، أحمد بوادي، عمر غازي، أحمد الحباسي، محمد يحي، عبد العزيز كحيل، د. خالد الطراولي ، المولدي الفرجاني، عواطف منصور، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، مصطفي زهران، إيمى الأشقر، محمد عمر غرس الله، د. صلاح عودة الله ، د- محمد رحال، خبَّاب بن مروان الحمد، أحمد ملحم، خالد الجاف ، د. عبد الآله المالكي، إياد محمود حسين ، رافد العزاوي، سيد السباعي، د- هاني ابوالفتوح، عبد الغني مزوز، محمد اسعد بيوض التميمي، ياسين أحمد، ضحى عبد الرحمن، محمود فاروق سيد شعبان، طارق خفاجي، سلوى المغربي، محمد الياسين، د. أحمد محمد سليمان، مراد قميزة، مصطفى منيغ، الهادي المثلوثي، حسني إبراهيم عبد العظيم، د - محمد بن موسى الشريف ، بيلسان قيصر، منجي باكير، سامر أبو رمان ، عبد الله زيدان، رضا الدبّابي، محمد الطرابلسي، جاسم الرصيف، عمار غيلوفي، د - محمد بنيعيش، مجدى داود، محمود طرشوبي، صلاح الحريري،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة