نظام انتخابيّ سيُغيّر المشهد السياسي والبرلماني.. من يخشى العتبة؟
محمد أمين السعيداني - تونس المشاهدات: 2785
كما كان متوقّعا، أثار موضوع تنقيح مقترح القانون الانتخابِيّ وإدخال عتبة 5% في الانتخابات التشريعيّة جدلا واسعا داخل الأوساط السياسيّة و الإعلاميّة، بين من يعتبرهُ حلاّ جذريّا لضمان أغلبيّة برلمانيّة تضمن من خلالها استقرارا حكوميا وبينَ من يعتقدُ أنّ هذا التنقيح استهداف ممنهج للتعدّدية وتكريس صريح لاستبداد الأغلبيّة.
والمقصود بالعتبة الحد الأدنى من الأصوات التي يشترط القانون الحصول عليها من قبل القائمة المترشحة، ليكون لها حق في الحصول على حصّة ضمن المقاعد المتنافس عليها في الانتخابات.
وجرت الانتخابات التشريعية والرئاسيّة في تونس سنة 2011 و2014 دون اللجوء إليها، حيث وقع إقرارها لأوّل مرة في فيفري 2018 من خلال تنقيح القانون الانتخابي قبل إجراء الانتخابات البلديّة بإقرار عتبة 3% قبل أن تصادق لجنة النظام الداخلي والقوانين الانتخابيّة في البرلمان مؤخرا على إدراج عتبة 5 % في الانتخابات التشريعية المُقبلة.
فماهي أهمّ انعكاسات هذا التّنقيح على المشهد السياسيّ؟ وما مدى وجاهةِ وجهاتِ نظر الرّأيينِ؟
تعتبر التّجاذبات التي رافقت أشغال اللجنة البرلمانيّة قبل أيّام دليلا قطعيّا على حساسيّة الموضوع، حيث صوت ممثّلو حركة النّهضة والائتلاف الوطني ونداء تونس لصالح إدراج عتبة 5%، بينما رفض التنقيح كل من ممثّل الجبهة الشعبية وكتلة الولاء للوطن.
من يخشَى العتبة؟
يُعتبر أصحاب الرأي المساند لمقترح التّرفيع في الغالب من بين الأحزاب ‘الكبرى’ التي تمتلكُ قاعدة شعبية صلبة تمكّنها من تحصيل تمثيليّة أكبر مع ضمان عدم تشتيت الأصوات والوصول بالمشهد السياسيّ نحو الاستقرار البرلماني ومنه نحو الإستقرار الحكومي الذّي مثّل أهم عائق خلال المرحلة المنقضيةِ، معتبرين أنّ ذلك يساهم بشكل مباشر في خلق مشهد سياسي أكثر وضوحا، خاصّة في التمييز بين من هم في الحكم ومن يتواجدون في المعارضة، دون الحاجة إلى توافقات بعينهَا لضمان النصابِ.
وكتب الباحث التونسي، مصطفى القلعي، مؤيدا لرفع عتبة الدخول للبرلمان، قائلا: “من يريد أن يحكم عليه أن يكبر وعليه أن يلعب مع الكبار وعليه أن يرفض فتات القانون الإنتخابي.. على الجبهة الشعبية أن تكبر”.
وفي مقالة نشرها البارحة تساءل موجها كلامه للجبهة الشعبية، أكثر المعترضين على العتبة الإنتخابية،
“كيف تطرح الجبهة الشعبيّة نفسها بديلا للحكم وتدافع عن العتبة؟ يعني ضمنيّا لا ترى نفسها خارج هذه البوتقة؟ لا، إذا كنتم مازلتم قابلين بهذا الوضع فنحن، مناضلي الجبهة القاعديّين البسطاء، لم يعد بإمكاننا أن نقبل ذلك. اسمعوا رفاقي؛ أنا أعتقد أنّ الترفيع في العتبة هو فرصتكم لتكبروا وتأخذوا حجمك الطبيعي في وطنكم وبين شعبكم أو فلتعودوا كما كنتم ولتبدأوا من أوّل؟”
وكتب الكاتب الصحفي محمد صالح مجيٌد مقالا بعنوان “تونس: ديمقراطيٌة التسوٌل بالعتبة الانتخابيٌة“، قال فيه
“في تونس فقط يُراد للحزب الفائز أن يتنحٌى ليوزٌع الحكم على فقراء الأصوات تكريسا لبدعة ديمقراطية “التسوٌل ” بالعتبة الانتخابية او بالابتزاز تحت مسمٌيات “ضرورة التوافق”و”مساهمة الجميع في الحكم”
إنٌ الديمقراطيٌ الوفيٌ لمبادئه،هو الذي إذا دخل لعبة الانتخابات قبل بنتائجها ،وتصرٌف وفق أحكامها بتحمٌل مسؤولية الحكم إذا ما فاز أو خوض غمار المعارضة بشرف إذا فشل في إقناع الناخين”.
على عكس ذلك يصطدم هذا القرار بموجة رفض مرفوقة باتهامات عديدة يرى مطلقُوها ممثِّلين عن منظمات من المجتمع المدنيّ وأحزاب تحضى بتمثيليّات ضعيفة أن هذا التّنقيح يحمل بين طياته ما يهدف من خلاله إلى إقصاء وتحييد المكوّنات الحزبيّة ‘الصغيرة’ ويؤسس لدكتاتوريّة الأغلبيّة، حيث يعطي فرصة سانحة للأحزاب الكبرى للاستئثَار بالحُكم لوحدِها حتى وصفها الناشط السياسي طارق الكحلاوي خلال تدوينة له على الفايسبوك ‘بالمجزرة الإنتخابيّة’.
وبين هذا وذاك يرى كثيرُون أنّ التهكّن بالعتبة الملائمة غير مُمكن نظرا لعدم وضوح أفق التوازنات الممكنة التي ستفرزها إنتخابات 2019 ، فكلّ ما نعرفه بدقّة هو نتائج انتخابات 2014 والتي تميّزت بتقدم كبير لحزبي النهضة والنداء في حين لم يتمكن الحزب الثالث (الاتحاد الوطني الحرّ) من الاقتراب من عتبة 5% وفي وضعيّة الحال لو طبّقنا عتبة 5% فالنداء سينتقل من 86 نائبا إلى 107 نواب وحركة النهضة ستربح بدورها 19 نائبا آخر لتصبح حائزة على 88 نائبًا) أي أنّ هذين الحزبين سيربحان معا 40 نائبا ولن يبقى لبقيّة الأحزاب ما يسمح لها حتّى بتكوين كتلة برلمانيّة.
تقول كلّ المؤشرات إنّ الانتخابات المقبلة لن تكون كسابقاتهَا نظرا لدقّة المرحلة ولخطورة الأوضاع الوطنيّة والإقليميّة وهو يتطلّب طبقة سياسيّة صلبة ومتماسكة قادرة على مسايرة الأوضاع والتفاعل مع الُمستجدّات.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: