البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

حداثيون ضد الديمقراطية في تونس

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 2214



توجد حالة من الجرب الفكري تخترق مكوّنات الطبقة السياسية التونسية تجعلهم يحكون جلودهم عند الحديث عن الإسلاميين. وقد اشتدت حالة الجرب للعيان في الموسم الانتخابي التونسي الملتهب في خريف 2019.

هذا الجرب مكون أساسي في وعي نخبة بنت أفكارها ومواقفها تحت تأثير نظام بورقيبة وبن علي واستمرت عليه لا تغيره وهو العائق القائم الآن في طريق حكومة وحدة وطنية تجمع فرقاء السياسة مع حزب النهضة بناء على نتائج الانتخابات التشريعية التي أعلنت نتائجها البارحة، (ليلة 10-10-2019).

من هم الذين يحملون هذا الجرب في عقولهم؟ ولماذا لا يعالجون جربهم الفكري والنفسي والذوقي؟ وكم على التونسيين أن يتحملوا رفاه مزاجهم الذي يتقزز من الإسلاميين؟

جرب يساري متفش في النخبة

قامت حرب الإقصاء ضد الإسلاميين منذ ظهورهم. ولدينا الآن ما يكفي من المعطيات تثبت أن السلطة (داخلية بورقيبة) هي التي خلقت لهم خصمًا يطاردهم في الجامعة وفي الطريق. استدعي في هذه الحرب كل تراث الحرب على تيار الأخوان المسلمين عامة منذ حادثة المنشية (مسرحية اغتيال عبد الناصر) وزيد عليها محليًا بحق وبكثير من باطل مصطنع.

استمرت المقولات الجاهزة حتى اللحظة. ولكن لم يعد اليسار هو الذي يستعملها وحده بل انتشرت كمسلمات ثابتة في عقول نخبة لا تجادل مسلماتها. فوجدنا أن طيفًا واسعًا (من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار) يرددها ويبني عليها موقفه السياسي وتحالفاته وها هي تعود في لحظة تشكيل الحكومة. ليجد الشعب التونسي نفسه رهينة لها فلا يفرح بنتائج الانتخابات ولا يطمئن إلى مستقبله لأن هناك من يتقزز ويقرف من إمكان الجلوس إلى إسلامي في مجلس حكم. رغم أنه يتودد إليه في الطريق كأنه أخ ضيعه وعثر عليه صدفة.

رفض الإسلاميون موضة فكرية وذوقية يرى حملتها أنها علامة حداثة فكرية وسلوكية. لكنها موضة دامت طويلًا حتى صارت عاهة فكرية. عرفت بعض التخفيف مثل القول بأن للإسلاميين حق الوجود السياسي ضمن مشهد تعددي (وهو ليس موقفًا أغلبيًا) ولكن هذا الوجود لا يجب أن يرقى بحال إلى المشاركة في الحكم أو نيل منافعه. وقد خلق السيد نجيب الشابي توجهًا عامًا أن يكون الإسلاميون وسيلة نقل نحو السلطة.

فهم مدعوون إلى المشاركة لكن لصالح قادة الفكر والرأي والسياسة التقدميين فقط. بلهجة تبسيطية، كان يقال لهم بشكل موارب (امنحونا جمهوركم لنكون رؤساء أو امنحونا نوابكم في البرلمان لنكون حكومات تساندونها وجوبا ولا تشاركون فيها فأنتم لستم أهلا للحكم)، فانتم رجعيون ظلاميون إلى آخر قائمة التوصيفات.

جرب مصري المنشأ

هذه الحيلة قادمة من مصر بدورها، فقاعدة الإخوان المسلمين في النقابات المهنية صالحة فقط لإيصال أمثال حمدين صباحي للبرلمان أو لنقابة محامين أو صحفيين ولكن أن يكون الإخواني نقيب مهنة فهذا غير مسموح بما كشف عمق الدور الذي تلعبه هذه الفكرة لدى النخبة التي تتقاسم الأدوار بينها وبين الأنظمة الحاكمة، حيث الأنظمة تمنع الإخوان من المشاركة فيزعم التقدميون (في إطار الدفاع عن الحريات) فتح ثغرة لهم ولكن في حدود استعمالهم وسيلة نقل إلى المناصب والمواقع والمنافع.

تتمتع الأنظمة بوجه ديمقراطي في الخارج حيث تسوق لمشهد سياسي تعددي ويتمتع التقدميون بمنافع السلطة في الداخل ويشتغل الإخوان أو من شابههم وسيلة نقل. فلما أخرجت الثورة في تونس ومصر الإسلاميين من وضع التاكسي الجماعي عاد جرب التقدمية يحك أصحابه وصار الإسلاميون غير صالحين للحكم ويذهب البعض إلى تشبيههم بالحيوانات (خرفان الإخوان وعلالش النهضة).

وتقف تونس اليوم على مدى تغلغل هذه الفكرة في الطبقة السياسية التي عجزت عن منع الإسلاميين من المشاركة بفضل الثورة ولكنها تمنعهم من المشاركة الفعلية عبر عزلهم والتشويش عليهم مختلقة لهم كل مسببات الفشل.

كل الجماعات السياسية مصابة بالجرب

يوم تحالف حزب التكتل للعمل والحريات (بقيادة مصطفي ب جعفر) ونال رئاسة المجلس التأسيسي (2011) رغم أن حجمه البرلماني كان صغيرًا خرج قطاع واسع من حزبه متهمين إياه بالخيانة لأنه تحالف مع حزب النهضة واستقال آخرون من حزب المؤتمر (حزب المرزوقي لنفس السبب) ورفضت بقية التكوينات التحالف مع النهضة لهذا السبب الذات وأعلن نجيب الشابي المعارضة حتى قبل أن تقام الحكومة. دون أن نذكر هنا بموقف الحزيبات اليسارية التي تعيش فقط بهذا الجرب السياسي ومن أجله ويبدو أنها ماتت به (في انتخابات 2019).

والآن نتابع مناورات تشكيل حكومة 2019-2024 ونتابع الحرج الكبير الذي يجده الفائزون إلى جانب حزب النهضة. خاصة من المكونات التي تعلن نفسها ثورية. (حزبا التيار يسار وسط وحركة الشعب قوميون). الحرج ظاهر في كل تصريحاتهم وفي كل مواقفهم ولكن وراء الحرج الذي يتذرع بغياب برامج النهضة يوجد سبب قوي لعدم الاقتراب. جزء كبير من مكونات هذه الأحزاب سيعلن انسحابه من الأحزاب إذا اقتربت من النهضة.

قواعد هذه الأحزاب وكثير من كوادرها مشبعة بمرض التقزّز من الإسلاميين ويستعيد بعضهم خطاب أول معارك عبد الناصر والإخوان ويعيش منها ويرى أن الزمن قد آن للانتقام من حادث المنشية.

يتحمل التونسيون الآن كلفة هذا الجرب السياسي فهم في حيرة من أمرهم بخصوص تشكيل حكومة متنافرة المكونات، بل يذهبون في توقعاهم إلى حد الفشل في بناء جهاز حكم جديد على نتيجة انتخابات 2019.

عموم الناخبين يعيشون خارج هذه المعركة، وليس لهم فيها لا ناقة ولا جمل وما من أسرة تونسية إلا وفيها إسلامي أو قريب من الإسلاميين، لكن النخبة السياسية تجرهم إلى معركتها منذ نصف قرن. بهذا الجرب حرض بن علي التونسيين ضد بعضهم وحكم ربع قرن وخرب البلد ولا تزال آثار يده المخربة تعيق البلد عن القيام وتعيق التونسي عن العيش الكريم. والموطان لا يسمع حلولا لمشاكله بل يسمح عبارات التقزز من الإسلاميين.

من الجرب الحقيقي في البلد؟ من زرعه في العقول؟ الصورة تتضح للتونسي ولذلك بدأ يستفيق من المعارك المغلوطة ويرد للإسلاميين اعتبارهم وحجمهم إذ يفوضهم للمرة الثالثة للحكم برغم الطرق الإعلامي المتواصل على وعيه منذ تسع سنوات

نتيجة انتخابات 2019 كشفت عودة الوعي بأن المعركة مع الإسلاميين ليست معركة التونسيين بل معركة نخبة تغربت وفقدت علاقتها بأصلها الثقافي والفكري فبنت حياتها و(نضالها) ضد كل احتمال نقد هذه الصيغة من الحداثة وطبعًا محاربة كل حركة أو فكرة أو شخص أو إبداع فردي يذكر بأن هناك صيغة أخرى محتملة للحداثة.

هذا الاحتمال يرفع من درجة الحكة الجرباء التي تصيب النخبة هذه الأيام فنجدها تقف بكل ما تبقى لها من قوة مع ممثل المافيا الدولية الذي يود حكم تونس مقدمًا نفسه كحام الحداثة الأخيرة في تونس. الحداثيون في تونس يقفون ضد الديمقراطية التي قادت التحديث في أوروبا، حالة من التناقض الفكري لم نجد لها من وصف إلا الجرب السياسي.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الإنتخابات، الإنتخابات التونسية، اليسار التونسي، اليساريون،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 20-10-2019   المصدر: نون بوست

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، محمود طرشوبي، خبَّاب بن مروان الحمد، ضحى عبد الرحمن، د. خالد الطراولي ، عبد الله زيدان، د- محمد رحال، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، أحمد ملحم، طارق خفاجي، محمد الياسين، سلام الشماع، حاتم الصولي، د. أحمد محمد سليمان، عراق المطيري، كريم فارق، عواطف منصور، سلوى المغربي، د - محمد بنيعيش، عزيز العرباوي، رافع القارصي، علي عبد العال، بيلسان قيصر، محمود سلطان، د - محمد بن موسى الشريف ، صلاح المختار، محمد أحمد عزوز، العادل السمعلي، سفيان عبد الكافي، إسراء أبو رمان، د - الضاوي خوالدية، حسن الطرابلسي، محمد العيادي، عبد الغني مزوز، د - صالح المازقي، محمد اسعد بيوض التميمي، سامر أبو رمان ، إيمى الأشقر، صباح الموسوي ، كريم السليتي، عبد الله الفقير، صفاء العراقي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، سليمان أحمد أبو ستة، رمضان حينوني، مصطفي زهران، أحمد النعيمي، المولدي الفرجاني، يحيي البوليني، أبو سمية، المولدي اليوسفي، عمار غيلوفي، محمد يحي، د. مصطفى يوسف اللداوي، د - المنجي الكعبي، د. طارق عبد الحليم، سعود السبعاني، الهادي المثلوثي، محمد علي العقربي، مراد قميزة، رافد العزاوي، أحمد الحباسي، أشرف إبراهيم حجاج، طلال قسومي، محمد شمام ، نادية سعد، د- هاني ابوالفتوح، تونسي، محمد عمر غرس الله، د- جابر قميحة، رضا الدبّابي، مصطفى منيغ، عبد العزيز كحيل، خالد الجاف ، فتحي العابد، عمر غازي، د - مصطفى فهمي، جاسم الرصيف، أنس الشابي، محمود فاروق سيد شعبان، سيد السباعي، د. صلاح عودة الله ، ماهر عدنان قنديل، فوزي مسعود ، حسني إبراهيم عبد العظيم، أحمد بوادي، أ.د. مصطفى رجب، محمد الطرابلسي، رشيد السيد أحمد، محرر "بوابتي"، وائل بنجدو، د.محمد فتحي عبد العال، إياد محمود حسين ، د - شاكر الحوكي ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، سامح لطف الله، عبد الرزاق قيراط ، د. أحمد بشير، فتحـي قاره بيبـان، يزيد بن الحسين، منجي باكير، د- محمود علي عريقات، حسن عثمان، مجدى داود، صالح النعامي ، فهمي شراب، د - عادل رضا، ياسين أحمد، علي الكاش، الناصر الرقيق، د. عبد الآله المالكي، فتحي الزغل، رحاب اسعد بيوض التميمي، د. عادل محمد عايش الأسطل، الهيثم زعفان، صلاح الحريري، صفاء العربي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، حميدة الطيلوش،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة