البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

العدالة الانتقالية : أما آن لهذه المنظومة التونسية أن تفهم

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 2521



انشغل التونسي بقضية خاشقجي لمدة أيام حتى صارت عملية الاغتيال حديث المقاهي بين مشفق ومستنكر وشامت جذلان برؤية دم مسفوك لأنه دم ذو شبهة إخوانية، وفجأة دعت محكمة مختصة تشتغل تحت سقف العدالة الانتقالية وزيرًا لبن علي للمثول أمامها في قضية من قضايا القتل، فارتد الإعلام التونسي إلى الداخل يحارب مسار العدالة الانتقالية برمته مطالبًا مرة أخرى بإلغاء كل المسار عبر إلغاء المحاكمات وحل الهيئة، عائدًا بالنقاش السياسي إلى نقطة الصفر، وعلق نواب نشاطهم في المجلس محتفظين فقط برواتبهم الجزيلة.

تبين أن أوركسترا المنظومة لا تزال متماسكة وتعمل بتناغم كبير بين أجهزة إعلام نوفمبرية ومحللين من بقايا البوليس السياسي لا يزالون يمسكون بمفاصل صنع الرأي العام الداخلي ويتكلسون حول رفض حقيقة بسيطة وواضحة، لا يمكن لمنظومة سقطت بالشارع أن تقوم ثانية، لكنهم يصرون على جعل حياة التونسيين تراوح بين الشقاء والتعاسة.

حجج المنظومة

لقد فرض مسار العدالة الانتقالية في المجلس التأسيسي وانتخبت هيئة لذلك وتقدمت في أشغالها وهي تتهيأ لتسليم ملفاتها للقضاء المختص وإصدار تقريرها الختامي وإعلان حل نفسها بنهاية العهدة قانونيًا، ورغم ذلك تعاند المنظومة رافضة كل نتيجة لعمل الهيئة.

تصرّ أركان المنظومة على بطلان ما تفعل الهيئة، متحججة بأن الهيئة غير شرعية، ويضيف البعض أن رئيستها منحازة والغريب في الصورة أن أركان المنظومة يحتكمون إلى الدستور الذي صدر بإجماع عن المجلس التأسيسي ولكنهم يلحون على بطلان عمل الهيئة التي أسسها الدستور نفسه، ويضيف البعض كل الطعون الأخلاقية في رئيسة الهيئة.

تقوم وسائل إعلام المنظومة وهي الوحيدة الموجودة فعلاً على الساحة (فشل الثورة في خلق إعلام يحمي الثورة هذا موضوع آخر حبرنا فيه الكثير)، بالتعمية على كل جلسات المحاكمة التي تجري الآن ضمن سياق العدالة الانتقالية مثل محاكمة كمال المطماطي دفين الخرسانة، ويكافح "فيسبوك" التونسي لكشف بعض الحقائق لكن فقره إلى موجهين متمرسين للرأي العام يجعل عمله نوعًا من الهواية.

تعتمد المنظومة على عملية خلط ذكية في الرد على مسار العدالة الانتقالية فتمزج بين ضرورة إغلاق الملفات وإنهاء الصراعات غير البناءة خدمة باسم المصلحة الوطنية لكن ضمن خريطة (أطروحة) تجاوز القانون المؤسس للعدالة نفسها وترجمة ذلك عمليًا لا تحاكموا أحدًا بل يعاد إلى محاكمة الثورة وإدانتها لأنها هي أصل الجريمة، وقد تقدم بعض قانونيي المنظومة بقضية عدلية ضد المستفيدين من منشور العفو التشريعي العام الذي صدر في الشهر الثاني للثورة.

فعوض الحديث عن رفض المتهمين حضور الجلسات وتنصلهم من تحمل المسؤولية الجنائية عن أفعالهم يهاجم إعلام المنظومة الضحايا بنفس خطاب بن علي القديم، مستحضرًا نفس لوائح الاتهام التي حوكموا بها، فينظمون لهم محاكمة ثانية حتى وهم مدفونين في الخرسانة.

أما إذا مست المحاكمات قيادة الصف الأول من دولة بن علي فإن الأوركسترا تسقط السماء على رأس البلد كأن هناك قومًا مقدسين لا يجوز الاقتراب من حماهم، وهذا ما عايناه في حالة الوزير أحمد فريعة آخر وزير داخلية عند بن علي (وزير ثلاثة أيام) وفي أيامه سقط أكبر عدد من شهداء الثورة وقد طلب الإعلام صراحة أن ندين الشهداء ولا نمس من قيافة السيد الوزير الذي يحاكم في حالة سراح، فيبيت في فراشه الوثير وليس في كتلة خرسانة.

لماذا تفعل المنظومة ذلك؟ إنه تقرير الهيئة الذي يتسلط عليها كسيف ديموقليدس، هذا التقرير يدين المنظومة محليًا ودوليًا، إنه ليس إدانة قانونية (قضائية) فحسب بل هو أخطر، إنه إدانة تاريخية وأخلاقية سينتهي مهما حوصر بقطع الطريق على إعادة إنتاج المنظومة لنفسها بوسائلها القديمة.

رفض التطور يعني الموت

لا نحتاج هنا إلى قراءة داروين واستدعاء علم الأنواع ثانية، فمن السهل معاينة طبيعة الحجج التي تقدمها أبواق المنظومة لنعرف أن ما قالته سنة 2011 لا تزال تكرره بعد ثماني سنوات من التغيير البطيء والثابت نحو تونس أخرى.

إنها تفتقد إلى الحجة القانونية أمام الدستور وتفتقد الحجة الأخلاقية أمام الضحايا خاصة وتشتغل بآلية دفاع مرضية (باثولوجية) مبدأ إنكار الآخر لإنقاذ الذات، فالثورة لم تقع بل وقعت فوضى عصفت بوضع سليم، وما ترتب عن ذلك يجب أن يزول، أي عمليًا العودة إلى نظام بن علي، فماذا في هذا النظام يغريها؟

إنه منظومة مصالح مالية واقتصادية تتغطى بخطاب وطني شوفيني، من قبيل النموذج التونسي المتميز ومن قبيل تونس التقدمية الحداثية المتنورة، فتدافع المنظومة عن نفسها لا عن الوطن، ولم تجد في قواميس الدفاع إلا النكوص بما يجعل منها منظومة متخلفة عن مرحلة بناء الديمقراطية وعاجزة عن تجديد نفسها بوسائل الديمقراطية في حدها الأدنى القبول بالآخر الوطني، إنها القديم الذي لا يريد أن يموت أمام جديد زاحف وإن تعثر.

لقد حققت المنظومة مكسبًا مهمًا هو قانون المصالحة الذي سار بالتوازي مع العدالة الانتقالية وكان أثره كبيرًا على إنقاذ ثروات الكثيرين من ممولي المنظومة سابقًا ولاحقًا ومواقعهم في الإدارة والسياسة، لكن الثورة لم تجعل من هؤلاء مؤهلين لقيادة رشيدة بل خلاف ذلك إنهم بثرواتهم يقفون عقبة في طريق التقدم الاقتصادي والسياسي، وأكبر دليل على ذلك فشلهم بعد انتخابات 2014 في الخروج بالبلد من وضع المهانة الاقتصادية.

التشبيه الوحيد الممكن لهؤلاء أنهم كروش كبيرة تعرف أن تختزن فقط، لذلك لم يمكن (ولا يمكن) رؤيتهم يتحولون إلى فاعلين مؤثرين بالاقتصاد بل يلجأون دومًا إلى نفس الوسائل التي اعتمدوها في زمن بن علي وهي ذات الوسائل التي يستعلمونها الآن: الاحتيال على المال العام وبث الدسائس والكيد والتثبيط النفسي لكل أمل في التغيير خاصة لدى الشباب.

من هذا المنظور تصير معركتهم مع العدالة الانتقالية هي دفاع أخير وليس هجومًا أولاً سيحقق مكاسب ليست أكثر من تأجيل الانهيار لأن المسار تقدم حتى وصل مرحلة إصدار التقرير، وسيصدر بقوة القانون وسيدين وسيكونون مدانين مهما أجلوا الكارثة، وقد ينفذ كثيرون من ثقب الخطأ في الإجراءات أو بحيل أخرى قصيرة ولكن الإدانة الأخلاقية (وهي جوهر في العدالة الانتقالية) ستظل تطاردهم، وموازين القوى في الداخل رغم العثرات الكثيرة تتغير، ليس بالسرعة التي أرادها من شارك في الثورة صادقًا بل لعل فعلها كفعل الأرضة في منسأة سليمان.

آن لهذه المنظومة الفاسدة أن تفهم، فنحن نشاهدها تحشرج مستعينة بالأراذل.

---------
وقع تعديل طفيف للعنوان الأصلي للمقال
محرر موقع بوابتي


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، العدالة الانتقالية، الثورة المضادة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 30-10-2018   المصدر: نون بوست

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
كريم السليتي، د. عادل محمد عايش الأسطل، د- محمود علي عريقات، محمد أحمد عزوز، محمود فاروق سيد شعبان، د. ضرغام عبد الله الدباغ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، صلاح المختار، يحيي البوليني، صفاء العراقي، ياسين أحمد، محمد شمام ، عبد الرزاق قيراط ، سليمان أحمد أبو ستة، فتحـي قاره بيبـان، الهادي المثلوثي، خبَّاب بن مروان الحمد، منجي باكير، صباح الموسوي ، رمضان حينوني، سلوى المغربي، أحمد بوادي، خالد الجاف ، محمد عمر غرس الله، سفيان عبد الكافي، فهمي شراب، رافد العزاوي، نادية سعد، حميدة الطيلوش، فتحي الزغل، أحمد الحباسي، علي عبد العال، محمود طرشوبي، سعود السبعاني، د. كاظم عبد الحسين عباس ، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، عراق المطيري، سيد السباعي، إياد محمود حسين ، محمد الياسين، كريم فارق، العادل السمعلي، صفاء العربي، محرر "بوابتي"، صلاح الحريري، وائل بنجدو، د - محمد بن موسى الشريف ، د.محمد فتحي عبد العال، محمد العيادي، إيمى الأشقر، د - الضاوي خوالدية، عزيز العرباوي، محمد الطرابلسي، علي الكاش، تونسي، الناصر الرقيق، د. خالد الطراولي ، مراد قميزة، د- جابر قميحة، عبد الغني مزوز، مصطفى منيغ، د - صالح المازقي، عبد الله الفقير، رشيد السيد أحمد، ماهر عدنان قنديل، أ.د. مصطفى رجب، عواطف منصور، د - المنجي الكعبي، يزيد بن الحسين، المولدي الفرجاني، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د - مصطفى فهمي، فتحي العابد، محمد يحي، فوزي مسعود ، صالح النعامي ، محمد اسعد بيوض التميمي، عمار غيلوفي، سامر أبو رمان ، حسن الطرابلسي، طلال قسومي، رضا الدبّابي، أنس الشابي، د- هاني ابوالفتوح، د- محمد رحال، عمر غازي، د - شاكر الحوكي ، رحاب اسعد بيوض التميمي، جاسم الرصيف، د. طارق عبد الحليم، مجدى داود، محمود سلطان، حسني إبراهيم عبد العظيم، عبد الله زيدان، أشرف إبراهيم حجاج، ضحى عبد الرحمن، رافع القارصي، أبو سمية، حاتم الصولي، د. مصطفى يوسف اللداوي، مصطفي زهران، د - محمد بنيعيش، د. صلاح عودة الله ، أحمد ملحم، د. أحمد بشير، د. عبد الآله المالكي، سامح لطف الله، سلام الشماع، حسن عثمان، أحمد النعيمي، إسراء أبو رمان، د. أحمد محمد سليمان، الهيثم زعفان، د - عادل رضا،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة