البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

حكومة الحد الأدنى السياسي في تونس

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 2524



مثل طالب غير مستعد استنزف زمن الامتحان حتى الثواني الأخيرة ليسلم ورقته وقد ظن أن الإلهام ينزل في آخر الوقت على من يفتقد الفهم والحسم في السؤال منذ البداية، أعلنت حكومة في تونس في آخر ساعات الأجل الدستوري لتشكيلها وستمر أمام البرلمان للمصادقة وقد ضمنت بعد جهد جهيد حزامًا سياسيًا غير متوافق لكنه هارب من العودة للصندوق الانتخابي أي إلى الشعب صاحب السيادة.

هل ستنجح الحكومة؟ في أمانينا نرغب في نجاحها ولكن في الواقع نرجح أن الصراعات الأيديولوجية والفئوية نُقلت من بلاتوهات الإعلام إلى مكتب رئيس الحكومة وسنشهد معارك كثيرة في كل قرار يتخذ أو في كل مشروع قانون ترفعه الحكومة للبرلمان.

حكومة الحد الأدنى
هل نلوم السياسيين على التأخر في التشكيل أم نشكرهم لأنهم سلموا ورقة الامتحان أخيرًا؟ لم يطلب أيّ من المواطنين حكومة معجزات تغير وضع البلد في رمشة عين، بل حكومة تسير بسرعة دنيا من أجل علاج مشاكل الناس المؤجلة منذ الثورة على أمل المرور فعلًا إلى مرحلة بناء مستقبل جديد لبلد يفتقد إلى الموارد الكبرى ويعيش أهله بكد يمينهم ولم يعتادوا المعجزات من قياداتهم منذ صار لهم بلد وحكومات.

كان احتمال التشكيل سريعًا متاحًا منذ البداية ولا يحتاج صراعات سياسية ليكون، ولكن عمق الخلافات الأيديولوجية من مكونات الطبقة السياسية التونسية ظهر أكبر مما قرأنا في تاريخ الصراعات. هذه الصراعات انتهت إلى حكومة غير متجانسة سياسيًا ولم تضم خيرة كفاءات البلد من كل الأحزاب، فقد اعترض الجميع على الجميع بما سمح لشخصيات منسية بالعودة إلى المشهد ونيل وطرها من الحكم دون أن تشقى حتى بحملة انتخابية في حي صغير.

صراع الضرائر الأيديولوجية جاء بالفخفاخ الفاشل في الرئاسات وبحزبه الذي اندثر (التكتل) وبوزراء يوالون شخصه دون سند حزبي بما قلل من حظوظ الأحزاب التي خاضت الانتخابات وملكت سندًا برلمانيًا. لقد استولى غير المنتخبين على حقوق المنتخبين مستهينين بالصندوق الانتخابي ونتائجه على الأرض، وسلم المنتخبون في حقوق هي لهم بقوة الصندوق من أجل حرمان بعضهم البعض من مواقع قرار سياسي وحكومي، بما جعل الحكومة ضعيفة ومهددة في أي لحظة.

نستذكر هنا قصة الشاعرين المختصمين الذين وقفا يمدحان ملكًا ونبههما أن سيجازي الثاني بضعف الأول إذا لم يعجبه شعرهما فلما لم يرق له المدح قال الشاعر الأول للملك اطمس لي عينًا وكان يعرف أنه سيعود أعور ولكنه كان واثقًا أن خصمه سيعود أعمى.

كم ستصمد الحكومة؟
ليتها تدوم خمس سنوات وليتها تنجح في إخراج البلد من الورطة الاقتصادية الماثلة فوق رؤوس الناس لكن هل تملك أسباب الديمومة؟

إن عنصر التثبيت الحقيقي لهذه الحكومة هو ضغط خارجي بالأساس، فقد أثّر المانحون الدوليون في قرار التوافق باللحظة الأخيرة، وقد كنا نتابع خوف الطبقة السياسية من هذه الضغوط وخاصة بعد إيقاف صرف أقساط القروض الخارجية المنتظرة لتغطية مصاريف نصف السنة الجارية.

ولذلك لم يترك للسياسيين رفاه المزايدة بالانتخابات المبكرة ويبدو أن هذا الضغط الخارجي سيظل ماثلًا فوق رأس الحكومة فلا تنحل ونرى أن هذا أهم سبب في تشكيلها وسيكون أهم سبب في بقائها، فهي وإن تغنى السياسيون بخطاب السيادة الوطنية والاستقلال، فهي حكومة البنك الدولي التي ستحمل عار التشكل تحت ضغط غير سيادي أي غير شعبي وستنفذ برنامجه وليس لها أن تعود إلى عنتريات الخطاب الانتخابي.

كما يوجد عنصر وهن داخلي فعال هو أن الحكومة تركت كتلة برلمانية أكبر من الثلث المعطل خارجها، يتكون من حزب الائتلاف وحزب عبير موسي ومستقلين كثر وننتظر يوم المصادقة لنعرف كم سيصوت لها من حزب قلب تونس (القروي) فموقفه بقي ملتبسًا فلا هو مقبول في الحكومة ولا هو معارض فعلًا لوجودها.

وإلى ذلك نضيف أن جروح مرحلة التشكيل والطعنات التي تبادلها السياسيون ستظل تنزف من دم التوافق على الحدود الدنيا، فقد أثخنوا بعضهم رغم الابتسامات التليفزيونية ولا نراهم إلا مواصلين بصوت أقل حدة في المكاتب ولكن بغُلٍّ أشد، ويبقى في الساحة مشعلو الحرائق الذين لم يحظوا بأي تقدير سياسي من الشارع ولا في الحكومة وهم كثر وليس لديهم ما يخسرون إذا صبوا الزيت على نار الصراعات.

لن تصارع الحكومة على جبهة الفقر بل ستبذل جهدًا أكبر في تليين مواقف مكوناتها وإخفاء شقاقهم داخلها وهم يتصيدون أخطاء بعضهم وسيلعب الإعلام المعادي دورًا قذرًا في تخريب كل تقارب يحتاجه رئيسها ليصرف الجهد في سياق الإصلاح.

سنبحث عن بصيص أمل
رغم الوهن الداخلي والضغط الخارجي سننتظر أن يتقدم بطل محاربة الفساد لمواجهة كبيرة، فالسيد عبو وحزبه التيار بنى مجده السياسي على شعار محاربة الفساد وقد أوكل إليه ما أراد، فهو الآن في مواجهة مفتوحة. من أين سيبدأ وإلى أين قد يصل وهل يصدقنا القول في حربه المقدسة؟ بصيص الأمل في أن ينجح في مهامه ولا بأس أن يوسع شعبية حزبه بمكاسب حزبية من معركة وطنية، لكن اختبار صدقه وشجاعته هو أيضًا أمل فإما أن نقول له أحسنت أو أن نتخلص من خطاب سفيه.

الأمل أيضا أن نوايا ومخططات الإقصاء لم تنجح وإن عطلت المسار زمنًا مع حكومة الفخفاخ ستدخل تونس مرحلة تشارك مع الإسلاميين بالقوة لا بالرغبة، فلم يمكن تشكيل الحكومة دون المكون الإسلامي ولن تنجح الحكومة دون الاعتماد عليه في البرلمان. لقد حولت انتخابات 2019 الإسلاميين إلى جزء رئيسي من قاعدة الحكم وأقوى دليل على ذلك أن السيد الفخفاخ ظل يمسك ورقة الأسماء منتظرًا قرار حزب النهضة بمساندته أو معارضته، فلما سمع خبر الموافقة أعلن حكومته. ليس هذا انتقالًا إلى حالة من الديمقراطية الكاملة ولكن عجز الاستئصاليون فاستسلموا لثقل الحزب السياسي وخضعوا لشروط العمل معه تحت تهديد مبطن غالبًا وصريح أحيانًا.

ولن يمكن لهم استعادة مواقف التطهر السياسي على حسابه، إنها معركة موشكة على النهاية بعد أن عطلت مسار الثورة ومسار العمل السياسي دهرًا طويلًا وهذا في حد ذاته انتقال إلى مرحلة جديدة.

لدعم هذا الأمل الشحيح سنقول لقد خرجنا من عنق الزجاجة وسنمجد الصراع غير المسلح تحت سقف الدستور ونقول متعزين من حالة العرب بجوارنا نحن نترامى بالسديم المفتل كصويحبات إمرئ القيس فيما يتراشق أخوة لنا في الجوار بمضاد الطائرات، هل هي تعزية جيدة؟ ما من تعزية ولكنها بلاد الحد الأدنى بنخب لم تقل الشعر يومًا ولم تحلم بالمجد.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، إلياس فخفاخ، تشكيل الحكومة، إسقاط الحكومة، الثورة المضادة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 20-02-2020   المصدر: نون بوست

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
صلاح المختار، رحاب اسعد بيوض التميمي، ياسين أحمد، عمر غازي، خالد الجاف ، فهمي شراب، رضا الدبّابي، صفاء العربي، يزيد بن الحسين، د. عبد الآله المالكي، فتحي العابد، أحمد النعيمي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د. خالد الطراولي ، د - مصطفى فهمي، رشيد السيد أحمد، د - الضاوي خوالدية، عبد العزيز كحيل، سيد السباعي، محمد الطرابلسي، أشرف إبراهيم حجاج، العادل السمعلي، أبو سمية، د- محمد رحال، فوزي مسعود ، محرر "بوابتي"، مجدى داود، عواطف منصور، عبد الله الفقير، سلوى المغربي، الناصر الرقيق، محمد عمر غرس الله، د. أحمد بشير، د - صالح المازقي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، طلال قسومي، د. مصطفى يوسف اللداوي، علي عبد العال، د. طارق عبد الحليم، عبد الغني مزوز، إياد محمود حسين ، صباح الموسوي ، محمود طرشوبي، بيلسان قيصر، سفيان عبد الكافي، حميدة الطيلوش، أنس الشابي، صالح النعامي ، صلاح الحريري، أحمد بوادي، محمد العيادي، د - عادل رضا، سليمان أحمد أبو ستة، إيمى الأشقر، مصطفى منيغ، حاتم الصولي، محمود فاروق سيد شعبان، أحمد ملحم، د.محمد فتحي عبد العال، حسن عثمان، طارق خفاجي، جاسم الرصيف، د- هاني ابوالفتوح، صفاء العراقي، حسني إبراهيم عبد العظيم، ضحى عبد الرحمن، وائل بنجدو، أ.د. مصطفى رجب، المولدي الفرجاني، مصطفي زهران، نادية سعد، د. عادل محمد عايش الأسطل، الهادي المثلوثي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، ماهر عدنان قنديل، د- جابر قميحة، فتحي الزغل، د - شاكر الحوكي ، عراق المطيري، الهيثم زعفان، كريم السليتي، فتحـي قاره بيبـان، منجي باكير، محمد اسعد بيوض التميمي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، حسن الطرابلسي، د - محمد بنيعيش، محمد يحي، رافع القارصي، محمد علي العقربي، محمد أحمد عزوز، عبد الله زيدان، خبَّاب بن مروان الحمد، عبد الرزاق قيراط ، محمد شمام ، أحمد الحباسي، عمار غيلوفي، سعود السبعاني، مراد قميزة، تونسي، د. صلاح عودة الله ، د - المنجي الكعبي، رافد العزاوي، محمد الياسين، كريم فارق، د. أحمد محمد سليمان، علي الكاش، د - محمد بن موسى الشريف ، محمود سلطان، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، يحيي البوليني، إسراء أبو رمان، سامر أبو رمان ، رمضان حينوني، سامح لطف الله، د- محمود علي عريقات، عزيز العرباوي، المولدي اليوسفي، سلام الشماع،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة